تواصلت ردود الأفعال أمنيًا وسياسيًا وإعلاميًا في بريطانيا لليوم الثالث على التوالي بشأن تداعيات هجوم quot;الساطورquot; في ضاحية وولتش في جنوب شرق لندن، الذي راح ضحيته جندي الخميس الماضي، وذلك وسط خشية من تصاعد الإسلاموفوبيا في المجتمع البريطاني المتعدد الثقافات.


نصر المجالي: كُشف النقاب السبت عن أن مايكل أديبووالي وأحد المشتبه فيهم في الحادث الإرهابي كان ضحية لهجوم مسعور بسكين قبل خمس سنوات عندما كان في عمر 16 عامًا.

وقالت صحيفة quot;الغارديانquot; اللندنية إن أديبووالي تعرّض هو وصديقين له لهجوم من شخص يحمل سكين بطول 12 إنش، اقتحم شقة كانوا فيها، فقتل واحدًا منهم، وطعن الاثنين الباقين. وقد وصف القاضي الضحية في المحكمة عام 2008 بأنه قد quot;قطع إربًا إربًاquot;.

أسلم وانقلب
وتنقل الصحيفة عن جار لأديبووالي قوله إنه اختفى بعد تلك الحادثة لمدة سنة، ثم تحوّل إلى الإسلام، وتغيرت شخصيته كليًا. وكان الحادث أول هجوم عنيف ينفذه إسلاميون منذ يوليو/ تموز 2005 عندما هاجم أربعة مفجّرين انتحاريين شبكة مواصلات لندن. وفي ذلك الحين أيضًا أثيرت تساؤلات بشأن الأجهزة الأمنية، بعدما تبيّن أن اثنين من المهاجمين كانا قد حددا في عملية مراقبة، لكن لم تتم متابعتهما.

وتواجه أجهزة الأمن البريطانية تساؤلات بشأن ما إذا كان بوسعها بذل المزيد من الجهد لمنع مقتل جندي طعنًا في شارع مزدحم في لندن، بعدما تبيّن أن المشتبه فيهما في الحادث كانا معروفين بالنسبة إلى ضباط المخابرات.

وقالت مصادر مطلعة على التحقيق إنه ليس هناك ما يشير حتى الآن إلى علاقات مباشرة بين الهجوم وبين التمرد الذي يشنه متشددون إسلاميون في نيجيريا، حيث ترجع أصول المهاجمين.

أصول نيجيرية مسيحية
يشير اسما الفاعلين إلى أنهما ينتميان إلى جنوب نيجيريا ذي الغالبية المسيحية، وليس إلى الشمال المسلم، حيث ينشط المتمردون. وقال مصدر في الحكومة النيجيرية إنه ليس هناك ما يشير إلى أن المتهمين في حادث ووليتش على علاقة بجماعات في غرب أفريقيا.

ويرقد مايكل أديبولاجو (28 عامًا) ومايكل أديبوالي (22 عامًا) في المستشفى تحت الحراسة بعد إصابتهما بالرصاص إثر قتلهما للجندي الذي حارب في أفغانستان لي ريجبي (25 عامًا) يوم الأربعاء. ولم توجّه إليهما تهمة بعد.

ولد أديبولاجو - الذي صوّرته كاميرا وهو يبرر القتل وهو واقف قرب الجثة ممسكًا بديه الغارقتين في الدماء بسكين وساطور - في بريطانيا لأسرة نيجيرية مهاجرة. أما أديبوالي فهو مولود في نيجيريا، وحصل على الجنسية البريطانية.

ألقي القبض أيضًا على رجل وامرأة للاشتباه في تآمرهما على القتل، وهو مؤشر أولي إلى أن الشرطة تحقق في ما إذا كان الحادث جزءًا من مؤامرة أوسع.

تحقيقات مستمرة
وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قال إن لجنة برلمانية ستجري تحقيقًا بشأن دور الأجهزة الأمنية، بينما قال مصدر حكومي بريطاني لـ quot;رويترزquot; إن جهاز المخابرات الداخلية quot;ام.آي5quot; كان يعلم بأمر الرجلين، لكنه لم يكن يعتبر أن أيًا منهما يشكل تهديدًا.

