مع حلول الذكرى السنوية الثانية للربيع العربي، غابت الاحتفالات، وطغت الانقسامات على الدول التي شهدت ثورات، مثل تونس ومصر وليبيا، ما أثار قدراً كبيراً من العنف والاضطرابات. وتولد عن ذلك شعوران، أحدهما تفاؤلي بخصوص آلام الولادة الحتمية للديمقراطية، والآخر تشاؤمي بخصوص تحول مشاهد الفرحة التي كانت مهيمنة قبل عامين على تلك الدول إلى صراع سياسي وطائفي أكثر عمقاً.
في ظل هذه الأجواء المتشابكة وغير واضحة المعالم، ربطت مجلة فورين بوليسي الأميركية بين ما تشهده بلدان الربيع العربي الآن وبين ما حدث في أوروبا الشرقية بعد عام 1989، بعدما خرج هناك كذلك الملايين من الأشخاص إلى الشوارع للمطالبة بالحرية، وذلك في مسعى من جانبهم إلى سحق الأنظمة الاستبدادية التي تحكمهم.
لكن المجلة أوضحت أن الموقفين يشبهان بعضهما البعض فقط في النشأة: فبولندا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية، ودول أخرى مماثلة تحظى بتقاليد قديمة من الحكم الليبرالي، وحتى الديمقراطي، وتصدوا للشيوعية، باعتبارها أيديولوجية غريبة ومحتقرة.
حكم عسكري
كما إن أوروبا الشرقية كانت تتسم بثرائها الشديد بحسب المعايير العالمية. ويمكن ضرب مثال آخر بأميركا اللاتينية خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي، لكن دولاً، مثل البرازيل والأرجنتين، تركت وراءها حكماً عسكرياً من خلال مراحل انتقالية، تمت بموجب quot;صفقاتquot;، وافقت فيها النخب السياسية على تسليم سلطاتها وتخفيف التوترات الاجتماعية وخلق توافق في الآراء حول الحكم الذي يتسم بقواعده الديمقراطية.
لكن لاري دياموند، الباحث في الجانب النظري للشأن الديمقراطي لدى جامعة ستانفورد، قد تحدث عن التشابه الجزئي الأكثر إفادة، وهو المتعلق بمرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث تركت عشرات الدول الجديدة، التي لا تحظى بتجارب سابقة بخصوص الحكم الديمقراطي، وراءها نظاماً مكروهاً، وصارعت لبناء ثمة شيء جديد.
فترة نقاهة وتعاف
وأكملت فورين بوليسي حديثها بلفتها إلى أن التفاؤل الحذر بخصوص الربيع العربي يتكون من الاعتراف بأن المجتمعات التي تتضرر بشدة نتيجة الحكم الاستبدادي والإخفاق الاقتصادي تحتاج فترة طويلة كي تتعافي. وأنه مازال من المبكر الحكم على الأوضاع في بلدان الربيع العربي. فالاتحاد السوفيتي دخل التاريخ عام 1991، حين لم يكن هناك سوى قدر ضئيل من الضوء الديمقراطي في نهاية النفق الروسي.
وقال ستيفن سيستانوفيتش، الخبير في الشأن الروسي لدى مجلس العلاقات الخارجية، إن الجموع التي ملأت شوارع موسكو عام 1991 كانوا متشابهين في أشياء كثيرة مع هؤلاء الذين احتشدوا في ميدان التحرير. وشعر النظام القديم بأنه قد فقد مصداقيته.
لكن النظام الديمقراطي، الذي تم تكوينه إبان فترة حكم الرئيس بوريس يلسن، كان ضعيفاً للغاية، لدرجة إنه لم يستطع الحد من الطاقات التي نجمت من التدافع الهائل من أجل الثروة، في الوقت الذي قامت فيه روسيا بتخصيص مواردها المملوكة للدولة. وفي خضم هذا الفراغ الذي نتج من ذلك، ظهر رجل قوي آخر هو فلاديمير بوتين.
مرسي نسخة مصرية من بوتين
وقد بدأ ينظر ثوار مصر إلى الرئيس محمد مرسي باعتباره نموذجًا مشابهًا للرئيس الروسي بوتين، الذي يسعى إلى ترسيخ سلطاته وسحق معارضيه. لكن على الأرجح، كما أشار في هذا السياق سيستانوفيتش، هو أن مرسي سيثبت أنه أقرب للرئيس يلسن، بترؤسه بلامبالاة مجموعة مؤسسات ضعيفة ونظام حكم مجزأ على نحو متزايد.
فقد سبق ليلسن أن قاوم مطالب بإصلاح السوق من جانب الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي، وسبق لحكومة مرسي أن أضاعت أشهرًا في تأجيل اتفاق مع صندوق النقد، حتى مع تقلص احتياطي النقد الأجنبي، ولم يعد يكفي سوي لثلاثة أشهر فقط.
وبدا أن مرسي غير قادر أو غير راغب في إيقاف قوات الأمن المكروهة الموجّهة من جانب وزارة الداخلية، ليعمق بذلك الغضب من تكتيكاته السياسية المتعالية. ونتيجة لأن منصبه بات مهدداً، فإنه قد يرد على استمرار تراجع شعبيته بأن يصبح أكثر استبداداً، وهو الأمر المتوقع أن يتسبب بدوره في إثارة مزيد من الاحتجاجات والتظاهرات.
مع هذا، لم تسر على هذا النهج كل الدول التي تكونت عقب تفكك الاتحاد السوفيتي، فكازاخستان تمكنت من تجنب الاحتجاجات من خلال ثروتها النفطية، كما اندمجت بالكامل دول البلطيق في الغرب، كما يتمنى التونسيون. وأجرت أوكرانيا وجورجيا، رغم مشاكلهما، انتخابات نزيهة، خسر فيها الرؤساء الحاليون وتقبلا هزيمتهما.
الخلاص من العلمانية
لكن المجلة شددت على أن التشابه الجزئي يترنح هنا، فمازال الناس في أوكرانيا وجورجيا وكثير من دول البلطيق وكثير من دول أوروبا الشرقية ينظرون إلى الغرب وللديمقراطية باعتبارهما الخلاص الذين يسعون إليه من الحكم السوفيتي، بينما ينظر كثيرون في العالم العربي إلى الإسلام باعتباره الخلاص من التسلط العلماني.
ونوهت المجلة كذلك بأن مسألة الهوية سوف تنكد على المجتمعات العربية بالطريقة نفسها التي نكدت بها مسألة الممتلكات على روسيا، وأن التعهد التام وحده بالتعددية هو الذي سيحول دون تسبب الإسلام النامي في تقسيم هذه الدول كل على حدة.
وبخصوص ما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله لتعزيز القوى الديمقراطية في مصر، أوضحت المجلة أنها قد تراقب بقلق القضايا الأكثر بدائية، وألا تمنحها مساعدات مالية حتى لا يُسِاء استخدامها، وأن يتم توجيه المعونة الأميركية بعيداً عن الجيش، وأن تخصص لإصلاح القطاع الأمني كما ينظر الكونغرس في تلك الأثناء.
التعليقات