تشهد كل من بغداد وأربيل لقاءات ومفاوضات أولية من اجل استعادة التحالف الاستراتيجي بين الشيعة والاكراد، وسط تخوف سني من أن يكون ذلك على حسابهم.



أمستردام: تدور خلف أبواب موصدة، عادة، ومواربة أحياناً، لقاءات ومباحثات مكوكية بين بغداد وأربيل من أجل استعادة التحالف الاستراتيجي بين الشيعة والكرد في العراق.
فبعد إقرار الميزانية العامة للبلاد وفق مبدأ الاغلبية، وغضب الكرد من عدم الاخذ باعتراضاتهم وتجاوز مبدأ التوافق الذي قامت عليه العملية السياسية في العراق، لم يغلق الكرد الباب نهائياً بوجه مساع شيعية للتقرب لهم ومحاولة تجاوز عقدة الموزانة.
ساسة شيعة وكرد يؤكدون هذا التقارب لكن لايصرحون بتفاصيله. ويرون أن ما يجمع بين المكونين الكرد والشيعة أكثر مما يفرقهم، منها ثقة الطرفين بما بات يسمى بالعراق الجديد، ونضالهما المشترك ضد الديكتاتورية، حيث مرت ذكرى الانتفاضة الشعبانية أو انتفاضة آذار 1991 وسط تجاذبات وخلافات بينهما.
نائب من التحالف الشيعي أبلغ إيلاف أن تحالفه يسعى لتقديم تنازلات متبادلة مع الكرد من أجل تجاوز فترة القطيعة والخلافات الحادة التي شهدتها فترة الشهور الماضية، خاصة بعد تخوف الكرد من عودة البعث وتنظيم القاعدة عبر سورية من الخاصرة الغربية حيث قدم الطرفان مئات الضحايا منذ سقوط النظام السابق عام 2003.
واستدرك النائب الشيعي بأن هذا التحالف لن يكون على حساب المكون السني الذي يعتبر مكونا رئيسا في العراق، لكن من اجل تفويت الفرصة على المتطرفين في هذا المكون خاصة المعتمدين على التحريضات الخارجية التي تريد زج العراق من جديد بأتون فتنة طائفية، حسب تعبيره.
وكانت القائمة العراقية، التي تضم غالبية سنية، أبدت انزعاجها وقلقها الشديدين من مساعي اعادة احياء التحالف الشيعي-الكردي. حيث قال النائب حمزة الكرطاني إن quot;المساعي لإعادة الحياة الى هذا التحالف هو لعزل المكون السني وزيادة تهميشه واللاتفاف على مطالب المتظاهرينquot;.
وتشهد مناطق سنية تظاهرات اسبوعية تعقب صلاة الجمعة منذ نحو شهرين تطالب باطلاق سراح السجناء قبل أن تتطور للمطالبة باسقاط الحكومة التي ترى أن هذه التظاهرات خرجت عن المطالب الرئيسة التي تقول انها حققت معظمها وتدرس البقية. وترى في تظاهرات اليوم مدعومة خارجيا لاسباب طائفية حيث تشهد اختراقات من قبل تنظيم القاعدة وعناصر حزب البعث المنحل.
النائب عن التحالف الوطني (الشيعي) حسون الفتلاوي كشف أمس أن quot;هناك زيارة مرتقبة لوفد من التحالف الوطني إلى إقليم كردستان لبحث الازمة الراهنةquot;، موكداً أن quot; القيادات العليا في التحالف تجري اتصالات مكثفة مع التحالف الكردستاني من أجل تقريب وجهات النظر وتطويق الخلافات عن طريق الحوارquot;.
وأوضح الفتلاوي في تصريح صحفي أن quot; هنالك مبادرة من التحالف لم يكشف عنها لمعالجة القضايا العالقة مع التحالف الكردستاني التي حصلت مؤخرا نتيجة تمرير قانون الموازنة الاتحادية بمعزل عن الاخيرquot;.