وقال بيتر كلارك الرئيس السابق لقيادة مكافحة الإرهاب في لندن، والذي قاد التحقيقات في تفجيرات 2005، إنه إذا اتضح أن الرجلين تصرّفا بشكل منفرد، فسوف يظهر هذا صعوبة منع قوات الأمن لهم. وأضاف quot;بدلًا من أن تكون مضطرًا لتفكيك منظمة.. أنت مضطر للتحقيق في أيديولوجية ومواجهتهاquot;.

من جهته، قال ريتشارد باريت، وهو رئيس سابق أيضًا لمكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات السرية quot;ام.اي6quot; - وكالة المخابرات البريطانية الخارجية - إنه ليس من العملي تعقب كل شخص يعبّر عن أفكار أصولية تميل إلى التطرف العنيف. وقال quot;أعتقد أنه من الصعب للغاية العثور على علامات وإشارات للخطرquot;.

استنكار إسلامي
وكانت المنظمات الإسلامية البريطانية الرئيسة استنكرت الهجوم، الذي يتوقع أن يسلط مزيدًا من التركيز على على المنظمات الأصولية، مثل جماعة quot;المهاجرونquot;، التي تنظم مظاهرات مستفزة ضد القوات البريطانية، وتم حظرها عام 2010.

وحضر أديبولاجو، الذي تحوّل إلى الإسلام، وغيّر اسمه إلى quot;مجاهدquot;، محاضرات لعمر بكري، السوري المولد اللبناني الجنسية، ومؤسس الجماعة الذي طرد من بريطانيا في 2005. وأشاد بكري بالهجوم، وقال إن كثيرًا من المسلمين يعتبرون القتيل هدفًا عسكريًا.

وتابع بكري في مقابلة أجريت في شمال لبنان quot;كنت أعرفه. كان رجلًا هادئًا وخجولًا، ويطرح الكثير من الأسئلة عن الإسلامquot;.ورأى أن quot;هذا أمر لا يصدق. حين رأيت هذا اندهشت جدًا، عندما وجدته واقفًا بثبات وجرأة وشجاعة، ولم يهرب، بل إنه أعلن لماذا نفذ الهجوم، وأراد أن يسمعه العالم كلهquot;.

وقال بكري إن جماعة quot;المهاجرونquot; لا علاقة لها بالهجوم، لأن أعضاءها لم يروا أديبولاجو منذ عام 2005. لكن أنجم تشودري، الذي خلف بكري في زعامة الجماعة، قال إن أديبولاجو كان على اتصال بالجماعة حتى عامين مضيا.

تقارير الصحف البريطانية
على هذا الصعيد، تباينت تغطيات الصفحات الأولى للصحف البريطانية للهجوم الإرهابي، حيث خصصت بعض افتتاحياتها وتحقيقاتها الرئيسة ومقالات الرأي فيها للبحث المعمق في دوافعه ونتائجه وآثاره.

وحسب موقع quot;بي بي سيquot; الالكتروني، فقد وضعت صحيفة التايمز صورة للضحية بملابسه العسكرية وعدته القتالية إبان خدمته في أفغانستان تحت عنوان كبير quot;أول صورة لمن سقط ضحية الإرهاب في خط الجبهة الأماميquot;.

بينما نشرت صحيفة الإندبندنت صورة كبيرة لنك غريفين، زعيم الحزب القومي البريطاني، وهو يضع باقة زهور في موقع الاعتداء، جاء تحتها عنوانها الرئيس quot;زعماء مسلمون يحذرون من رد فعل اليمين المتطرف العنيف بعد وولتشquot;.

في حين وضعت صحيفة ديلي تلغراف صورة كبيرة لجنود بريطانيين عائدين من أفغانستان في مسيرة عسكرية في يورك، ونشرت فوقها عنوانها الرئيس quot;الحشود تحيّي القوات العائدة إلى الوطن من أفغانستان، وترسل رسالة شجاعة ضد الإرهابquot;. ونشرت الغارديان صورة لوالدة الضحية تحت عنوان quot;حملة ضد دعاة الكراهية وعائلة الضحية في آسىquot; لفقدانه.

جرائم الكراهية والإسلاموفوبيا
وركزت الإندبندنت في تغطيتها على التحذيرات التي وجّهها زعماء مسلمون ضد ما يقولون إنها محاولات اليمين المتطرف لاستغلال الجريمة quot;المقززة والبربريةquot; بمقتل لي ريغبي لتأجيج الكراهية العرقية.

