انفجرت قضية المدونة والصحافية التونسية ألفة الرياحي بعد اتهامها وزيرًا تونسيًا بتبذير المال العام، إذ تتمسك برفضها كشف مصادر الخبر، وتقرّ بقربها من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، من دون أن يمنعها ذلك من احترام مبادئ العمل الصحافي.


باريس: ألفة الرياحي مدونة وصحافية تونسية، ذاع صيتها منذ كشفت على صفحات مدونتها وعلى بعض القنوات الفضائية فضيحة وزير الشؤون الخارجية التونسي رفيق عبد السلام، الذي يبذر المال العام في مسائل شخصية. وقد أحيلت الرياحي على القضاء، quot;ردًا على إلحاحي على فتح تحقيق رسمي في الأمر، وعلى رفضي الافصاح عن هوية مصادريquot;، كما قالت الرياحي لـquot;إيلافquot;.

وكان محامو وزارة الشؤون الخارجية قدّموا شكوى ضدها طبقًا للفصل 86 من مجلة الاتصالات، والفصلين 89 و90 من القانون 63-2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، والفصول 126، 148 و253 من المجلة الجزائية، والفصل 54 من المرسوم 115-2011.
اضافت: quot;استدعيت في 15 كانون الثاني (يناير) 2013 كمتهمة، إلا أن قاضي التحقيق استمع إليّ كشاهدة، في جلسة استماع دامت أكثر من ثلاث ساعات، ومنذ ذلك الحين أنتظر مثولي أمام المحكمة ثانيةquot;.

وترفض الرياحي أن تكشف عن مصادرها، لأن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أكدت في مرات عديدة أن الفصل 10 لا يحمي فقط المادة ومحتوى المعلومات والأفكار، وإنما كذلك الوسائل التي نشرت عبرها، وقوانين هذه المحكمة تخصّ الصحافة بحماية واسعة جدًا، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بسرية المصادر الصحافيةquot;.

محاربة الفساد

تنفي الرياحي أن يكون عملها الاستقصائي عملا شخصيا، وتقول: quot;لا أستهدف وزير الشؤون الخارجية، رفيق عبد السلام كشخص، لكني أستهدفه كموظف دولة، والشكوى الثانية كانت ضد وزير المالية ومدير ديوان وزارة الخارجية، وكل الأشخاص الذين سيكشف التحقيق تورطهمquot;.

وتؤكد الرياحي أن ما يهمها ليس الجانب الأخلاقي فقط، وإنما همّها محاربة الرشوة واختلاس المال العام وتبييض الأموال والعمل من أجل حكومة تتبنى الشفافية والنزاهةquot;.

تعترف الرياحي أن quot;الرابط الذي يجمع وزير الشؤون الخارجية التونسي وراشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، يجعل من هذه القضية قضية تمس مجموع الحركة الإسلامية في هذا البلد، والترويكا الموجودة في السلطة أيضًا، ولا سيما أن التحالف قائم بين حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية الذي ردّد باستمرار أن حجر زاوية مهمته هو محاربة الفسادquot;.

الحياد ممكن

ينتقد بعضهم الرياحي لأنها باتهاماتها وزير الخارجية التونسي تدخل في سياق حرب خفية بين الرئاسة التونسية وحركة النهضة الحاكمة، بشأن من يدير دبلوماسية البلد. تقول: quot;إنها محاولة من دون جدوى، لصرف الأنظار عن قلب المشكل الحقيقي عوض الاهتمام بالمعلومات التي تم الكشف عنها وبعمق هذا العملquot;.

وترى الرياحي فارقًا كبيرًا بين الحياد والموضوعية، quot;فالصحافي هو أولًا وقبل كل شيء إنسان، وكل إنسان هو ذاتي في جوهره، والموضوعية مسألة تستحيل على الصحافي، لكن الحياد ممكنquot;. تضيف: quot;ميثاق الشرف الصحافي لا يمنع الاعلامي من تكوين آراء خاصة، ولا من الدفاع عن أفكار أو مثل، لكن هذا الميثاق يفرض على الصحافي أن يخبر جمهوره بأي رابط يمكن أن يبرر تضاربًا ممكنًا في المصالحquot;.

فالجمهور بحسب الرياحي يعرف أنها مقرّبة من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وهي لم تخف هذا الأمر يومًا، بل ذكرته مرارًا بكل أمانة، quot;لأنني ملتزمة بالمبادئ الأربعة الأساسية للصحافة أي الأمانة والحياد والاستقلالية والشجاعةquot;.

