تشهد الساحة العربية انقسامًا حادًا بين التيار الإسلامي والتيار الليبرالي، تصاعدت وتيرته بعد صعود نجم الإسلام السياسي ووصوله الى سدة الحكم في دول الربيع العربي، مسببة شرخًا عميقًا بين النخب السياسية والمجتمع المدني، ومتخطية الحدود لدول أخرى في المنطقة العربية.
واشنطن: تسبب هذا الصراع في وجود حالة استقطاب سياسي كبيرة في المجتمع المدني، أدت إلى وصول دول الثورات العربية لحافة الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي، بسبب تمسك كل طرف بإيديولوجيته وفكره الذي يقوم على إقصاء الآخر، وخروج آلاف المعارضين الليبراليين والمعتدلين والمدنيين المحتجين للشوارع في تظاهرات غاضبة، تنتقد حكوماتها على أدائها السياسي، وخروج أنصار تلك الحكومات من الإسلاميين والسلفيين والمتشددين لمؤازرتها والتضامن معها.
العقلية الإقصائية
يرى الدكتور هشام شريف، الناشط السياسي والحقوقي وعضو اللجنة الفنية الوطنية للعدالة الانتقالية والمدير التنفيذي لمركز تونس للعدالة الانتقالية، أن الإنقسامات بين الإسلاميين والعلمانيين تعود الى الإختلاف المجتمعي الذي يباعد بين الخيارات السياسية، كإقامة الدولة الدينية أو المدنية، فيما غدت التجاذبات السياسية سببًا رئيسًا في تقسيم المجتمع التونسي، الذي كان موحداً قبل الثورة.
أضاف: quot;وصل حد الإنقسام إلى اعتماد أساليب التجريح والضرب تحت الحزام، بنشر الشائعات والفضائح على مواقع التواصل الإجتماعي، وهذا تعبير عن العقلية الإقصائية التي تقف وراء هذا الإنقسام، والذي تنفج فيه وسائل الإعلامquot;.
وأكد شريف أن مسؤولية الإستقطاب السياسي تقع على عاتق الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني. قال: quot;انقسام النخب السياسية أجج الموقف، فهناك أطراف تدفع إلى الوفاق والتعايش مقابل أطراف تبحث عن الإقصاء والقطيعة بين المفكرين من الطرفين، لأن غياب الوعي السياسي للمجتمع مسؤولية مشتركة بين النخبة وكافة مكونات المجتمع المدني ووسائل الإعلامquot;، مطالبًا الجميع بالتهدئة والعودة للحوار وصراع الأفكار بعيدًا عن الإقصاء.
تراكم تاريخي
يحمل مختار كامل، المحلل السياسي والاقتصادي ورئيس تحالف المصريين الأميركيين، تيار الإسلام السياسي مسؤولية الإنقسام والإستقطاب السياسي في المجتمع اليوم، quot;وذلك يعود لنشأته التي تعتبر بأن ما يقوم به هو الصحيح الذي يجب أن يكون، وما عدا ذلك فهو باطل، فما يحدث هو وليد تراكم تاريخي وليس وليد اللحظة، لكن برزت اللحظة التي غذت هذا الصراع، فتردي الأوضاع المدنية والفساد المستشري في المؤسسات المدنية دعما هذا الصراعquot;.
أضاف: quot;لا يجب تناسي دور الأنظمة الديكتاتورية السابقة التي قيدت حرية الفكر من خلال سوء التعليم، ما أصبح في ما بعد تربة خصبة لتجهيل الشعوب، وأعطى الفرصة لأحزاب الإسلام السياسي للتغلغل في الشارع والوصول لوجدان الناس قبل عقولها، فاستطاعت بذلك نشر فكرها بعد أن ربطت الدين بالسياسةquot;.
ورأى أن الحركات الإسلامية فشلت لأنها لم تخرج من عباءتها لمخاطبة الشارع، quot;فما زالت مقيدة بآرائها السياسية وانتمائها الحزبي، ما أدى الى فقدان الثقة بها من قبل المواطن العادي المتابع لتحركاتها، ومن قبل المعارضة التي تمثل أكثر من نصف المجتمع، فلا يزال المواطن يعاني كبتًا للحريات تحت مسمى الدين، وضعف الليبراليين بسبب ثقافة المجتمع واضطهاد الدولة وضعف مواردهم، وهذا أسهم كثيرًا في تعميق الشرخ في المجتمعquot;.
