يواجه اليمين الفرنسي وضعًا صعبًا، بسبب الخلافات بين زعيميه فرانسوا كوبي وفرانسوا فيون، والتي شجعت الغالبية من ناشطيهعلى الدعوة الى عودة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى الحلبة السياسية الفرنسية.


باريس: وضع رحيل نيكولا ساركوزي عن العمل السياسي، بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الحالي فرانسوا هولاند، حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، في وضعية لا ترضي مناضليه، ودبّ شعور باليتم في نفوس قواعده، لأن الرئيس السابق ظل بالنسبة إلى هؤلاء رمز الوحدة، والشخصية الوحيدة التي يمكن أن يجتمع حولها كافة نشطاء الحزب.

لكن الإشارات الأخيرة، التي يطلقها قياديون ومناضلون في التنظيم، تعبرعن رغبة عارمة في أن يروا ساركوزي يستعيد من جديد موقع ربان مركب اليمين المعارض، على أمل التصالح مع الفرنسيين أولًا، قبل التصالح مع النتائج الإيجابية في الاستحقاقات المقبلة.

وأبرز إشارة جاءت أخيرًا على لسان وزير الخارجية السابق ألان جوبيه في لقاء تلفزيوني، حين كشف أنه يتبادل وجهات النظر مع الرئيس السابق باستمرار على الهاتف، وأكد أن ساركوزي يرغب في خوض الانتخابات الرئاسية 2017، إلا أن كارلا بروني، عقيلة ساركوزي، أكدت في تصريح لموقع إلكتروني مقرب من اليمين أن زوجها لا ينوي دخول غمار هذه الانتخابات.

صمت اليمين ونقد اليسار

مَن من جوبي وكارلا بروني هو الأقرب إلى الحقيقة؟ الأشهر المقبلة ستكشف ذلك لا محالة، وإن كانت استطلاعات الرأي تظهر حتى الآن أن الفرنسيين غير مستعدين لمنح أصواتهم من جديد للرئيس السابق، إلا أنه يظل المنقذ والزعيم والشخصية الوحيدة القادرة على أن تعيد اليمين إلى الحكم، في رأي الغالبية العظمى من مناضلي الاتحاد من أجل حركة شعبية.

حاولت quot;إيلافquot; الاتصال بعدد من ناشطي هذا الحزب، للتحدث في الموضوع، لكنها لم تتلقَ أي رد، فيما وعدنا أحد أطر الحزب بالرد على أسئلتنا بعد أن طلب منا موافاته بها، إلا أننا لم نتلقَ أي رد بعد ذلك على الرغم من محاولتنا معاودة الاتصال به.

وقال أكلي ملولي، القيادي في الحزب الاشتراكي: quot;لا يهمنا إن عاد أم لم يعد، فالمهم هو هل لليمين المعارض مشروع سياسي يدافع عنه ويقدمه للفرنسيين؟ فالفرنسيون صوتوا ضده، ولا أرى أي جدوى في عودته من جديد، وإلا سيلاقي نفس النتيجة، فالاتحاد من أجل حركة شعبية يسعى الى أن يخفي مشاكله الداخلية بالحديث المستمر عن عودة محتملة لساركوزي إلى العمل السياسيquot;.

ويؤكد أكلي أن ساركوزي غير قادر على أن يقدم أي شيء، لأنه غادر السلطة تاركًا خلفه حصيلة كارثية، وهو اليوم يشارك في ندوات مقابل الملايين، quot;ولا أعتقد أن شخصية من هذا النوع يمكنها أن تقود البلاد، وإن كان مناضلو حزبه مع هذه العودة بالإجماع فلأنهم يؤمنون فقط بثقافة الزعيم وليس بثقافة الحوار والنقاش لأجل مشروع معينquot;.

