تعتقد قيادة حزب العمال الكردستاني أنه لولا الكفاح المسلح، لما تمكنوا من فرض الكثير من حقوقه. لذلك يرفض كثير من كوادر هذا الحزب المسلح السلام مع تركيا والقاء السلاح قبل تحقيق المزيد.


عبدالإله مجيد من لندن: في بيت حجري آمن ترعى حوله الماعز والخراف بين الجبال الشاهقة في شمال العراق، ما زال مقاتل كردي يحارب الجيش التركي منذ نحو 30 عامًا، يتخذ موقفًا سمته التحدي بشأن الجهود الرامية الى احلال السلام.

الكفاح المسلّح مجدٍ

قال مراد كارايلان قائد قوات حزب العمال الكردستاني التي تُعد بالآلاف quot;إن قواتنا تعتقد أنها تستطيع أن تحقق نتائج من خلال الحربquot;.

ورغم كل ما كلفته الحرب المديدة فان كارايلان ومقاتليه وملايين الكرد معهم على اقتناع بأن الحرب أسهمت في تحقيق شيء ما كان ليتحقق قط لولا الكفاح المسلّح، وهو الاعتراف بالهوية القومية الكردية وانتزاع مزيد من الحقوق الديمقراطية للشعب الكردي.

التفاوض بعد القاء السلاح

واليوم، إذ يتفاوض حزب العمال الكردستاني مع تركيا لانهاء واحد من اقدم النزاعات واعقدها في الشرق الأوسط، فإنه يتمسك ببندقيته رغم مطالب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بإلقائه السلاح شرطًا للتفاوض.

ويشير هذا التحدي الى أن طريق السلام، رغم ما انعشه من آمال لدى الطرفين، قد يكون أطول وأشد وعورة مما كان يُعتقد في البداية.

آخر القضايا

وقال قائد قوات حزب العمال الكردستاني مراد كارايلان في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز من بيته الآمن في جبال كردستان العراق quot;إن مقاتلينا لا يمكن أن يلقوا السلاح. فهذه هي آخر القضايا، إنه أمر نبحثه كآخر قضية في العمليةquot;.

ويجري التفاوض بشأن اتفاق السلام في العاصمة التركية انقرة وفي زنزانة سجن عبد الله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني ومفكر المقاومة الكردية في تركيا.

ولكن كارايلان هو الذي أُنيطت به إدارة عملية السلام من معقله الجبلي في هذا الركن النائي من العراق، حيث السلطة الوحيدة هي سلطة المقاتلين الكرد الذين يقيمون حواجز تفتيش ويعيشون في مواقع جبلية حصينة.

وهدأت السماء فوق هذه الجبال بعد أن توقفت، لتوفير اجواء تفاوضية مناسبة، غارات الطائرات الحربية التركية التي تختار اهدافها بمساعدة صور تلتقطها طائرات تجسس اميركية بلا طيار.

اتفاق صعب

وما أن اعلن اوجلان وقف اطلاق النار في آذار/مارس في حرب اوقعت نحو 40 الف قتيل منذ اندلاعها في عام 1984 حتى بدأ كارايلان سلسلة من الاجتماعات والمؤتمرات مع مقاتلي الحزب وكوادره لاقناعهم بمنافع اتفاق كثيرون منهم يرفضون قبوله لسبب يعلو على كل الأسباب.

وقال كارايلان في معرض ايضاح هذا السبب إن قواعد الحزب وكوادره لا يصدقون تركيا ولا يثقون بموقفها.

وكان اردوغان أعلن في مقابلة تلفزيونية أُجريت معه مؤخرًا quot;لا يهمنا أين يترك المنسحبون اسلحتهم أو حتى إذا دفنوها بل عليهم أن يلقوا اسلحتهم ويرحلوا لأنه خلاف ذلك سيكون الوضع مثيراً للاستفزازquot;.

كما رفض اردوغان اصدار قانون جديد، يطالب به حزب العمال الكردستاني، لضمان سلامة المقاتلين المنسحبين.
وقام بدلاً من ذلك بتشكيل لجنة حكماء تضم مثقفين وقادة من الاتراك والكرد لدفع محادثات السلام.