من جانب آخر، تشهد المنطقة الخضراء زيارات منزلية متبادلة بين قادة في التحالفين الشيعي والكردي بمن فيهم رئيس الوزراء نوري المالكي ونائبه الكردي روز نوري شاويس.
المرجعية الشيعية دخلت على خط دفع الطرفين للتصالح فقد حذر إمام وخطيب جمعة النجف صدر الدين القبانجي خلال خطبة quot;أمسquot; الجمعة، من خطورة عدم الحفاظ على التحالف الشيعي الكردي الذي اعتبره quot;استراتيجيquot; مشدداً على أن عدم الحفاظ عليه سيعرض الشيعة والكرد إلى quot;الذبحquot; مجددا.
ورأى القبانجي أن quot;تصاعد وتيرة الازمة السياسية خصوصا بعد انسحاب الوزراء الكرد جعل العراق يقف على مفترق طرق ومع تصاعدها يأتي الارهاب وتفجيرات وزارة العدل مؤشر خطيرquot;، مبينا أن quot;لدى المرجعية ثلاثة ثوابت نعتقد بان الازمة لا تحل إلا بهاquot;.
وأوضح القبانجي quot;أولا حقوق المكونات المذهبية جميعا فكل مذهب له حقوق ولا يمكن التفريط بمكون من المكونات وليس كما أقصى صدام المكون الشيعيquot;، مشيرا إلى ان quot;التجربة الجديدة اليوم تقوم على أساس الحقوق لكافة المكونات ويجب الحفاظ على حقوق المكون الشيعي والمكون السني والمكون المسيحي على حد سواء وأي تفكير بعيد عن هذه المكونات يؤدي إلى الانهيارquot;.
وشدد القبانجي على ان quot;التحالف الشيعي الكردي تحالف استراتيجي مهم وعدم الحفاظ عليه معناه العودة إلى المعادلة الظالمة وسيذبح الشيعة والاكراد مرة أخرىquot;، مشددا على أن quot;يكون التحالف الشيعي الكردي فوق كل الخلافات ويبقى الشيعة من حماة الاكراد وعلى الاكراد التفكير بحقوق الشيعة وألا نزهد بحقوق السنةquot;، مؤكداً أن quot;هذه الثوابت يجب أن توضع عند حل الازمة وهذا العمل يحتاج الى عقل وقلب كبيرينquot;.
تدخل المرجعية ياتي بعد التصريحات النارية التي أطلقها نهاية الاسبوع الماضي رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني خلال افتتاح quot;المؤتمر الدولي حول جرائم الإبادة بحق الأكرادquot; في مدينة أربيل quot;هل نحن شركاء وحلفاء أم لا؟ لماذا لسنا شركاء حتى الآن؟ وإذا كان الأمر يتعلق بالتبعية فنحن لا نقبل التبعيةquot;.
وأضاف برزاني quot;إذا كان الجواب نعم، فنريد شراكة حقيقية وليس مجرد أقوال. وإذا كان الجواب لا، فليسلك إذا كل طرف الطريق الذي يراه مناسباquot;.
وفسر متابعون عراقيون تساؤل برزاني بأنه تهديد بالانفصال، لكنه تهديد غير حقيقي لعدم أهلية الاقليم لاقامة دولته القومية وهو يعتمد حتى اليوم على حصته من الموازنة العراقية في تسيير شؤونه، ومحاصر بجوار لم يعترف بحقوق القومية الكردية.
ورأى هؤلاء المتابعون أن كلمات برزاني جاءت رداً على على ضغوط إيرانية وأميركية بعد سحب الوزراء الكرد من الحكومة العراقية، حيث يوجد خمسة وزراء، والتوجه لاتفاقات ملزمة لجميع الأطراف من اجل حل الازمة السياسية العراقية.
ويضيفون بأن الكرد باتوا متخوفين من خطورة امكانية جميع الاغلبية البسيطة في البرلمان العراقي التي يمكن أن تمرر مشاريع قوانين دون موافقتهم. وأن امكانية جمع أصوات لاسقاط الحكومة لن تتحقق لهم مستقبلا. لذا جاء خطاب برزاني بمثابة عتاب واثبات قوة يسبق أي اتفاق جديد.
