تمرّد الأصوليون اليهود في إسرائيل على حكومة نتانياهو، واتهموها بانتهاك حقوق القائمين على تدريس التوراة والمدارس المعنية بذلك، وطالب هؤلاء مؤتمر quot;عالم اليهودquot; السنوي، بالحصول على دعم اقتصادي يضاهي حجم التقليصات، التي فرضتها حكومة الليكود على الأموال المخصصة لليهود المتشددين وبرامجهم التعليمية.
القاهرة: أبدت طائفة اليهود المتشددين في إسرائيل امتعاضاً بالغاً مما وصفوه بإعتداء حكومة تل أبيب على حقوقهم المادية والمعنوية، وبعثوا برسائل لنظرائهم في الولايات المتحدة، طالبوا فيها بالحصول على دعم اقتصادي، يمكنهم الاستعاضة به عن التقليصات التي فرضتها حكومة نتانياهو على مخصصاتهم في الموازنة العامة للدولة العبرية.
مؤتمر quot;عالم اليهودquot; بالولايات المتحدة
وفي سياق تقرير انفردت به صحيفة معاريف العبرية، بعثت مجموعة من أحبار اليهود المتشددين في إسرائيل، لأبناء الطائفة الأصولية عينها في الولايات المتحدة والمعروفة بالـ quot;حريديمquot; بعدة رسائل، جاء فيها: quot;أن الحكومة في ارض إسرائيل، تتطاول على التوراة، كما يسخر الإسرائيليون أعينهم من الأحبار، الذين يقومون على تدريس التوراة، وينتهكون كل ذي قدسية يهوديةquot;.
الرسائل التي يدور الحديث عنها استهدفت الوصول إلى المؤتمر السنوي في الولايات المتحدة المعروف بـ quot;عالم التوراةquot;، وهو المؤتمر الذي يضم أعداداً بالغة من الأحبار اليهود، ورؤساء الطوائف اليهودية، وقضاة من مختلف دول العالم، وتقوم على المؤتمر في كل عام من هذا التوقيت منظمة درشو (اطلبوا) اليهودية الأميركية.
وبحسب عناصر يهودية أصولية، شاركت في صياغة الرسائل التي يدور الحديث عنها، رغب أحبار اليهود في الدولة العبرية إيصال رسالة واضحة لحاخامات الولايات المتحدة، يطالبون فيها بإغداق الدعم المادي لمؤسسات الديانة اليهودية في إسرائيل.
وكان من بين الموقعين على الرسائل عضو مجلس حاخامات التوراة في حزب quot;شاسquot; اليهودي المتشدد شالوم كوهين، وكل من الحاخام مفيزنيتش، ومتسانز، ورؤساء مدرستي quot;ميرquot; وquot;الخليلquot;، ابرز المدارس اليهودية الأصولية في إسرائيل.
ذبح وتحريض ضد دارسي التوراة
وجاء في رسائل الأحبار المتشددين في إسرائيل لنظرائهم في الولايات المتحدة ما نصه كالتالي: quot;إلى من نتوجه بمطالبنا، إذا لم نطلبها من إخواننا، ليشاطرونا معاناة التوراةquot;. ووصف الأصوليون اليهود في إسرائيل تعامل حكومة الليكود مع الـ quot;حريديمquot; بأنها quot;ذبح وتحريض ضد دارسي ومعلمي التوراةquot;.
وفي سياق الرسالة عينها، يقول الحاخام quot;أريا فينكلquot;، رئيس مدرسة quot;ميرquot; اليهودية المتشددة، التي يدرس بها العلوم والتفاسير التوراتية ما لا يقل عن 5000 طالب إسرائيلي: quot;بات الجميع يعيش المعاناة، بعد أن رفع الكارهون للتوراة رؤوسهم، فهددوا التوراة، وطلاب المدارس الدينية، ووطئوا بأقدامهم النجسة عصفور الأمة اليهوديةquot;.
وفي محاولة لإلقاء الضوء على الأصوليين اليهود الـ quot;حريديمquot;، تشير معلومات الموسوعة العبرية إلى أن هذا النوع من اليهود يولي قدسية بالغة ليوم السبت من كل أسبوع، فيُحظر في هذا اليوم أداء أي عمل من أي نوع، كما يُحظر البيع والشراء أو غيره من الأنشطة اليومية، ويصل الأمر لدى الطائفة الأكثر تشدداً الـ quot;حريديمquot; إلى حظر إضاءة منازلهم في يوم السبت بالتيار الكهربائي التقليدي، وإنما يستخدمون مولدات كهربائية.
أما بالنسبة للطعام والشراب، فيحرص هؤلاء على أن تكون مطابقة للشريعة اليهودية، فلحم الخنزير محرم تماماً، ويؤمنون كذلك بأن هناك نوعين من الطعام الأول: كاشير quot;حلالquot;، والثاني طريف quot;حرامquot;، وكثيراً ما يختلف أقطاب المدارس الدينية والأحبار على حرمانية العديد من أنواع الطعام.
سوق العمل للسيدات أكثر من الرجال
وفي ما يتعلق بسوق عمل الـ quot;حريديمquot;، فيختلف عن غيره في أسواق العمل اليهودية سواء في إسرائيل أو خارجها، وبشكل عام تشكل نسبة الحريديم في سوق العمل الإسرائيلي 48% فقط، ولا يعمل به سوى 16% فقط من الرجال، ويعود ذلك في المقام الأول إلى تفضيل الرجال تدريس التوراة دون غيرها من الأعمال، وفي المقابل تزيد نسبة النساء الحريديات العاملات عن الرجال، إلا أنهن يعملن في مهن معينة معظمها داخل منازلهن، إذ أنهن غالباً ما يعملن في التدريس، فالمسار الطبيعي للفتاة الحريدية هو التدريس، إذ يتخرج معظمهن في كليات متخصصة في التدريس، غير أنه في الفترة الأخيرة طرأ تطور على عملها، وبدأ بعضهن ينفتح على سوق العمل الالكتروني مثل الجرافيك، وغيرها مثل إدارة الحسابات والمحاماة.