أردوغان غير جاد

وانتقد كارايلان في حديثه لصحيفة نيويورك تايمز تكتيكات اردوغان قائلاً quot;إن المطلوب موقف جاد واردوغان لا يتعامل مع القضية بجدية وهو لا يفهم التاريخ العميق. وعلى الجميع أن يعرف أن قواتنا واصلت كفاحنا بنجاح حتى هذا اليومquot;.

ولكن كلمات التحدي التي اطلقها كارايلان تقابلها رغبة لدى حزبه في تحقيق السلام بعد نحو 30 عامًا من القتال.

السلام مقابل الحقوق

والهدنة الجديدة هي التاسعة التي يعلنها الحزب الذي تخلّى منذ سنوات عن طموحه في اقامة دولة كردية مستقلة، ويقول الآن إنه يعرض السلام على انقرة مقابل توسيع حقوق الكرد في دستور جديد والافراج عن آلاف السجناء السياسيين في تركيا.

وقال كارايلان quot;نحن نريد حل مشاكلنا عن طريق السلام والحوار وهذا ما نؤمن بهquot;. ولكن quot;إذا لم يقبلوا الكرد كمواطنين متساوين فإن هذه القضية لا يمكن أن تُحلquot;.

ويمارس كارايلان بوصفه قائد قوات حزب العمال الكردستاني نفوذاً على فرع الحزب في سوريا، وهو حزب الاتحاد الديمقراطي، ولكنّه نفوذ وليس سلطة على هذا الحزب الذي رفع السلاح للدفاع عن المناطق الكردية في شمال شرق سوريا.

الغرب يتجاهل الأكراد

ويعتقد كارايلان ومعه كثير من الكرد أن العلاقة الوثيقة بين الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، وتركيا، كانت على حساب الشعب الكردي.

وقال كارايلان quot;إن الكرد في سوريا يمثلون فئات علمانية وديمقراطية ولكن الغرب لا يقيم علاقات مع الكرد في سوريا والسبب هو علاقاتهم مع تركياquot;.

ويقول مدنيون في هذه الجبال التي لا تخضع لسلطة أي دولة من دول المنطقة إنهم يثقون بمقاتلي حزب العمال الكردستاني في تسوية النزاعات وتوفير الخدمات.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن قادر ابراهيم الذي يقول إن الطائرات التركية دمرت منزله quot;في المدن حين تكون لديك مشكلة تلجأ الى المحاكم، وهنا فإن حزب العمال الكردستاني هو حلال المشاكل. إنهم مؤدبون وسلميون للغاية ولا يطلبون سوى حقوقهمquot;.

ويقول الكرد إن الوقت حان لنيل حقوقهم وتأمين مستقبل أفضل إزاء ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من ثورات على الظلم والاستبداد.

وقال القروي قادر ابراهيم quot;إن العالم مختلف اليوم وكل شيء مختلف عما كان في السابقquot;.

وكان كارايلان صاحب الشارب الكث والابتسامة اللطيفة تولى قيادة قوات حزب العمال الكردستاني بعد اعتقال اوجلان عام 1999 وتبدو دماثته على نقيض تام مع اعلانه زعيمًا ارهابيًا بقرار من الحكومة الاميركية في عام 2009 بعد أن اعلنت وزارة الخزانة الاميركية أن منظمته تجمع المال بتهريب المخدرات الى اوروبا.

جلس كارايلان في غرفة خلفية داخل بيته الآمن حيث علقت راية صفراء عليها صورة اوجلان. وقال إنه يأمل بالعودة الى تركيا إذا انتهت الحرب للقيام بدور سياسي في خدمة الحقوق الكردية.

واضاف quot;بعد أن ننحي العنف جانبًا سيتعين بناء مجتمع ديمقراطيquot;. ولكن إذا لم تنتهِ الحرب فإنه مستعد للقتال مرة أخرى.

وقال قائد قوات حزب العمال الكردستاني مراد كارايلان quot;إذا لم يحدث ذلك ستكون هناك حرب أكبرquot;.