الدستور على وشك الخروج إلى العلن، تكتبه اليوم لجنة الخمسين، لكن الاخوان لا يعترفون باللجنة ولا بتعديل الدستور، إلا بعد عودة محمد مرسي رئيسًا لمصر، وعندها لكل حادث حديث.

القاهرة: لا شك في أن الاخوان المسلمين اليوم قسموا مصر بين من يحبهم حتى الموت ومن يكرههم حتى الموت. فقد اعتاد الاخوان استخدام التعبئة الدينية في صفوف المهمشين المصريين والطبقات الفقيرة، التي تجد في أفكارهم ملاذًا من شظف عيشها، بالرغم من أن عامًا من حكم الاخوان والرئيس المعزول محمد مرسي لم يقدم لهؤلاء المهمشين ما يخفف تهميشهم. اليوم، تنشغل لجنة الخمسين في صياغة دستور بديل عن دستور الاخوان، لكن فيه بعض من دستور الاخوان. وثمة من يخشى اتفاقًا من تحت الطاولة بين الاخوان وعبد الفتاح السيسي حول دستور يكرس واقعًا سياسيًا ما، يستبعد الليبراليين.
يريد الاخوان العودة إلى دستورهم، وإعادة مرسي إلى الحكم، وهذا ما يبدو مستحيلًا إلى الآن. فماذا يريد الاخوان من دستور الخمسين، وفي دستور الخمسين؟
رفض مطلق
تبدو الجماعة مصرة على عدم الإعتراف بما يجري في القاعة الكبرى بمجلس الشورى، حيث تعد تعديلات على دستور 2012، وهو المكان نفسه الذي كان أعضاء الجماعة وحلفاؤهم من الإسلاميين يجتمعون فيه لكتابة هذا الدستور، لاسيما أنها تصر على عدم الإعتراف بشرعية الأحداث التي وقعت منذ 3 تموز (يوليو) الماضي وحتى الآن، وتتمثل في عزل مرسي وتنصيب رئيس مؤقت ووحكومة جديدة وإصدار قرارات جمهورية بإنشاء لجنة العشرة لتعديل الدستور، ثم لجنة الخمسين لإجراء التعديلات التي أقرتها لجنة العشرة وصياغتها، وإجراء حوارات مجتمعية حول مواد يتم تعديلها أو مواد يتم إدخالها. ورغم تأكيدات السلطة الجديدة أنها لا تقصي أي فصيل سياسي، إلا أن الواقع يؤكد أنها عملت على إقصاء الإخوان والحركات والجماعات الإسلامية المتحالفة معها، ولم توجه إليهم الدعوة إلى مناقشة التعديلات الدستورية، ولم يدع أي منهم إلى جلسات الحوار المجتمعي، فضلًا عن حملات الإعتقالات الواسعة التي طالت قيادات الصفين الأول والثاني وأبناءهم.
هواتف مغلقة
وفي محاولة quot;إيلافquot; معرفة رأي الإخوان وحزب الحرية والعدالة في هذا الموضوع، أجرت الجريدة إتصالات بعشرين قياديًا بالحزب والجماعة، إلا أن هواتفهم كانت مغلقة أو لا ترد، وهؤلاء القياديون هم جمال قرني، وكاميليا حلمي وعزب مصطفى وأحمد سليمان ومحمد عبد الغني وأحمد النحاس ومحمد علي عبد السلام ومحمد إبراهيم طلبة والسيد عبد المقصود عسكر وعبده مصطفى وصابر عبد الصادق ومحمد فؤاد عبد المجيد ومصطفى رسلان وممدوح مبروك عبد الوهاب وهشام الصولي وصلاح الطبراني وعادل فهمي وعلي عبد الرحيم وومحمد عبد الفتاح.
وعندما أتصلت quot;إيلافquot; بالقيادي إبراهيم حجاج، رد آخر وقال إنه يعمل معه، مشيرًا إلى أن حجاج أغلق جميع هواتفه، ولا يرد على أحد مطلقًا.
لا إعتراف بالدستور الجديد
في الإتصال الحادي العشرين، رد أحد القياديين، لكنه طلب عدم ذكر اسمه، وأرجع ذلك إلى أن حملات القمع والإعتقالات لا تستثني أحدًا، مشيرًا إلى أنه مريض بالقلب ولم يعد يحتمل بهدلة المعتقلات. وقال هذا القيادي لـquot;إيلافquot; إن الجماعة لا تعترف بما وصفه بـquot;الإنقلاب العسكري الدمويquot;، ولا بأية إجراءات ترتبت عليه، سواء تعيين الرئيس مؤقت أو الحكومة أو لجنة الخمسين لتعديل الدستور، أو الدستور الجديد الذي تكتبه.