وتقول الصحيفة إن جرائم الكراهية المرتبطة بالإسلاموفوبيا قد تضاعفت 10 مرات عن معدلاتها المعتادة مع تسجيل أكثر من 140 حادثة خلال 48 بعد اعتداء وولتش. ومن بينها تسع هجمات على مساجد واعتداءات وإساءات عنصرية وكتابات مضادة للإسلام على الجدران. كما رميت، حسب الصحيفة، عبوة ناسفة على أحد المساجد في ميلتون كينز خلال صلاة الجمعة، فضلًا عن تقارير عن هجمات في مدن أخرى.

وتوقفت الصحيفة عند تغريدة زعيم الحزب القومي البريطاني على موقع تويتر بعد زيارته لوولتش أثارت اشمئزازًا على مستوى واسع، والتي قيل إنه دعا فيها إلى لف القتلة بـquot;جلد خنزيرquot; وإطلاق النار عليهم ثانية.

كما أشارت إلى المظاهرة التي تسيّرها السبت رابطة الدفاع الإنجليزية في نيوكاسل للاحتجاج على فتح مدرسة إسلامية، فضلًا عن المسيرة التي ستنظمها الاثنين وسط لندن، حيث تقول الرابطة إن اعتداء وولتش يظهر أن بريطانيا quot;في حربquot; ضد التطرف الإسلامي.

تاريخ المشتبه فيهم
وحاول معظم الصحف البحث في تاريخ المشتبه فيهما بارتكاب الجريمة، فتقول صحيفة ديلي تلغراف التي خصصت افتتاحيتها لمناقشة أصداء الحادثة، ونشرت تحقيقًا تحت عنوان quot;لقد غسلوا دماغ ابنيquot; في صفحتها الثانية مع صورة كبيرة لوالدة مايكل أديبووالي (المشتبه فيه الذي ظهر يحمل سكينًا ويداه ملطختان بالدماء) وهي ترتدي قبعة زرقاء على رأسها، وتقول إنها حاولت باستماتة إبعاده عن التطرف الإسلامي، لكنها لم تتمكن، حسب شهادات أصدقاء للعائلة.

وتشير الصحيفة إلى أن جوليت أوباسوي (43 عامًا) ذهبت إلى صديق وجار يعمل موظفًا أمنيًا قبل تسعة أشهر لطلب المساعدة بعدما ترك ابنها الجامعة، وتحدثت معه عن تمرد ابنها على العائلة الملتزمة بتقاليد الديانة المسيحية، وعدم سماع كلامها، وتحوّله إلى الإسلام، ولفتت إلى أنه بحاجة إلى إرشاد روحي قبل أن ينتهي إلى التطرف.

الجندي الضحية
على الصفحة المقابلة، تنشر ديلي تلغراف تحقيقًا عن عائلة الضحية لي ريغبي، وتتابع هلع العائلة ومحاولاتها الإتصال به عند سماعها بوقوع حادث مروع في وولتش في التليفزيون. ووصفته والدته في مؤتمر صحافي بالبطل الذي كان هبة لا تثمّن بالنسبة إلى عائلته.

وقرأت العائلة آخر رسالة نصية أرسلها من هاتفه النقال الليلة التي سبقت مقتله إلى والدته، يخاطبها فيها، بوصفها quot;واحدة تعادل مليونquot;.

وقالت زوجته، على الرغم من أنهما يعيشان منفصلين، إنها كانت تتطلع إلى قضاء عطلة نهاية هذا الأسبوع معه، برفقة ابنهما جاك البالغ من العمر سنتين، وأضافت quot;أحب لي، وسأظل أحبه أبدًا، وأنا فخورة بكوني زوجتهquot;.

في الختام، تتحدث صحيفة الغارديان في تغطيتها عن حملة لمنع التطرف في أوساط الشباب الطلبة الجامعيين بعد اعتداء وولتش، وتقول الصحيفة إن الجامعات البريطانية بدأت حملة جديدة لتشرح للطلبة والاتحادات الطلابية والأكاديميين ما يمكن أن يفعلونه لتحجيم دعاة الكراهية.