العودة الممكنة

يحلل كريم أملال، الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس، ما يروج له حول عودة ساركوزي إلى العمل السياسي، يقول: quot;انطلاقًا من النظرة الأولى، يمكن القول إن جميع الشروط غير مجتمعة لعودته، فكل استطلاعات الرأي تفيد أن غالبية الفرنسيين ضد ذلك، ولو أنهم ينتقدون أكثر فأكثر فرانسوا هولاند وسياسته، لكنهم ما زالوا يطمحون إلى التغيير مقارنة مع الحقبة الماضية التي تولى فيها ساركوزي رئاسة البلادquot;.

يضيف: quot;في العمق، الفرنسيون مقتنعون بالطريقة الأكثر هدوءًا والأكثر تعبيرًا لصورة الرئاسة التي يظهر بها هولاند، كما أن الحصيلة الاقتصادية السيئة جدًا لساركوزي ما زالت بادية لهمquot;.

ويوضح أملال، أنه يمكن أن يحدث الكثير من التطورات حتى الانتخابات الرئاسية، quot;لاسيما أن الأزمة الاقتصادية يمكن أن تدوم أكثر، وإذا كانت الحالة هذه، فالفرنسيون سيطالبون بالتغيير من جديد، وبالمزيد من الفعالية وروح المبادرة الطوعية، وربما سيميلون مجددًا إلى ساركوزي، فيمنحونه ثقتهم لكونه معروفاً بقدرته على تحريك الخطوطquot;.

يتابع: quot;هذه الإرادة في التغيير ستتجسد في المنظومة الثنائية القطب للجمهورية الخامسة، إلا إذا حدثت مفاجأة من قبل اليسار الراديكالي، أو اليمين المتطرف، فالبديل الوحيد سيبقى هو شخصية من اليمين، وفي هذا المستوى، نيكولا ساركوزي يبقى الشخصية المفضلة لناشطي اليمين، والوحيد الذي له قدرة قوية على جمع شتات الحزب وتوحيده لا سيما بعد الآثار الوخيمة التي خلفها انتخاب رئيس الاتحاد من أجل حركة شعبية، والذي قسم هذا الاتحاد في العمقquot;.

الزعيم لا الرئيس

يؤكد أملال أن الاتحاد من أجل حركة شعبية يفتقر إلى زعيم في الظرف الحالي، فانتخاب رئيس الاتحاد من أجل حركة شعبية كان كارثيًا، وشعر ناشطو الحزب بالاشمئزاز من الخلافات الحادة بين فرانسوا فيون وفرانسوا كوبي، وكلاهما لم يستطع أن يفرض اسمه كقائد للتنظيم.

يستطرد قائلًا: quot;في ظل هذا الواقع، يحافظ الرئيس السابق على صورة الزعيم الذي يبقى الورقة الحاسمة بالنسبة لليمين في الانتخابات المقبلة، إلا إذا قوت السنوات الأربع المتبقية من الولاية الرئاسية الحالية وضعية فيون أو كوبي، ويثبت أحدهما أنه يملك الإمكانيات اللازمة للفوز كمرشح في الانتخابات الرئاسيةquot;.

بحسب استطلاعات الرأي التي أجريت، يرى أملال أن ثلثي الفرنسيين يرفضون عودة ساركوزي إلى الحياة السياسية، quot;لكن يجب أن لا ننسى أن ثلثي نشطاء اليمين يتمنون عودته، ورفض الرأي العام لهذه العودة يفسر بنفس الأسباب التي جعلته يفقد الانتخابات الرئاسية، أي حصيلة سيئة في الجانب الاقتصادي وشخصية غير محبوبة بسبب أسلوبهاquot;.

ويعتقد أملا أن على ساركوزي تصحيح هذين العنصرين إن أراد فرض اسمه من جديد، ليس فقط داخل حزبه وإنما أمام كل الفرنسيين، quot;فساركوزي كان الرئيس الأقل رئاسية خلال الجمهورية الخامسة، والفرنسيون يعترفون له بمواصفات القائد لكن تنقصه مواصفات أخرى عديدة لتكتمل فيه صورة الرئيسquot;.