تحولت بعض البرامج الحوارية السياسية على بعض الفضائيات العربية إلى مكتب إعلامي يخدم أجندات سياسية معينة، ما يُفقد السلطة الرابعة مكانتها، ويجعل الحقيقة تئن من ألم الزيف والخداع، وفقاً لما يرى كثير من المتابعين.


الرياض: زاد عدد البرامج الحوارية السياسية في الفضائيات العربية بعد قيام الثورات الشعبية في أوائل عام 2011 ابتداء بتونس وانتهاء بالمجهول، فأصبحت هذه البرامج تشغل حيزًا واسعًا من ساعات البث اليومي في العديد من القنوات الإذاعية والتلفزيونية.

لا يستطيع أحد إنكار أثر هذه البرامج في تطور وتغيير مسار السياسة في العالم العربي، ومن هنا جاء حرص السياسي العربي على الظهور عبرها للتسويق لأفكاره وقبل ذلك التسويق لشخصيته، في وقت يرى البعض أن العديد من هذه البرامج تحولت إلى ما يشبه مكتب علاقات عامة لنظام سياسي معين، كما أن الأنظمة العربية لا تتردد في إنفاق مبالغ ضخمة لتغطية نفقات القنوات الفضائية التي تنشر من خلالها قيمها السلطوية لتضمن بذلك تبعية الشعوب لها.

ويشكو كثير من متابعي تلك البرامج أنهم وبدلاً من الاستماع لمادة سياسية على مستوى عالٍ من التحليل للمرحلة الانتقالية والأوضاع السياسية الحرجة في منطقة الشرق الأوسط، يتفاجأون بأنهم أمام قناة تعرض لهم إحدى مباريات المصارعة الحرة ومذيع تحول إلى حكم مستضعف بين متصارعين يتبادلون اللكمات اللفظية وأحياناً الجسدية، وكذلك التشبيهات المخجلة وأحيانا الكراسي لينتهي الحال بالمشاهد العربي إلى تشنج فكري حاد.

يصنف أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود د.علي القرني البرامج الحوارية العربية في العقود الأخيرة إلى نموذجين: نموذج (إشعال الحرائق) الذي يختار ضيوفًا متطرفين ويتبع سيناريوهات درامية مثل: محاولة ضيف إطلاق النار على الضيف الآخر أو التلاسن الشخصي أو كشف أوراق أمنية أو سياسية عن الضيوف أو الانسحاب من البرنامج، كما يتصف بتقليب صفحات التاريخ.

أما النموذج الثاني بحسب القرني، فهو نموذج (إطفاء الحرائق) الذي يتسم باستضافة شخصيات معتدلة ويميل إلى السيناريو التوثيقي أي توثيق أحداث ومواقف معينة والتركيز في قضايا الحاضر و المستقبل.

أمام العديد من هذه البرامج الحوارية في مجال السياسة وتنوع الآراء وأحيانًا تناقضها بشكل صارخ قد يفقد المواطن العربي ثقته في مصداقية محتواها ومهنية مذيعيها إلا أن علي الظفيري، مقدم برنامج (في العمق) عبر قناة الجزيرة، يعتقد بأن الجمهور العربي واعٍ لدرجة كافية تمكنه من التمييز بين البرامج التي تقدم مواد تحليلية سياسية سواء تلك التي تخدم الحقيقة أو التي تشوهها.

قد يظن البعض أن البرنامج الحواري مجرد سائل ومجيب، ويتناسى أن هذه الأسئلة يجب أن تكون نتاجاً لبحث مطول في القضية المطروحة وجمع الآراء والحقائق حول القضية والضيف، بينما يرى الظفيري أن quot;محاورة الضيف بمعزل عن الميول السياسية للمذيع والمعتقدات الأيديولوجية تعتبر مسألة متفاوتة بين الإعلاميينquot;.

ويضيف quot;بالنسبة لي أنطلق من موقف وفهم واضحين لكل ما يحيط بي، ولا أسمح لموقفي الأيديولوجي أن يعمي بصيرتي في البحث عن الحقيقة، على سبيل المثال: أنت تؤمن بالديمقراطية لكن إيمانك بها لا يمنعك من نقد الديمقراطيين أو المنتمين لمشروع الديمقراطيةquot;.

يختار علي الظفيري ضيوف quot;في العمقquot; بعناية كبيرة لذا لم يندم يومًا على استضافة شخصية معينة، ويردف قائلا: quot;لكني أسير على المنهج التحريري الخاص بقناة الجزيرة ولا أسعى الى خرق القواعد المعمول بها لأني جزء من القناة وهذا يعد أمرًا طبيعيًا لأن لكل قناة سياسات معينة ومعايير واشتراطات خاصة بها، ومع ذلك لا تتدخل إدارة الجزيرة في نوعية الضيوف المشاركين في برنامجي، كما أن جميع الشخصيات المشاركة تلتزم بالمعايير الأخلاقية العامة التي لا يجب تجاوزها في أي برنامجquot;.

وعندما سألته quot;إيلافquot; عن البرامج السياسية التي تحولت إلى مكتب إعلامي يخدم سياسات حكومية، أجاب quot;بالتأكيد توجد هذه النوعية من البرامج الحوارية التي تتبع سياسة الحكومة وتعرضها على المشاهد بشكل فج ومقزز، وبالتالي يفقد المذيع مهنيته في الأداء وقدرته على تمثيل المشاهد وطرح استفهاماته على الضيف فلا يعود منصفًا وصادقًا في طرح قضية ما، وكل هذه الأمور يجب على كل مذيع أن يتصف بها ليكون قادراً على النقد و التجاوب مع الرأي العام في القضايا المطروحةquot;.

وفي دراسة ميدانية أجراها مؤخرًا أستاذ الإعلام الجديد في جامعة الملك عبد العزيز، د.سعود كاتب، حول الموضوعية والمهنية والمصداقية في البرامج الحوارية الخليجية، وتم تطبيقها على الإعلاميين في السعودية لرصد اتجاهاتهم وتحليلهم تجاه عشرة برامج، من بينها (إضاءات) في قناة العربية، (في العمق) في قناة الجزيرة، و(الاتجاه المعاكس) في قناة الجزيرة أيضًا، خلصت الدراسة إلى أن شهرة البرنامج لم تحصنه ضد الانتقادات المتعلقة بالموضوعية والمصداقية ومهنية المذيع المقدم لمحتواه.

ومن وجهة نظر عينة الدراسة، فإن نسبة الموضوعية في برنامج (إضاءات) تصل إلى 75% ،(في العمق) 63%، و(الاتجاه المعاكس) 53%، بينما تقدر مهنية المذيع في (إضاءات) بـ72% ، (في العمق) 67%، و (الاتجاه المعاكس) 54%.