يتدفق المسلحون المتطرّفون إلى ليبيا بشكل لافت، ما يثير مخاوف جيرانها من أن تتحوّل معقلًا للجهاد ونسخة عربية من مالي، كذلك ينشط تهريب الأسلحة الثقيلة والسيارات والوقود والدقيق فيها لحاجة المهرّبين إلى إطعام أبنائهم، إضافة إلى نزاعات قبلية.


بدلاتهم العسكرية لا تشبه إحداها الأخرى، وشاحناتهم الخفيفة بلا زجاج أمامي. ويربض مدفعهم، الذي سد الغبار ماسورته، بين مخيم للاجئين وسوق دُمّرت متجارها وتناثرت بسطاتها على طريق قديم للقوافل. لكن رجال القبائل يبقون أصابعهم على الزناد وأعينهم مصوّبة نحو الأفق، حيث تنتهي الواحة، وتبدأ الصحراء.

وقال زكريا علي كريِّم، الأكبر سنًا بين رجال قبائل التبو، الذين يحرسون المنطقة، quot;إذا تركنا هذا الموقع، سيأتي المتطرفون الإسلاميون، ويستخدمون ليبيا قاعدة، ونحن لا يمكن أن نسمح بحدوث ذلكquot;. لكنه أضاف quot;إن الحكومة لم تدفع رواتبنا منذ 14 شهرًا، ولا تعطينا حتى مالًا لشراء أُبر نصلح بها بدلاتنا الممزقةquot;.

مكافحة المتطرفين
يقاتل رجال كريِّم لمكافحة المهرّبين والمهاجرين غير القانونيين، الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا والمسلحين المتطرّفين الذين يتدفقون عبر هذه الرقعة من الصحراء الكبرى قرب الحدود المفتوحة بين جنوب ليبيا وتشاد والنيجر والجزائر. ومنذ انتفاضات الربيع العربي، التي أسقطت نظام معمّر القذافي في ليبيا، وأنظمة استبدادية أخرى في المنطقة، بدأت مخاوف تساور الدول الغربية وجيران ليبيا من تحوّلها أو مناطق منها إلى معقل للجهاديين.

ويرى مراقبون أن الحكومة المركزية، التي جاءت بعد سقوط القذافي، حكومة ضعيفة إزاء التحديات الكبيرة لمرحلة ما بعد القذافي، بما في ذلك ترميم الاقتصاد ولجم الميليشيات وإصلاح القضاء والاتفاق على دستور جديد.

وفيما تعمل طرابلس على إعادة بناء الجيش، فإن أمن البلاد يعتمد في جانب منه على رجال قبائل ليسوا مدرّبين تدريبًا كافيًا، ولديهم قوائم طويلة من المظالم والمطالب لمعالجتها، وكثير من العداوات المحلية والأجندات الخاصة بكل قبيلة.

هذا الخليط المتفجّر هو السائد في جنوب غرب ليبيا وشمال شرقها، حيث قتل مسلحون إسلاميون أربعة دبلوماسيين أميركيين، بينهم السفير كريستوفر ستيفنز في بنغازي في العام الماضي، وقاموا بتهريب أسلحة وصواريخ إلى جماعات متطرفة في شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة.

مالي أخرى!
قال فتح الله علي نائب رئيس مجلس سبها لصحيفة لوس أنجيليس quot;إن مبعث خوفنا أن ينتقل وضع مالي إلى هنا. فإن الكثير من الأسلحة المتطورة والثقيلة، التي نُهبت من مستودعات جيش القذافي، ذهبت إلى متطرفين إسلاميين هناك، وإلى مناطق أخرى من أفريقيا، وتنظيم القاعدة يتحرك في هذا الاتجاهquot;.

كما يتابع المسؤولون الأمنيون الليبيون بقلق الأنباء، التي تتحدث عن وجود معسكرات تدريب، تديرها جماعات إسلامية متطرفة، وأسلحة خبأتها في الصحراء في جنوب سبها. ويرفض المسؤولون الليبيون في الجنوب الحديث عن الفوضى السائدة في المنطقة، حيث قُتل أخيرًا ناشط، لأنه انتقد علنًا انعدام القانون والنظام.

من مصادر الخطر الأخرى، إلى جانب الجماعات الإسلامية المتطرفة، النزاعات القبلية. فإن قبائل التبو الأفريقية، على سبيل المثال، تشتبك في نزاع منذ ما يربو على عام مع قبيلة أولاد سليمان العربية. وتزداد جهود المصالحة بين الطرفين تعقيدًا بتفشي البطالة والمخدرات والصراع على شبكات التهريب التي تمتد من حدود الجزائر وتشاد.