أما الرجال الحريديم فبعضهم يعمل في الرقابة على محال الأطعمة، ليقف على هوية الأغذية المباعة للطائفة الحريدية، ويحدد ما إذا كانت حراماً أو حلالاً، وفقاً لتعليمات الديانة اليهودية، ويعمل القليل من رجال تلك الطائفة في التجارة والتدريس.
زي اليهود الحريديم ليس واحداً، وإنما يختلف من طائفة لأخرى، ولكنه بشكل عام لا يختلف كثيراً عن الزي الذي كان يرتديه اليهود في أوروبا الشرقية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومرّ الزي اليهودي لدى الحريديم بالعديد من التحولات، التي هدفت إلى إجبار اليهود على الحفاظ على تعاليم ديانتهم وسط الديانات والحضارات المختلفة، وتمييز اليهود عن غيرهم من الشعوب، فضلاً عن دعمه لانعزالهم عن كل ما هو غير يهودي، وربما كانت وصايا معظم الأحبار صريحة، عندما حددت اللون الأبيض والأسود لوناً معتمداً لليهودي الأصولي في إسرائيل، وفي غيرها من دول العالم، أما الأحبار اليهود وحاخاماتهم فيرتدون اللون الأسود غالباً.
وعند رصد البناء الاجتماعي لدى الأسرة اليهودية، تتضح العديد من الأسرار ذات الصلة بالمرأة اليهودية الحريدية quot;الأصوليةquot;، فدخل الزوج والزوجة في الأسرة الحريدية يوضع في صندوق لتلبية احتياجات المنزل، والمرأة في إطار تلك الأسرة لا تمارس عملاً عاماً مثل السياسة، أو أية أعمال أخرى تتطلب منها دوراً قيادياً، خاصة في إدارة الأعمال الجماهيرية، إلا إذا كان العمل في سياق مؤسسات التعليم الديني، كما يُحظر على المرأة الحريدية تعلُّم قيادة السيارات، ويعمل 65% من النساء الحريديات في المؤسسات الملحقة بالمدارس الدينية مثل دور رياض الأطفال.
وسائل منع الإنجاب محظورة
ويزيد متوسط النمو الطبيعي للأسرة الحريدية عن غيرها من الأسر اليهودية، إذ يبلغ متوسط أبناء الزوج والزوجة الحريدية سبعة أبناء، كما أن هناك أسرًا يزيد أبناؤها عن هذا العدد ليبلغ 18 ابناً أو أكثر، ويعود السبب في ذلك إلى أيدلوجيات دينية، ترى في إنجاب عدد كبير من الأطفال فريضة لا تختلف كثيراً عن أية شعائر دينية، لذلك يُحظر ويعد من المحرمات لدى الطائفة اليهودية الحريدية استخدام أية وسيلة من وسائل منع العمل، ولا تلجأ المرأة الحريدية إلى تلك الوسائل، إلا إذا كانت هناك ظروف صحية وتوصية من الطبيب اليهودي الحريدي بخطورة حمل وإنجاب المرأة.
ولا تتعارض أيدلوجيات الإنجاب لدى الأصوليين اليهود مع الظروف الاقتصادية، إذ يؤمن هؤلاء بأن تكاليف تربية الأطفال تأتي quot;من السماءquot;، فكل طفل يولد بحسب المعتقد اليهودي الحريدي، يجلب معه البركة إلى الأسرة، ويطلق على الأسرة متعددة الأبناء quot;أسرة مباركة بأبنائها، كما تشير التوراة في إحدى فقراتها إلى أن الإنسان يولد ورزقه في السماء بداية من رأس السنة العبرية وحتى quot;يوم الغفرانquot;.
لا يخدم الأصوليون اليهود في جيوش أوطانهم، وقليل جداً من تلك الفئة من يخدم في الجيش الإسرائيلي، ويعود ذلك لعدة أسباب، تأتي في طليعتها الصعوبات التي تواجه الحريديم في الالتزام بتعاليم الشريعة اليهودية خلال الخدمة في الجيش، ثم ما يصفونه بالإغراءات التي تواجه الشاب الحريدي الأعزب خلال أدائه الخدمة الإلزامية، فضلاً عن تعارض سن التجنيد quot;18 عاماًquot; مع دراسات الشاب الحريدي الدينية.
كما يرى الأصوليون اليهود أن دراسة الشاب الحريدي في المدرسة الدينية تجعله جندياً روحانياً، مهمته الدفاع عن الشعب اليهودي، ولا تقل هذه المهمة بموجب اعتقادهم عن مهمة الجندي التقليدية في ساحة الحرب، ويعتقد هؤلاء أيضاً أن خدمة الشاب الحريدي في الجيش وتركه الدراسة الدينية، تعادل هروب جندي من وحدة عسكرية لأخرى، كما يؤمن الحريديم في إسرائيل على وجه الخصوص بأنه حتى إذا تجاوز الشاب الحريدي مرحلة الدراسة الدينية، فإنه لا ينبغي عليه التجنيد في الجيش بعد ذلك، لأنه يجب عليه دراسة التوراة والعلوم الدينية اليهودية طيلة حياته ولا ينشغل بغيرها.
التعليقات