لا ينفك عالم الأحياء البريطاني ريتشارد دوكينز عن محاولاته زعزعة المعتقدات الثابتة. وهذه المرة يخرج بأن التعليم الديني مهم للأطفال... فقط لترقية فهمهم للآداب، لكن تنشئتهم على دين معيّن laquo;أسوأ من استغلالهم جنسيًاraquo; كما يقول.


لندن: طار العالم البريطاني البروفيسور ريتشارد دوكينز الى سماء الشهرة بشكل خاص بعد نشر كتابه laquo;وهم الإلهraquo; (2006) الذي بيعت منه ملايين النسخ حول العالم إما بلغته الانكليزية أو مترجمًا الى مختلف اللغات.

ويقوم هذا الكتاب على فكرة أن الإيمان بوجود خالق للكون يرقى الى مقام laquo;الوهم المَرَضي المؤذي للمجتمعraquo;. وهو يعرّف هذا النوع من الوهم بأنه laquo;الإيمان الذي لا يتزعزع بوجود ما لا وجود له، حتى في غياب الدليل الذي يثبته وفي وجود كل الأدلة التي تؤكد أنه مجرد وهمraquo;.

استغلال جنسي

الآن يعود عالم البيولوجيا التطورية والسلوك الى ساحة الجدل مجددًا بقوله إن laquo;فرض الديانات كما هي على الأطفال لا يقل سوءًا عن استغلالهم جنسيًاraquo;. وجدد معارضته التي لا تتزحزح لتلقين الأطفال التعاليم الدينية باعتبار أنهاlaquo;زيف صُوّر وكأنه حقائق لا يطالها الشكraquo;.

كان دوكينز يتحدث في laquo;مهرجان تشيبينغ نورتون الأدبيraquo; السنوي بمقاطعة اوكسفوردشاير الانكليزية، فقال إنه ليس ضد التعليم الديني laquo;طالما كان هذا التعليم يهدف الى شرح الدين باعتباره أحد ضروب الأدب الخيالي. لكن من المهم أيضًا شرح الخرافة التي يقوم عليها الدين نفسهraquo;. وقال في معرض حديثه الذي تناقلته الصحف البريطانية: laquo;الخطأ الأكبر هو أن يُربى كاثوليكيًا أو مسلمًا مثلا، وأن تصبح هذه هي هويته وكينونته. هذا ذنب يماثل استغلاله جنسيًا إن لم يكن أسوأraquo;.

أهمية الدراسات الدينية

يمضي دوكينز قائلاً: laquo;نعم، الدراسات الدينية مهمة للأطفال. هؤلاء يجب أن يتعلّموا أن بعض الناس يؤمنون بهذا الدين وبعضهم يؤمن بدين آخر. على أن هذا يجب أن يتم في إطار تنوير عقل الطفل بحال الناس من حوله، لكنه هو نفسه لا ينتمي الى أي من تلك الفئاتraquo;.

وقال إن الدراسات الدينية laquo;هي أيضًا إحدى أفضل السبل لمساعدة الأطفال على استيعاب قسم هائل من الأعمال الأدبية ومعانيها وأغراضها. لكن كل هذا يجب ألا يتم في إطار التلقين، وخاصة تلقينهم أن التعاليم الدينية حقائق ماثلة بينناraquo;.

... ولكن!

وفقا لدوكينز فإن laquo;تلقين الأطفال التعاليم الدينية كحقائق ثابتة يهددهم بمعاناة عقلية ونفسية طويلة المدى أسوأ من حال اولئك الذين استغلهم القساوسة جنسيًاraquo;. وكان البروفيسور يتحدث في لقاء أجراه معه الصحافي البريطاني مهدي حسن على شاشة تلفزيون laquo;الجزيرةraquo;. فقال: laquo;لا مراء حول أن استغلال الطفل جنسيًا شيء مروّع. ولكن ربما كان المروّع أكثر من هذا نفسه ndash; من حيث الآثار النفسية السيئة على المدى البعيد - هو أن يُربى الطفل على دين ما في المقام الأولraquo;.