هروب من السجون
يلعلع صوت الرصاص في شوارع سبها، أكبر مدن الجنوب، مختلطًا باحتجاجات العاطلين، الذين يفترشون الأرصفة مع أدوات عملهم، على أمل أن يأتي أحد لديه عمل يستأجرهم لتنفيذه. وأصبحت عمليات الهروب من السجن شائعة. وأفادت تقارير ليبية أن ثلاثة من حرّاس محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني أُصيبوا بجروح عندما أطلق مسلحون النار على الفندق الذي كان يقيم فيه خلال زيارة للمنطقة في مطلع العام.

وفي مستشفى المدينة يتعرّض الأطباء للضرب بأعقاب المسدسات والمرضى لإطلاق النار عليهم في غرفهم على أيدي رجال قبائل متنازعة. ويفتقر المستشفى إلى معدات وأجهزة لا غنى عنها لعلاج المرضى.

ملاريا وجرذان
وقال طبيب الأطفال الدكتور عثمان حبيب quot;نحن نعالج أمراضًا لم نرها قط من قبل، بلغات لا نفهمهاquot;، في إشارة إلى توافد أعداد كبيرة من المهاجرين القادمين من تشاد ومالي. وأضاف quot;إن الحدود الليبية مفتوحة، وليست محروسة حراسة محكمة، ونحن لم نعرف الملاريا من قبل، لكننا نراها الآن طول الوقت. العبء فوق طاقتنا، والمستشفى مليء بالجراثيم والبكتريا والجرذان. إن هذا مخجل، لكنه صحيحquot;.

تابع الدكتور حبيب قائلًا لصحيفة لوس أنجيليس quot;إن رجلًا نُقل قبل فترة مصابًا بطلقات نارية. عالجناه ووضعناه في غرفة العناية المركزة، ولكن أعداءه جاءوا إلى المستشفى في تلك الليلة، وأطلقوا عليه 18 رصاصة. فأجرينا له جراحة وعاش. أخفيناه في الردهة النسائية، ثم هرّبناه إلى خارج المدينةquot;.

وأوضح الدكتور يوسف فرج، الذي كان يستمع إلى زميله الدكتور حبيب، quot;أن في المستشفى 200 سرير، ورفضنا قبول 500 مريض. فهذا المستشفى يخدم الجنوب الليبي كله، ولكننا لا نستطيع استقبال المزيد... هناك الكثير من الأسلحة، والكثير من حالات الغيبوبة. إنها كارثةquot;.

وقال آدم أحمد دَزي، عضو المجلس المحلي من قبائل التبو، quot;إن الاشتباكات تزايدت بين القبائل الحدودية، ولدى الميليشيات والمهرّبين أسلحة أفضل، لكن التهريب يكون بأيدي أثرياء يملكون شاحنات. أما قبائل التبو في هذه الدائرة فهي لا تملك حتى دراجات هوائية. لكننا مثل المنشفة، كل من يأتي يمسح قذارته بناquot;، شاكيًا من غياب الدعم المالي من الحكومة المركزية.

لم يتغير الكثير
وعن الوضع منذ سقوط نظام القذافي، قال دَزي لصحيفة لوس أنجيليس تايمز quot;حين تنظر إلى الثورة، لم يتغير الكثير في المناطق القبلية الجنوبية، ولم يتحسن الوضع، سوى أننا الآن أحرار في ممارسة تقاليدنا من دون خوف من نظام القذافي العنصريquot;.

تخترق الطريق، الذي يمتد من سبها، واحة خضراء، مرورًا بسلسلة من حواجز التفتيش، أولها تسيطر عليه ميليشيا، والثاني يتولاه الجيش الليبي، والثالث يحرسه كريِّم ورجاله من قبائل التبو في مزيج غريب من تداخل المصالح.

لإطعام الأولاد
وقال كريِّم quot;إن الجيش لا يستطيع السيطرة على هذه المنطقة بمفرده، وإذا تركنا هذا الحاجز 30 دقيقة فقط، سيأتي أشخاص سيئون. الحكومة لا تدفع لنا رواتب، ونحن نفعل ذلك لحماية بلدنا. ولكن الرجال يحتاجون إطعام أطفالهم، ولهذا السبب يتجه كثيرون إلى مهنة التهريبquot;. وهم يهرّبون قذائف صاروخية وسيارات مسروقة وبنزينًا ودقيقًا مدعومين من الحكومة. وكريِّم شاهد على ذلك كله.
في هذه الأثناء تقدمت على الطريق المتكسر باتجاه الحاجز شاحنة كبيرة تغصّ بالصبيان والبراميل، وتسير متمايلة، كأنها منزل على وشك الانهيار. وفحص رجال كريِّم أسلحتهم استعدادًا للعمل الليلي.

أخيرًا، قال كريم quot;إن الحاجز التالي يبعد 150 كلم، وليست لدينا دوريات كافية لتغطية المسافة الممتدة بينهماquot;، مشيرًا إلى أطراف سبها والصحراء الشاسعة بعدها.