طغاة العالم الثالث هم الذين يهربون من بلادهم بعد فقدهم زمام السلطة. ولكن إذا صدقت الأنباء التي أتت بها مؤسسة صحافية محترمة، فيبدو أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي سيكسر هذه العادة.


صلاح أحمد: يبدو أن حال الأغنياء الفرنسيين ساءت كثيرًا بعد قدوم الحكومة الاشتراكية الجديدة برئاسة فرانسوا هولاند. فقد تواترت الأنباء عن فرارهم جماعات من laquo;ضريبة ثراءraquo; غير مسبوقة في تاريخ البلاد الحديث، إذ بلغت 75 في المئة دفعة واحدة.

وبالطبع فليس من شيء أكثر فعالية لإلقاء الضوء على هذا الوضع، مثل قرار جيرار ديبارديو، أحد أشهر الوجوه الفرنسية على شاشات السينما في العالم، الفرار إلى بلجيكا المجاورة، ثم تتويج منفاه بحصوله، من أكبر معجبيه شأنًا، وهو الرئيس فلاديمير بوتين نفسه، على الجنسية الروسية، في احتفال برّاق داخل الكرملين، وليس أقل.

ولئن كان فرار ديبارديو متوقعًا لرجل laquo;تعجبه مسرات الحياةraquo;، ويصرّ على أفضل ما يقدمه المطبخ الفرنسي وأعناب البساتين المشمسة، فإن قرارًا مشابهًا من رجل كان حتى الأمس القريب رئيس الجمهورية الفرنسية نفسها وصاحب مفاتيح الإليزيه، مدعاة حقيقية للصدمة والتأمل في مستقبل هذه البلاد في ظل حكومتها الجديدة.

لكن هذا بالضبط هو ما أورده موقع laquo;ميديابارraquo; الفرنسي المتخصص في التحقيقات والتحليلات السياسية الثقيلة الوزن. فقد أتى على صفحاته أن الرئيس السابق ينوي اللجوء إلى laquo;العدو التقليدي اللدودraquo; بريطانيا، وفي جعبته مشروع لإقامة صندوق استثمار برأس مال قدره 100 مليون يورو أو نحو ذلك.

وقال الموقع إن ساركوزي، الذي أطاحه هولاند من الرئاسة في يونيو / حزيران الماضي، جمع ثروة هائلة عبر أحاديثه في الندوات والمؤتمرات والمآدب، وتلقيه 180 ألف يورو عن كل ساعة من وقته المخصص لها، وإنه يبحث الآن عن المزيد من رأس المال من عتاة المستثمرين. لكن كل هذا يضعه بالطبع في قائمة المليونيرات، الذين استهدفهم خليفته هولاند، ولذا صارت طريق النجاة الوحيدة تقود إلى خارج فرنسا.

وأشارت الصحف البريطانية، التي تناقلت الخبر من جهتها، إلى أن الرئيس السابق سيختار ndash; في حال قرر فعلاً الهجرة إلى بريطانيا ndash; أحد الأحياء الراقية في قلب لندن، وعلى الأرجح ساوث كينزينغتون، لسكنه وعقيلته الموديل السابقة والمغنية كارلا بروني وطفلتهما الصغيرة. لكن هذا الطريق نفسه محفوف بالكثير من الأشواك والعقبات.

ذلك أن ساركوزي يواجه عددًا من الاتهامات بالفساد في بلاده، وجلّها يتعلق بتسلمه مئات ملايين اليوروهات لتمويل حملته الانتخابية، التي أتت به الى السلطة في 2007. وهذه أموال أتت من أناس أمثال إمبراطورة laquo;لوريالraquo; ليليان بيتانكور، والعقيد معمّر القذافي. كما إنه يواجه تهمًا أخرى، مثل صفقة مبيعات أسلحة غير قانونية لباكستان، وتوظيفه أموال دافع الضرائب الفرنسي لرشّ المال على عدد من أصدقائه، الذين نظموا له حملة استطلاعات للرأي، كانت كلها تصبّ في مصلحة أدائه في الإليزيه.

ووفقًا لموقع laquo;ميديابارraquo; فإن خطط ساركوزي المتعلقة باللجوء المالي إلى لندن خرجت إلى العلن بعد عثور الشرطة على وثائق إلكترونية تتعلق بهذا الأمر، خلال عدد من غاراتها على داره الباريسية الفاخرة في يونيو/حزيران الماضي. وأتى كل هذا بعد زمن وجيز من تجريده من الحصانة التي كان يتمتع بها حتى خسارته أمام هولاند.

لكن الموقع قال، في تعليق على النبأ، يعكس عسر العلاقات البريطانية الفرنسية، إن اختيار ساركوزي لندن مكانًا للعيش laquo;يفتقر إلى التوفيقraquo;. والسبب في هذا، وفقًا له، أنه حتى بتجاوز مسألة الاتهامات التي يواجهها داخل فرنسا، فلا يجوز لرئيس فرنسي أن يختار بريطانيا دون سائر البلاد منطلقًا لجمع ثروته الخاصة.