افترض الغرب أن تنامي القوة العسكرية للجماعات المسلحة في شمال مالي سيكون بطيئًا، وقرروا نشر قوات أفريقية في أيلول (سبتمبر) القادم، لكن هذه الجماعات فاجأت الجميع بسرعة تحركها في مالي، وقدرتها على التحرك على الحدود المفتوحة بين الدول الأفريقية.


سلّط حل أزمة الرهائن في الجزائر، وما واكبه من مقتل عشرات المخطوفين وخاطفيهم، الضوء على التحديات الأوسع التي تواجه الولايات المتحدة والدول الحليفة في مكافحة الخلايا الإرهابية، التي اتخذت من شمال أفريقيا ملاذًا لها.

وكانت الولايات المتحدة وفرنسا تعملان منذ أشهر على إقناع الجزائر بدعم تحركهما لطرد المسلحين الاسلاميين من شمال مالي. لكن زحف المسلحين جنوبًا ومناشدة حكومة مالي فرنسا لتتدخل عسكريًا، واحتجاز الرهائن في منشأة الغاز جنوب شرقي الجزائر، فاجآ الولايات المتحدة، وحملا البيت الأبيض على اطلاق تعهدات بمكافحة الارهاب في المنطقة.

استراتيجية مدروسة

تواجه الدول الغربية في مالي جماعات متعددة الجنسيات، قادرة على التحرك بحرية نسبية عبر الحدود الأفريقية المفتوحة. ولدى هذه الخلايا وفرة من الأهداف المغرية للاختيار من بينها. فالمنطقة غنية بالنفط والغاز واليورانيوم، ومليئة بمنشآت دولية تمثل مصالح غربية غير محمية حماية كافية.

وإزاء إحجام الولايات المتحدة وبريطانيا عن إرسال قوات إلى مالي، ورهان فرنسا على تفادي بقاء قواتها طويلًا، تجد الدول الغربية نفسها مضطرة إلى الاعتماد على قوات أفريقيا، قد لا تكون بعيدة عن المؤثرات الخارجية.

ولاحظ رودولف عطا الله، المسؤول السابق في قسم مكافحة الارهاب في البنتاغون، أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي تمدد ببطء عبر الحدود. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن عطا الله قوله: quot;لتفكيك التنظيم، ستحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها الأفارقة والاوروبيون إلى استراتيجية اقليمية مدروسة بعنايةquot;.

حقائق مرّة

لكن صوغ هذه الاستراتيجية لن يكون سهلًا، نظرًا لطبيعة الأطراف ذات العلاقة بتنفيذها. فلدى الجزائر جيش قوي، لكنها ليست متحمسة للتعاون على نطاق واسع مع الولايات المتحدة أو جاراتها.

وتبدو حكومة ليبيا الجديدة مستعدة للتعاون ولكن قدرتها العسكرية متواضعة. ولدى مالي قدرات عسكرية لا يُعتد بها، وأي حل دائم يتعين أن يأخذ اعتبارات السياسة الداخلية في الحسبان.

تبدت الحقائق السياسية المرّة في افريقيا خلال أزمة الرهائن في الجزائر. ففرنسا والولايات المتحدة، اللتان تدركان الحاجة إلى تعاون الجزائر في الحملة ضد المسلحين الاسلاميين في مالي، لم تنتقدا اقدام الجزائريين على تنفيذ عمليتهم لانقاذ الرهائن من دون التشاور معهما، ولا تكتيك الجيش الجزائري خلال تنفيذ العملية.

وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند: quot;أرى أن المقاربة الجزائرية هي الأنسب، لأنه لا يمكن أن تكون هناك مفاوضاتquot;. تريد فرنسا والولايات المتحدة أن تضبط الجزائر حدودها مع مالي، فيما تريد فرنسا من الجزائر أن تستمر في السماح للطائرات الفرنسية بالمرور في أجوائها.

