بعد أن امتلأت المخيمات في الدول المجاورة لسوريا باللاجئين، لم يعد للبعض الآخر منهم والذي هجّرتهم ظروف الحرب سوى التوجه إلى المغاور والكهوف في الجبال للاختباء من القصف والقتل.


مشت الطفلة ذات الأربع سنوات على حافة السفح متشبثة بوجهه الصخري، كان كعب قبقابها مغطى بالوحل وقدماها الغضتان تنزلقان بخطورة وهي تخطو على الصخور المبللة لحافة ضيقة، لا يزيد عرضها على 10 سنتم، تحتها منحدر حاد الزاوية.
أومأت أم سالم (40 عاما) الى ابنتها كي تتقدم بذراعين ممدودتين نحوها. فهذا هو الطريق الوحيد الى بيتهما الجديد، وهو مغارة على سفح منحدر سحيق شمال سوريا.

الكهوفباتت بدورها ملجأللسوريين

وأم سالم وأطفالها عائلة واحدة من بين ما يربو على 100 شخص وجدوا ملاذاً لهم من الحرب في الكهوف، التي نحتتها الطبيعة في هذا السفح الجبلي الشاهق في محافظة ادلب.
وتقع قرية أم سالم، الحمامة، على بعد أقل من كيلومترين عن الجبل، ولكن عندما بدأ مقاتلو المعارضة يخوضون معارك مع قوات النظام هناك قبل أكثر من شهرين أصبحت القرية بألوانها الريفية الزاهية ساحة خطرة للغارات الجوية ونيران الدبابات والهاون.

وباتت قصة هروب عائلة أم سالم قصة مألوفة الآن في سائر انحاء سوريا حيث هجرت الحرب الأهلية نحو 2.5 مليون سوري، ولكن ظروف العائلة المزرية تروي قصة مأساوية تختلف عن القصص الأخرى.
قالت شيماء (17 عاما) لمراسلة صحيفة الديلي تلغراف روث شيرلوك quot;أصبح من المستحيل العيش هناك. لم يكن لدينا مال نستأجر به بيتاً جديداً في قرية آمنة في سوريا، ومخيمات اللاجئين في تركيا مكتظة وكنا نعرف اننا لن نُقبل فيهاquot;.
وعندما قررت عائلة شيماء النزوح قضت أياما في البحث عن مغارة مناسبة quot;لأن غالبيتها كانت مليئة بلاجئين آخرين من القريةquot;.

اللاجئون يعيشون حياة بدائية

وتتخلل وجه المنحدر الواقع بجانب طريق وقبالة نهر ارتفع منسوب مائه بني اللون، علائم حياة بشرية تتمثل في غسيل منشور على أغصان اشجار صغيرة واحراش، وممرات بدائية محفورة في السفوح الموحلة، ورمل مرشوش على سلالم صنعها اللاجئون بأيديهم، وأكوام صغيرة من الحطب على مداخل الكهوف والمغارات.
وعُلقت ستائر بلاستيكية لحماية مداخل الكهوف. وبنى بعض اللاجئين القدامى جدراناً من الطين أو الحجر أو الكتل الخرسانية الخفيفة بل وأضافوا حتى ابوابا معدنية على مداخل كهوفهم.

وعندما انتقلت أم سالم الى هذه الكهوف كان عليها أن تمضي يوماً كاملاً في تنظيف أرض الكهف من براز الحيوانات. وقالت أم سالم quot;ان راعياً اقترح علينا ان ننتقل الى هذا المكان. وكانت الكهوف تُستخدم زرائب للأغنام قبل ذلكquot;.
وعملت أم سالم على تكييف كهفها قدر الإمكان، بحيث يكون صالحاً لسكن البشر. فأرض الكهف مغطاة بقطع من البلاستيك عليها بساط أحمر. وعُلقت دلاء صغيرة على الحواف الناتئة في سقف الكهف لجمع الماء الذي يتسرب من الشقوق.

وتحفظ أم سالم داخل صدع في ركن الكهف إناءين وابريقا أسود من السخام. وتُستخدم ثقوب أخرى بحجم قبضة اليد في جدران الكهف لحفظ قوارير الأعشاب والتوابل. ويوفر مصباحان زيتيان مصدر الضوء الوحيد في الليل.
المرحاض يقع في كهف آخر على امتداد الحافة الضيقة. وعُلقت ستارة من البلاستيك على المدخل لتوفير حد أدنى من الخلوة، ولكنها عديمة الفائدة في منع الروائح المنبعثة من ورائها. وقالت أم سالم لصحيفة الديلي تلغراف quot;ان هذه حياة صعبة ولو كنتُ أعلم أني سأمر بهذا الوضع لما أنجبت هذا العدد من الأطفالquot;. واضافت أم سالم التي تتقاسم الكهف مع زوجها واطفالها العشرة quot;انتقلنا الى هذه المغارة منذ نهاية الصيف وأحتاج الى يوم كامل لتسخين قليل من ماء النهر من أجل نظافتناquot;.

الأطفال والنساء يشكلون النسبة الأكبر من اللاجئين إلى الكهوف

ولا يستطيع الأطفال اللعب في الخارج خشية أن تدهسهم سيارة على الطريق القريب أو أن يسقطوا من المنحدر، كما حدث مرتين في الحالة الثانية. إذ تعثرت نور ابنة أم سالم ذات الثلاث سنوات وهوت من الحافة خارج الكهف الذي تعيش فيه على صخرة من ارتفاع يزيد على ستة امتار. وقالت أم سالم quot;ضربت نور رأسها وظهرها. أخذتُها الى الطبيب. انها تتألم ولكن الحمد لله لم تُصب بكسورquot;.
وكانت قريبة أخرى، فتاة في العشرينات من العمر، تستمع الى أم سالم قابعة تحت بطانية في ركن من الكهف. وكانت هي ايضا تتعافى من سقطة خطيرة.

يشكل الأطفال والنساء غالبية سكان هذه الشبكة من الكهوف والمغارات الجبلية. فان الكثير من رجال القرى قُتلوا في المعارك أو اعتقلتهم قوات النظام، للاشتباه في تعاطفهم مع مقاتلي المعارضة. ولدى شيماء ثلاثة أشقاء في السجن.
تقول شيماء إن الكهوف أكثر أمانا من قريتها ولكن الحرب تبقى قريبة جداً. فإن قذائف الدبابات كانت تسقط على الطريق الذي يبعد أقل من 50 مترا عن الكهف، وتمكن رؤية الطائرات والمروحيات الحربية في سماء المنطقة.
ويعيش السوريون من أهل الكهوف حياتهم اليومية على هدير المدافع. وقالت شيماء quot;أنا دائما خائفةـ وأشعر ان أحدا سيموت في أي لحظة، أملي الوحيد بالمستقبل هو السماح لي بالعودة الى قريتيquot;.