ألفة الرياحي لا ترهبها التهديدات والضغوط

تفيد الرياحي بأنها وقعت تحت الكثير من الضغوط والممارسات غير القانونية وغير الصحية التي هدفت إلى زعزعتها وعزلها عن محيطها القريب، كاشفة أنها كصحافية لها مصادرها في كل مكان، وهذا ما يجعلها متقدمة، بحسب قولها.

تقول: quot;هي حرب اخترت أن أخوضها مع علمي المسبق بالأسباب، وكما يقال، في زمن الحرب كل الضربات مسموح بها، ولذلك لا أتفاجأ بضربات الخصم المنحطة، وسأواصل خطواتي حتى النهاية، إلى أن تنتصر الحقيقةquot;.

تفاؤل بالمستقبل

ترى الرياحي أن تونس ليست هي البلد الوحيد التي يتعرض فيها العاملون في الصحافة الاستقصائية للضغوط والتهديدات والاختفاء القسري، فالفساد موجود في جميع بقاع العالم، وسيبقى كذلك، وكل شخص يسعى لأن يواجهه في تونس أو أي بلد آخر، سيعرض نفسه لسخط الفاسدين.

ولا تخفي تفاؤلها الكبير بمستقبل تونس، وتؤمن بتونس أفضل وبذكاء الشعب التونسي، إلا أنها تعبر في الوقت نفسه عن تحفظاتها العديدة تجاه السياسيين والمجتمع المدني. وتعتقد أن الدينامية التي تسود في تونس اليوم سيكون لها نفع كبير على المستقبل.

تقول: quot;تظافر الجهود التي تولدت عن هذه الدينامية ستقود تونس لغد أفضل، حيث لا تهميش على أساس ديني أو إيديولوجي أو اجتماعي أو ثقافي، وإنما على قاعدة منظومة قيم مرتبطة بالاحترام والتسامح والحرية، وما يتبع ذلك من مسؤولية، فأنا مثالية إلى حد ما ومقتنعة بأن الخير سينتصر على الشرquot;.

ممنوعة من السفر

ذكرت منظمة مراسلون بلا حدود، في بيان حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه، أنها تتابع باهتمام مسار التحقيق القضائي الذي أذنت به النيابة العامة التونسية، ويستهدف الرياحي، إثر نشرها على مدوَّنتها الخاصة معلومات، حصلت عليها إثر تحقيق استقصائي، تطعن في استقامة وزير الشؤون الخارجية التونسي.

ويفيد البيان أن هذا التحقيق الذي نشرته المدوِّنة يتطرق إلى الاستعمال غير القانوني للمال العام من طرف وزير الشؤون الخارجية رفيق عبد السلام، أثار في نهاية العام 2012 ضجة كبرى، وصار يعرف اصطلاحا باسم فضيحة الشيراتون أو الشيراتون غايت، مشيرًا إلى أنه على الرغم من اعتبارها شاهدة، فإنها ممنوعة من السفر خارج البلاد.

وطالبت المنظمة برفع هذا المنع فورًا، معتبرة أن كل التهم التي تضمنتها شكوى الوزير تحيل على عقوبات بالسجن، ومن شأن تراكم العقوبات أن يفضي إلى عدة أعوام من السجن، وهو ما يعدّ انحرافًا حقيقيًا. لقد اتخذ هذا التحقيق انطلاقة ضالة بأن أخطأ في الهدف، وهو ما يثبت للأسف أن رفع تجريم جنح الصحافة لا يزال غير مدرج في جدول الأعمال في تونس.

حرية التعبير لا تقود إلى السجن

وأكدت منظمة مراسلون بلا حدود أنه quot;على القضاء التونسي أن يضع في الحسبان أن ممارسة حرية التعبير في الديمقراطية لا يمكن أن تقود إلى السجن، ولو ثبت وجود تعسف، مستنكرة بشدة اللجوء إلى مجلة العقوبات ومجلة الاتصالات وإلى القانون الأساسي لسنة 2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، في الوقت الذي ينص فيه الفصل 13 من المرسوم 115-2011 (قانون الصحافة الجديد) على أنه لا تجوز مساءلة أي صحافي بسبب عمله، إلا إذا ثبت إخلاله بالأحكام الواردة في هذا المرسوم.

وقال كريستوف دولوار، الأمين العام للمنظمة، في تصريح صحافي: quot;لا نعتقد أن الصحافيين والمواطنين يعلون على القانون، لكننا مقتنعون أن هناك قوانين تلائم وظيفتهم الإعلاميةquot;.

أضاف: quot;لا يزال المنطق القمعيُّ والخلط الحاصل بين جنح الصحافة وجرائم القانون العام، الموروثانِ من العهد الدكتاتوري، حاضرَين في أذهان الذين يطبقون العدالةquot;.