سوريا إلى الإنقسام
يرى الكاتب العماني صالح البلوشي أن الإسلاميين يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذا الانقسام لأسباب متعددة، منها إنفرادهم بالسلطة في تونس ومصر وليبيا عبر محاولة اسلمة الدستور والإعلام ومظاهر الحياة المختلفة، واستغلال الدين في الانتخابات التشريعية عبر إطلاق شعارات إقصائية مثل الإسلام هو الحل وغيرها، لا تحمل مضامين سياسية.
ويؤكد البلوشي أن هذا الانقسام سيصل إلى سوريا في حال سقوط الأسد واستلام المعارضة للسلطة هناك، quot;بسبب الهيمنة الواضحة للإخوان المسلمين على الخطاب السياسي المعارض، إضافة إلى الدور النشط للأحزاب الإسلامية المسلحة على الأرض في صراعها مع الجيش النظامي السوري مثل جبهة النصرة وغيرهاquot;.
أما بخصوص أداء أحزاب الإسلام السياسي، فيرى البلوشي أن الوقت مبكرًا للحديث عن ذلك. يقول:quot;يتسم أداؤها السياسي حتى الآن بنوع من الفشل، من دون أن يعني ذلك نجاح الأحزاب الليبرالية في أدائها، فالسياقات السياسية الحالية أقرب إلى التصارع بين الأحزاب المختلفة، وأعتقد أن الإنتخابات التشريعية القادمة في مصر وتونس تستطيع أن تحسم نتيجة هذا الصراع، من دون تحقيق الأحزاب الإسلامية إنتصارًا كبيرًا، كما حدث في الإنتخابات السابقة، لضعف أدائها السياسي في الفترة الماضيةquot;
السياسة والدين نقيضان
يعتقد الكاتب العراقي عمران الحسين بأن صعود نجم الحركات الإسلام السياسي ووصولها سدة الحكم في البلاد التي شهدت ثورات، وإقصاء الليبراليين عن الحياة السياسية، لم يكونا وليد الصدفة بل هناك من يقف وراء كل ذلك، quot;وهو المستفيد الوحيد من استمرار الإنقسام الحاصل الآن في الشارع العربي بين الإسلاميين والليبراليين، لأن هذا الإنقسام سيمتد على المدى الطويل، إن لم يتم احتواؤه من دون إقصاء الآخر، ما ينذر بحروب أهلية قد تنتج عنها خريطة جديدة للمنطقة العربيةquot;.
أما الدكتور محرز الحسيني، أستاذ العلوم السياسية والأديان ورئيس تحرير صحيفة المنصة العربية الصادرة في نيوجرسي ومدير المركز الأميركي العربي للحوار والدراسات الإستراتيجية، فقد رد انقسامات الشارع العربي إلى تاريخ طويل من الإختلافات الجوهرية والأساسية بين العقلية الدينية والعقلية الليبرالية على طبيعة العقد الإجتماعي والسياسي الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وقال: quot;الأول ينظر للحاكم على أنه ممثل صوت الله على الأرض، كلامه غير قابل للنقاش والدستور التفسير الحرفي للكتاب الديني، في حين يتحرر الثاني من هذا التصور، ويرى أن العقد السياسي والإجتماعي يشمل جميع طوائف المجتمع، من دون النظر للإختلافات الدينية والإجتماعية والأيديولوجية والإثنيةquot;.
اضاف: quot;لا يكمن لإسلامي الإلتقاء مع ليبرالي لإختلاف الأيديولوجية التي تقوم على إقصاء الآخر، فالسياسة والدين نقيضان لا يلتقيان، وانقسام النخب السياسية ساهم كثيرًا في تعميق هذا الشرخ، وأوجد ظاهرة الإستقطاب السياسي، متجاوزًا نجاح الثورات في كسر حاجز الخوف لدى الناسquot;.
وختم قائلًا إن الحركات الإسلامية لا تمتلك رؤية سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية للدولة، ولا تتمتع بالخبرة في لعبة الأمم، والمصلحة الوطنية تأتي بعد أسلمة الدولة، التي تحل في الدرجة الأولى.
التعليقات