لم يكن هناك أي دليل يثبت ادعاء آل الديراني أن سوريين اغتصبوا شابًا معوقًا، لكن من يحتاج إلى إثبات لإحراق خيم اللاجئين في بلدة قصرنبا اللبنانية وتهجيرهم إلى المجهول؟


بيروت: لا شك في أن لبنان، كما الدول الأخرى المجاورة لسوريا، تنوء بأحمال اللاجئين السوريين، خصوصًا أنهم أتوا إلى بلد يعاني قلة موارده المالية وكثرة ديونه الداخلية والخارجية، وانحسار سوق العمل فيه، ما جعلهم عرضة للاستهداف الفردي والجماعي بشكل عام، لمجرد وجودهم.

وعلى الرغم من أن لبنان لا ينعم في الأصل بوضع إجتماعي سليم، ولا يسود فيه الاستقرار الاقتصادي على مستوى الأفراد، إلا أن السوريين صاروا اليوم شماعة تعلق عليها كل الأخطاء والمآسي والآفات والجرائم، ليعاقبوا عقابًا جماعيًا، كأن ما حل بهم لا يكفيهم، وهم آتون إلى لبنان للحماية، إذ ظنوا سيجدون في الصدر اللبناني حنانًا ودفئًا رديفين لحنان ودفء سوريين نعم بهما اللبنانيون في كل موجات النزوح إلى سوريا، منذ حرب السنتين إلى حرب تموز 2006. فإن سرق سوري طالح، عوقب معه الصالح، فمنع الجميع من التجول في قرى وبلدات لبنانية بعد الثامنة مساءً.

لا علامات

آخر عقاب جماعي كان في بلدتي تمنين وقصرنبا البقاعيتين، اللتين شهدتا إقدام عائلة الديراني على إضرام النيران في خيم للاجئين السوريين في قصرنبا، وإرغام السوريين على المغادرة فورًا، بعد الاشتباه بتعرض شاب من العائلة، عمره 29 عامًا، من ذوي الاحتياجات الخاصة، للاعتداء الجنسي، اتهم باقترافه سوريون في خيمة لهم عند أطراف تمنين.

ونقلت صحيفة الأخبار عن قريب للشاب المشتبه بالاعتداء عليه قوله إن أمه لم تحتمل رؤية بقع دماء على سرواله الداخلي. فنقلته فورًا إلى المستشفى، وحين كشف عليه الطبيب الشرعي، قال إنه لا يرى أي علامات واضحة على أي اغتصاب، بسبب استحمام الشاب المعتدى عليه، وطلب تحويله إلى طبيب مختص للكشف على شرجه، لكن هذا ما أثناها عن القول إن ابنها تعرّض للاغتصاب، مؤكدة أنها ليست المرة الأولى التي تراه فيها على هذه الحالة، وبالتالي اغتصبوه سابقًا أيضًا.

أطردوهم جميعًا

أفاد الطبيب أحمد وليد سليمان لوكالة الصحافة الفرنسية بأنه وضع تقريرًا يؤكد أن لا اثبات طبيا يبين تعرض الشاب للاعتداء. قال: quot;لم يتبين لدينا وجود أي عنف أو دماء أو آثار أو كدمات حول المخارجquot;. إلا أن أقارب الشاب اصروا على حصول الاعتداء، وقال علي الديراني إن الشاب المعوق كان مارًا قرب الخيم عندما استدرجه أربعة شبان إلى داخل إحدى الخيم واغتصبوه.

شاع الخبر سريعًا، فدب التهور في القلوب، خصوصًا أن الشرف الرفيع قد أصابه الأذى، ولا يسلم إلا إذا أريق الدم، ولا أرخص اليوم من الدم السوري المهروق في كل اصقاع سوريا، وفي لبنان أيضًا. أعمى التعميم العيون والقلوب، فتنادى آل الديراني وعزوتهم: quot;اغتصبوه، فاطردوهم جميعًاquot;. وبعدما كان أربعة شبان مسؤولين عن الواقعة، صار المخيم كله مسؤولًا.

وبحسب تقارير صحافية، حُمل quot;المغتصبquot; إلى المخيم كي يتعرف إلى من افتعلوا به منكرًا، من دون نتيجة. فأحرقوا خيمة أخرى. ولولا تدخل بعض العقلاء ونجاحهم في إقناع الأهالي بهذه الفكرة، لكان جرى ما لا تحمد عقباه.

إلى أين؟

وتفيد وكالة الصحافة الفرنسية إن مخيم اللاجئين في قصرنبا، المؤلف من نحو مئة خيمة تأوي زهاء 400 لاجئ على الاقل، قد أزيل كاملًا الاثنين، بعدما نظم سكان البلدة منذ الأحد وقفة احتجاجية لارغام هؤلاء اللاجئين على المغادرة، اضرموا خلالها النار في 15 خيمة أخرى.

وسارع السوريون إلى مكافحة النيران، بعدما منع آل الديراني آليات فوج الاطفاء من الوصول إلى الخيم المحترقة، وإلى جمع ما تبقى لهم من متاع والمغادرة، متسائلين: quot;أين نذهب ولا مكان نلجأ إليه؟quot;.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن سوري لاجئ في المخيم، يدعى أحمد عبد المحمود (33 عامًا)، قوله: quot;مساء الأحد تعدوا علينا وضربونا، وسرقوا حاجياتنا واغراضنا، واتهمونا بالتعدي على الشاب، علمًا أن الجيش اللبناني داهم المخيم وأوقف 30 شخصًا، قبل أن يفرج عنهم جميعًا لعدم ثبوت تورطهمquot;. ثم أجهش بالبكاء وقال: quot;لدي ثلاثة اولاد اكبرهم طفلة في السادسة من عمرها، ولا نعرف الى اين نذهب. ارغب بالعودة الى سورياquot;.

ملفق!

نسبت وكالة الصحافة الفرنسية لأحد الأهالي في قصرنبا، رفض الافصاح عن اسمه، قوله إن خبر الاعتداء الجنسي على الشاب المعوق خبر ملفق. وأضاف: quot;كل ما في الأمر أن اصحاب الأرض التي أقيم عليها المخيم، وهم من آل الديراني، يريدون استعادتها، فلم يجدوا طريقة أخرى لطرد اللاجئين السوريين المخيمين عليها سوى تلفيق خبر الاغتصاب، الذي يساهم في شد عصب الناس معهمquot;.

ونقلت جريدة الأخبار عن الحاج محمد الزيز، رئيس لجنة الوقف في تمنين الفوقا، تأكيده أن تحرّك أهالي قصرنبا وتمنين موجه ضد كل سوري عديم الكرامة، quot;أما الأوادم منهم فقلوبنا وبيوتنا مفتوحة لهم، وأبرز دليل على ذلك أننا نحتضن بعضهم منذ أكثر من ثماني سنواتquot;.

وكذلك رفض شوقي ناصر، رئيس بلدية تمنين الفوقا، نظرية التعميم وإدانة كل السوريين المقيمين في الخيم، quot;وليس من العدل أن يتحملوا جميعهم وزر عمل ارتكبه بعضهم، فالجيش أوقف المعتدين على الشاب، وسيُحالون على القضاء لاتخاذ الإجراءات الأمنية بشأنهمquot;.