وكان القيادي في التحالف الشيعي عزت الشابندر قال أمس إن quot;فكرة انفصال الاقليم عن المركز في ذهن الأكراد مبنية على اساس ما لكم لنا ولكم .. وما لنا لنا فقط لا غير. وطبيعة مثل هكذا شراكة غير عادلة ومنصفةquot;، مبينا أننا quot;نريد شراكة حقيقية مع الاخوة الاكراد لبناء عراق موحد وليس شراكة مصالحquot;.
وأضاف أن quot;ما يقوله مسعود بارزاني يعكس ما يعتقد به ويخطط له، والشراكة لا تبنى بهذه الطريقة، فالأكراد يتصرفون كدولة جارة تجاه العراق ولا يربطهم بهِ سوى ما يأخذون منهquot; ماضيا الى القول quot;انها علاقة تقوم على اساس الحقوق بدون واجبات واذا لم يكن كذلك فلا مصلحة لهم في علاقة من هذا النوعquot;.
ولفت الى أن quot;التصويت على الموازنة قلب المعادلة وأشعر الاكراد بالخطر الحقيقي على اجندتهم في طريقة التعامل مع الحكومة المركزيةquot; مشيرا الى انهم يدفعون باتجاه تقسيم العراق الى ثلاثة اقسام وقال quot;انهم حين ذاك يستفادون من خلافات العرب مع بعضهم للانسجام مع ما يروق لهم لتمرير القوانينquot;.
وكان وزير الخارجية الاميركي جون كيري هاتف بارزاني مساء أمس الاول واستعرض معه صورة الأوضاع الراهنة في العراق، وبيّن له موقف الإقليم حيال الأزمة في العراق وبحث معه الأوضاع الراهنة في البلاد.
يأتي ذلك بعد أيام مما تسرب عن زيارة قام بها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني ومسؤول الملف العراقي قاسم سليماني، لاربيل اربيل والتقى زعماء الحزبين الكرديين الرئيسين.
ووفق تلك التسريبات فإن سليماني تدخل ركز في مباحثاته مع القادة الكرد على ضرورة الالتزام بالتحالف الشيعي الكردي، وحذر القيادات الكردية بان العراق لن يكون بعيدا عن التأثيرات السلبية في حال سقوط نظام الاسد.
النائ الشيعي الذي تحدث لايلالف نفى ماتردد من تعهدات شيعية للكرد بتغيير رئيس الوزراء المالكي بمستشاره ومدير مكتبه السابق طارق النجم مؤكداً أن النجم ليس مرشحاً كرئيس للوزراء، لكنه لم ينف وجود بدلاء للمالكي في حال لم يلتزم بالتوافقات المستقبلية مع الكرد.

وقال أن التحالف الشيعي قدم للكرد تصوراته لاستعادة التحالف الاستراتيجي وينتظر بادرة حسن نية من الكرد كارجاع وزرائهم لاجتماعات مجلس الوزراء للشروع بالتوقيع على الاتفاق الاستراتيجي، وعد تصريحات برزاني الاخيرة والتلميح بالانفصال كورقة ضغط في المفاوضات وللاستهلاك المحلي الكردي، حسب تعبيره.
يذكر أن العراق يشهد أزمة سياسية منذ أشهر حيث يتهم الكرد والسنة رئيس الوزراء نوري المالكي بتهميشهم وعدم اشراكهم باتخاذ القرارات، فيما يرد المالكي بأن جميع قرارات مجلس الوزراء تتخذ بالتصويت وكل قرارات مجلس الوزراء خرجت بالاغلبية بما فيها قرار أحالة الموازنة العامة التي أيدها الوزراء الكرد، لكن نوابهم عارضوها في البرلمان. وجرى تمريرها بأغلبية بسيطة من معظم النواب الشيعة وبعض النواب السنة من المستقلين والعراقية.