لا يذهب العراقي للدراسة خارج العراق إلا إذا تدنى معدله الدراسي، او ظن تزوير الشهادة والعودة بها غانمًا أمر سهل. وهذا ما يجعل العراقيين الدارسين في الخارج عرضة للوقوع في مأزق كانوا يظنونه مخرجًا.


بغداد: يرمق الشاب عصام علوان الاعلانات المختلفة في شوارع بغداد تعرض على شباب العراق فرص الدراسة في الخارج، مقدمة لهم الاغراءات المختلفة من شهادات اكاديمية مرموقة وتسهيلات ادارية ومالية.
لكن علوان ما زال قلقًا حيال دراسة طب الاسنان خارج العراق، فبين ما يقرأه في الاعلانات وبين ما يسمعه من طلاب عايشوا التجربة وسافروا إلى خارج البلاد بون شاسع.
يقول علوان: quot;طلاب كثيرون سافروا خارج العراق للدراسة، يعانون من صعوبات جمّة، اضافة إلى أن البعض منهم رجع فاشلًا نادمًا على مشروعه الدراسي، والقسم الآخر آثر البقاء في الدول التي درس فيها، لا سيما دول اوروبا الشرقية، بعدما ترك دراسته وانشغل في التجارة وحياة المتعةquot;.
وكانت وزارة التعليم العالي العراقية حدّدت هذا العام الجامعات التي تعترف بها، في خطوة للقضاء على فوضى الابتعاث إلى الجامعات المختلفة، لا سيما أن الكثير منها لا يتمتع بمستوى اكاديمي جيد، كما الشهادات في الجامعات الاهلية سهلة المنال، بالرشاوى وبوسائل أخرى.
وتمنح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مُنَح مالية للطلبة الدارسين خارج العراق على نفقتهم الخاصة وفق شروط معينة.
ويبلغ عدد الطلبة الدارسين خارج العراق للدراسات العليا والأولية 14 ألف طالب وطالبة في العام 2013، موزعين حول العالم في 53 دولة باختصاصات ودرجات علمية مختلفة.

عملية تجارية بحتة
باتت رحلة الدراسة إلى الخارج عملية تجارية بحتة تقوم بها مكاتب تقدم العروض المختلفة، وغالبا ما يكون الزبائن من الطلاب تتدنى معدلاتهم الدراسية. وكان علوان حصل على معدل 35 بالمئة في مرحلة السادس العلمي، وهو معدل لا يتيح له القبول في الجامعات العالمية المرموقة لدراسة الطب والهندسة.
يؤكّد علي هادي، الموظف في مكتب عبر البحار للدراسة في بغداد، حصول الكثير من حالات الفشل الدراسي للطلاب العراقيين في الخارج، لكنه يُرجِع ذلك إلى أن اغلب هؤلاء من اصحاب المستويات العلمية الضعيفة، quot;اختاروا الدراسة في الخارج بدفع من الاهل الذين يريدون أن يكون ابنهم طبيبًا او مهندسًا، بينما هو يريد تجربة العيش خارج العراق، في المجتمعات الاوروبية، لأن الخروج من العراق غاية بحد ذاته، يؤمن له مستقبلًا افضل، حتى اذا لم ينل الشهادة الاكاديمية التي ينتظرها منه أهلهquot;.
ينتقد هادي أولئك الذين ينظرون إلى بعض الجوانب السلبية التي ترافق عمل هذه المكاتب، مؤكدًا انها وفّرت للكثير من المبتعثين مقاعدَ دراسية في ارقى الجامعات، ونجح كثيرون عبرها في الحصول على شهادات مرموقة، اتاحت لهم خدمة الوطن بالعلم.
وتعتبر دول مثل اوكرانيا وروسيا ودول جنوبي شرق اسيا من اهم البلدان التي تتعاقد المكاتب مع جامعاتها ومعاهداتها للدراسة.