وأضاف: quot;الجماعة ستواصل النضال السلمي من أجل عودة الشرعية، وبعد عودة مرسي للحكم، سيصدر قرارات ثورية منها تشكيل لجنة لتعديل الدستور، وإجراء الإنتخابات البرلمانية، ثم الدعوة إلى إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة، نزولًا عند رغبة الشعب المصري الذي خرج في تظاهرات حاشدة بين 30 حزيران (يونيو) و 3 تموز (يوليو) الماضيين.
المطلوب عودة مرسي
وردًا على سؤال لـquot;إيلافquot; حول عدم واقعية تلك المطالب، لاسيما أن الزمن تجاوزها بمراحل والشعب المصري لن يقبل بها، قال القيادي إن الزمن لن يعود إلى الوراء بل سيتقدم للأمام، متهمًا من وصفهم بـquot;الإنقلابيينquot; بالعودة بمصر أربعين عامًا إلى الوراء، quot;فالسيسي نفسه قال في أحد اللقاءات لو نزل الجيش مصر سترجع للوراء 30 أو 40 سنةquot;.
وأوضح أن الشعب المصري الذي خرج في تظاهرات حاشدة لم يكن يريد العودة بمصر إلى نقطة الصفر، وإهدار جميع الخطوات الديمقراطية التي إتخذت، ومنها إنتخابات رئاسية نزيهة، وقبلها انتخابات برلمانية، ثم الإستفتاء على الدستور، بل كان يريد تعديل الدستور، وإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة، مشيرًا إلى أن ما حصل في 3 تموز (يوليو) إنقلاب عسكري على الرئيس المنتخب، تبعته مجموعة من الإجراءات القمعية والإستبدادية ضد الإخوان، وضد أي شخص يرفض تلك الإجراءات القمعية، سواء انتمى إلى التيار الإسلامي أو التيار اليساري أو الليبرالي. أضاف: quot;الشعب المصري سيرفض ذلك الدستور الذي يكرس دولة العسكر الإستبدادية، ويجعل الجيش دولة فوق الدولة، وليس دولة داخل الدولة، كما يكرس المحاكمات العسكرية للمدنيين، ويطمس هوية مصر الإسلاميةquot;.
لا إقصاء
من جانبه، قال الدكتور كمال الهلباوي، عضو لجنة الخمسين والقيادي المنشق عن الجماعة، إن اللجنة تكتب دستورًا لكل المصريين، quot;فالدستور الجديد لا يضم أية مباديء تقصي أي من الفصائل السياسية في المجتمع، بما فيها الحزب الوطني المنحل أو جماعة الإخوان المسلمينquot;. وأضاف لـquot;إيلافquot; أن قيادات الجماعة تعيش في الأوهام، وترفض الإعتراف بالواقع الجديد، ولن تجرى معها أي مصالحة وطنية، ما لم تعترف بثورة 30 حزيران (يونيو) ونتائجها وما ترتب عليها من إجراءات، ومنها لجنة تعديل الدستور.
ودعا الهلباوي الجماعة إلى العودة إلى الطريق الصواب، وعدم منح العنف والإرهاب غطاءً سياسيًا، مشيرًا إلى أن الوطن يتسع للجميع.
لا تبشر بخير
يعتبر حزب الوسط، أكبر حليف للجماعة أن الإسلاميين لا يطلبون في الدستور الجديد سوى أن يكون دستورًا لكل المصريين، ومعبرًا عن مباديء ثورة 25 يناير، وأن يضمن الحقوق والحريات للجميع، وألا يتم إقصاء أي فصيل سياسي. وقال النائب السابق بمجلس الشعب رشيد عوض لـquot;إيلافquot; إن الدستور الجديد يكتب في أجواء من قمع الحريات والإستبداد السياسي والإقصاء لفصيل سياسي كبير، يمتلك أرضية واسعة في الشارع المصري، لدرجة أنه لم يتم دعوته للحوار المجتمعي، مشيرًا إلى أنه غير متفائل لاسيما أن أعمال لجنة الخمسين تجري في سرية وتعتيم شديدين.
وأضاف عوض أن التسريبات التي تخرج من لجنة الدستور، تشير إلى أنه سيكون دستورًا سيئًا بكل المقاييس، quot;لاسيما في ما يخص المحاكمات العسكرية للمدنيين، وإستقلال بعض المؤسسات ومنها الجيش بالميزانية، وتعيين قياداتها بما فيها وزير الدفاع، وإهدار نسبة الخمسين بالمئة المخصصة للعمال والفلاحين في المجالس النيابية، quot;وهذه الدستور لو خرج على تلك الشاكلة سيتصدى له الشعب المصري بالرفضquot;.