دلائل غير دقيقة

لاحظت لجنة التحقيق في الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي، فإن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي والجماعات المتطرفة الأخرى في المنطقة تمثل بصورة متزايدة وجه الإرهاب الجديد، أي جماعات تعادي الولايات المتحدة بضراوة ولكنها لا تعمل بقيادة زعماء القاعدة في باكستان.

وكان هدف الاستراتيجية الفرنسية والاميركية في البداية ألا يكون لهما وجود ظاهر في المنطقة، وفي الوقت نفسه تدريب قوات أفريقية للانتشار في مالي وتصديها للمسلحين المرتبطين بالقاعدة في شمال البلاد.

كان ثمة دلائل متزايدة على تزايد الوضع خطورة في شمال افريقيا. وتحدث خبير أمني غربي كُلف تقييم الخطر الذي يهدد مجمع الغاز الجزائري العام الماضي عن تزايد هذا الخطر، بسبب نشاط الجماعات المسلحة في مالي.

إلا أن الخطة الاميركية والفرنسية افترضت أن تنامي خطر الجماعات المسلحة في مالي سيكون بطيئًا، ولدى الغرب ما يكفي من الوقت لإعداد رد أفريقي عسكري. وكانت الخطة تقضي بنشر قوات أفريقية في ايلول (سبتمبر) القادم.

لكن حملة المسلحين الاسلاميين في مالي وتقدمهم باتجاه العاصمة باماكو، ثم هجومهم على مجمع عين أميناس في الجزائر، أظهر أن ذراع هذه الجماعات تصل ابعد مما كان متوقعًا، وانها مستعدة لاتخاذ مبادرات هجومية. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن بروس هوفمان، الخبير المختص بشؤون الارهاب في جامعة جورجتاون الاميركية، قوله إن المعادلة تغيرت بالكامل على الأرض، بعد التدخل العسكري الفرنسي.

أميركا الحائرة

أرسلت ادارة اوباما 100 مدرب إلى الدول الأفريقية، للمساعدة في إعداد قوات افريقية، وإرسالها إلى مالي للعمل بجانب القوات الفرنسية. وهي تدرس الآن حجم الدعم الذي عليها تقديمه للمجهود العسكري الفرنسي. وفي وقت ما زال الاميركيون يحاولون استيعاب ما حدث في الجزائر، والتعرف إلى قتلاهم، لم تبيّن الولايات المتحدة حتى الآن كيف تعتزم تعديل استراتيجيتها في أفريقيا بما يواكب المستجدات.

ويقول خبراء أميركيون إن واجب أي استراتيجية اقليمية أن تشمل مساعدة الدول الأفريقية لضبط حدودها بشكل محكم، من اجل تقييد حركة الجماعات المسلحة ومكافحة تهريب المخدرات، الذي يشكل مصدرًا رئيسا من مصادر تمويلها.

وقد تكون بعض الموانع التي تعترض طريق التحرك الاميركي الفاعل مفروضة ذاتيًا، بسبب تركيز البيت الأبيض على القضايا الداخلية، وتطيّر المسؤولين من توسيع الوجود العسكري الاميركي في المنطقة.

وحض هوفمان الولايات المتحدة على التفكير في إمكانية تكثيف دعمها للتدخل الفرنسي بتقديم إسناد لوجستي اضافي، وربما استخدام طائرات من دون طيار، لتتمكن القوات الفرنسية من تنفيذ عملياتها بفاعلية أشد، وتسليم المهمة إلى القوات الأفريقية بأسرع وقت ممكن.

تبقى مشكلة انتهاكات حقوق الانسان محكًا لأي تدخل عسكري مدعوم غربيًا. فقد قالت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان في تقرير نشرته أخيرًا إن الجماعات المسلحة في شمال مالي جندت مئات الأطفال لاستخدامهم مقاتلين في صفوفها. وأضافت أن بعض الأطفال كانوا يتمركزون على حواجز تفتيش قصفتها الطائرات الفرنسية.