بين الجد والفشل
اختار رحيم حسن (21 سنة) الدراسة في اوكرانيا، ونجح في اجتياز مرحلة الاندماج في المجتمع عبر تعلم اللغة واجتياز الاختبارات الاساسية ومواد المرحلة الدراسية الاولى في كلية الطب، ليستعد للمرحلة الثانية.
يقول حسن أثناء زيارته العراق إنه يأمل أن يُنهي دراسته ضمن المدة المقررة، لا سيما أنها تكلّف اهله مبالغ طائلة تصل إلى نحو خمس وعشرين ألف دولار شهريًا.
يعترف حسن بأن الكثير من الطلّاب الذي درسوا معه رجعوا إلى العراق بعدما فشلوا فشلًا ذريعًا، بينما آثر آخرون الانتقال إلى دول اوروبا الغربية بعد الاتفاق مع مهربين، حتى من دون علم أهلهم.
وينبّه حسن إلى أن افواج الخريجين الذين يتوجهون إلى خارج العراق للحصول على شهادات اكاديمية تصدمهم الكثير من الصعوبات الدراسية والحياتية، كما يعوق اختلاف الثقافات سعيهم، وتخف حماستهم بمرور الزمن مع تزايد اعباء الغربة والمغريات.
وارتجالية البعثات وفوضويتها واعتمادها على الجانب الربحي لا يشكّل مفاجأة بحسب رعد مطلك، الاكاديمي في الجامعة التكنولوجية، quot;اذ أن اغلب المكاتب ليست مهنية بل مكاتب سياحة والسفر وترجمة تحوّلت بموجب تراكم تجربتها في التوسط بين الطلاب والجامعات إلى مكاتب بعثات دراسيةquot;.

المخرج المأزق
يشير الاكاديمي سمير الشيخ، الذي درس الدكتوراه في المانيا الغربية وعاد إلى العراق في العام 2008، وعايش تجربة عراقيين يدرسون في المهجر، إلى أن سفر الطالب على نفقته الخاصة يتيح له حرية أكثر لفعل ما يراه مناسبًا، حتى وان اضطره الامر إلى ترك الدراسة، متناسيًا تضحيات اهله.
يتابع: quot;ليس غريبًا هذا الامر إذا عرفنا أن الكثير من الطلاب هم من المراهقين من اصحاب المستويات الدراسية المتدنية، يعتقدون أن الدراسة سهلة فيُصدَمون بصعوبات كثير ة اهمها اللغة، ما يجعلهم يبحثون عن مخرج لمأزقهم برشوة مسؤولين في الجامعات عبر بعض العراقيين المقيمين هناك منذ فترة طويلة او عبر اهل البلد، لكنهم سرعان ما يكتشفون ان هذا الامر بعيد المنال، والحصول على شهادة مزورة ليس سهلًا كما يصوره الاعلامquot;.

تقييم علمي
تخضع الشهادة التي يحصل عليها الطالب العراقي للتقييم العلمي الشامل من قبل وزارة التعليم العالي، وتُحال إلى اللجان العلمية لتقرر الاعتراف بالشهادة أو رفضها. الطالب حاتم عيدان يدرس الطب في ماليزيا، حيث تبلغ تكاليف السنة الواحدة ما يقارب 12 الف دولار.
يقول عيدان: quot;انا الآن في المرحلة الاولى، لكنني اشعر بالعبء المادي الذي يعاني منه اهلي، ولا بد لي من انهاء دراستي بسرعةquot;.
يعترف عيدان بأن الكثير من الطلاب رجعوا إلى العراق بعدما فشلوا في الدراسة بسبب المصاعب الدراسية والحياتية في ماليزيا. لكن الطلاب الذي تمكنوا من الحصول على بعثات دراسية حكومية يشعرون بالراحة ويعتريهم الحماس الكبير على النجاح.
ويقول محمد طارق، الذي يدرس علوم الحاسبات في الولايات المتحدة ضمن بعثة دراسية، إن اغلب اصحاب البعثات الحكومية من المتفوقين ولهذا فان فرصة نجاحهم وحصولهم على الشهادة الاكاديمية اكبر .
وبحسب الدكتور بهاء إبراهيم كاظم، مدير عام دائرة البعثات والعلاقات الثقافية في وزارة التعليم، بلغ عدد طلبة البعثات الدراسية يبلغ 1080 طالبًا، فيما تبلغ الزمالات الدراسية 1428 زمالة، في العام 2013.
لكن الحصول على زمالة دراسية حكومية ليس أمرًا سهلًا بحسب عامر عبد الله، الاكاديمي في جامعة بابل، فثمة شروط يجب أن تتوفر في الطالب المتقدم، كما أن هناك في الغالب اعداد محدودة من المقاعد يتم التنافس عليها في حين يبلغ اعداد الراغبين بالآلاف.