وسأله مضيّفه حسن: laquo;هل تعتقد فعلاً أن تنشئة الطفل كاثوليكيًا أسوأ من استغلاله جنسيًا بيد قسraquo;؟ فرد البروفيسور قائلاً: laquo;ثمة ظلال تتصل باستغلال القساوسة للأطفالraquo;. و ضرب مثالاً بما روته له امرأة كاثوليكية أميركية في مراسلة بينهما.

ونقل دوكينز عن المرأة قولها إنها تعرضت لهذه التجربة (الاغتصاب) هي نفسها، وتؤمن بأن استغلال القساوسة للأطفال أمر مقزز. لكن الأشد إيلامًا عليها كطفلة والأكثر سوءًا في ما يتعلق ببقية حياتها هو ما قيل لها من أن صديقة عزيزة لها ستدخل النار وتتلظّى في الجحيم الى الأبد لأنها بروتستانتية.

وأضاف دوكينز أن هذه المرأة شُفيت جسدياً ndash; وإلى حد ما نفسياً ndash; من تجربة اغتصابها على يد قسيس بعد سنوات قليلة من وقوع الحادثة. لكن laquo;مصير صديقتها في الجحيم ظل يلازمها ويؤرق منامها لعقود بعد ذلكraquo;.

المدارس الإسلامية هي الأسوأ

بعد نشر كتابه laquo;وهم الإلهraquo;، ظل دوكينز يولي اهتمامًا خاصًا للمدارس الدينية باعتبار أهميتها الهائلة كمصانع لعقول المستقبل. لكنه لم يتعرض للمدارس الإسلامية إلى أن قال العام قبل الماضي إن تعاليمها هي laquo;الأسوأ لأنها تتخصص في إنتاج العقل laquo;المسَلِّمraquo; بما يرد في الدروس الدينية من دون تفكير أو مساءلة في صحتها ومعقوليتهاraquo;.

وتحدث دوكينز، في محاضرة ألقاها أمام تجمع لـlaquo;ملحق تايمز التعليميraquo; في لندن وقتها، عن رحلة له الى مدينة ليستر الانكليزية وزيارته إحدى مدارسها الإسلامية. ونقلت الصحف قوله: laquo;كل من التقيت بهم في هذه المدرسة يجمعون على التالي: laquo;إذا كان القرآن يتعارض مع شيء ورد في العلوم، فإن القرآن هو الصحيحraquo;... وهذا من دون أي تساؤل وأخذ وردraquo;.

غسل الأدمغة

وقتها قال دوكينز إن تلاميذ المدارس الإسلامية laquo;يُطلب اليهم تجاهل القرائن العلمية الواضحة في حال بدت متضاربة مع ما يرد في القرآنraquo;. وأضاف أنه التقى شخصيًا بمعلّم مسلم يؤمن تمامًا بأن عمر الأرض لا يزيد عن ستة آلاف سنة، وهذا لأن القرآن لا يشير الى ما هو أقدم من ذلك الوقتraquo;.

ووصف دوكينز هذا الأمر بأنه laquo;مريعraquo;. وأضاف قوله: laquo;هولاء أطفال بريطانيون تُملأ أدمغتهم اليافعة بأحاديث عن وجود مخلوقات وكينونات ماورائية. وبالطبع فإن هذه الأدمغة تظل متشعبة بتلك التعاليم التي تفتقر الى أبسط القرائن التي يقبلها العقل حتى وصول أصحابها الى الجامعة وربما بعدهاraquo;.

وقال إن زملاءَه المحاضرين الجامعيين يشكون من أن الطلاب، الذين ينصرفون عن نظرية laquo;النشوء والتطورraquo; الداروينية ما أن يبدأ الحديث عنها، laquo;مسلمون في كل الحالات تقريبًا، وهذا فقط لأن دينهم يحدثهم عن الخلق بشكل مختلف. هذا هو ما يحدث عندما تُغسل الأدمغةraquo;.