أزمة جديدة تفجرت في مصر على إثر تثبيت المحكمة الدستورية حق أفراد الجيش والشرطة المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، ترشحًا وانتخابًا، الأمر الذي رفضه الإخوان وأحزاب أخرى، ورحبت به جبهة الانقاذ، مؤكدةً أن الثورة قامت ضد الفساد كله، حتى التشريعي.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: ينطبق على مصر المثل الشعبي القائل: quot;كل ما يخرج من نقرة يقع في دحديرةquot;، وهو مثل يطلق على الشخص المتعثر الذي كلما خرج من مأزق يقع في آخر أشد منه. وها هي مصر تقع في أزمة جديدة وشديدة، بعد أن رفضت المحكمة الدستورية مشروع قانون إنتخاب مجلس النواب، ومباشرة الحقوق السياسية، لأنه حرم الجيش والشرطة من التصويت، وأثبتت لهما هذا الحق، ما أثار عاصفة من الجدل.
لكن الغالبية العظمى من المصريين، ولاسيما القوى السياسية الإسلامية، أعلنت رفضها إشراك القوات المسلحة أو جهاز الشرطة في العملية السياسية، معتبرة أنه يضر بالأمن القومي المصري، ويبذر الشقاق والتحزب في صفوف الجيش.

مسّ بنزاهة الانتخابات
وفقًا لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، فإن السماح للجيش والشرطة بالتصويت والترشح في الإنتخابات يضر بالأمن القومي المصري. ووصف المهندس محمود عامر، عضو الهيئة العليا للحزب، حكم المحكمة الدستورية بالسماح للجيش والشرطة في التصويت بالانتخابات بـquot;الكارثة الكبرى التي سوف تؤدي إلى فوضى سياسية بالبلادquot;.
أضاف لـquot;إيلافquot;: quot;إن عمليات التصويت أو الترشح وما يتبعها من دعاية إنتخابية لا يمكن أن تجرى داخل الثكنات العسكرية أو أقسام الشرطة ومديريات الأمن، فكيف سيقوم الناخب بالدعاية لنفسه في المؤسسة العسكرية والشرطة؟ وكيف يسمح للشرطة والجيش بتأمين الانتخابات في الوقت نفسه لهما حق التصويت؟ إنها تمثل إزدواجية خطرة على العملية السياسية، تمس بنزاهة الإنتخاباتquot;.
وأشار عامر إلى أن الدستور لم ينص على ذلك، quot;فعندما أكد على حق المواطنة والمساواة بين المواطنين، كان هناك استثناء في القانون يعمل به منذ عهد مبارك وفي دستور 1971، يقضي بعدم أحقية الشرطة والجيش في التصويت على اعتبارهما جهات حساسة، ودورهما الانحياز للشعب وليس لحساب جهة أو تيار سياسي معينquot;.

الدستورية تتربص بمرسي
لفت إلى أن السماح لتصويت الجيش والشرطة في الانتخابات يمثل خطورة في الانتخابات الرئاسية، خصوصًا في حالة ترشح شخصية عسكرية من الجيش أو أمنية من الشرطة، quot;فأي من المؤسستين سوف ترجح كفة مرشح على الآخر، ما يخل بمبدأ تكافؤ الفرصquot;.
كما إتهم عامر المحكمة الدستورية بالتربص بالمؤسسات المنتخبة، منذ وصول الرئيس محمد مرسي للحكم، مشيرًا إلى أن قضاة المحكمة الدستورية ليسوا وحدهم الذين يفهمون في الدستور، quot;فهناك خبراء كبار بمجلس الشورى صاغوا مواد القانون وكانوا مشاركين في الاصل بالجمعية التأسيسيةquot;. وشدد على أنه كان يفترض بالمحكمة عدم اثارة هذا الأمر من أجل مصلحة البلاد، متهمًا إياها بإثارة أزمة من دون داعٍ بما يؤكد أن الأمر مقصود ومدبر لإحراج الرئيس.
ونبّه عامر إلى أنه لا بد من تفعيل الدستور الحالي بخروج قانون السلطة القضائية للنور، بما يسمح بتقاعد القضاة عند 60 عاماً، بما يضمن اعادة تشكيل الكثير من العمل داخل السلك القضائي وخاصة المحكمة الدستورية.

ديباجة الدستور
قال الدكتور جمال حشمت، عضو مجلس الشورى، إن دستور 1971 نص على حق المصريين في المشاركة السياسية والانتخابات، quot;وفي الوقت نفسه كان هناك قانون يمنع العسكريين والشرطة من التصويت في الانتخابات، وهو ما نص عليه الدستور الحالي أيضًا، فالمحكمة الدستورية أخذت بنصف المادة، وتركت النصف الآخر على طريقة لا تقربوا الصلاة، ما يؤكد عدم الحياد في أحكامها، وأنها ما زالت مسيّسةquot;.
أضاف حشمت لـquot;إيلافquot; أن ديباجة الدستور تحظر على القوات المسلحة المشاركة في السياسة، وورد فيها: quot;ثامنًا: الدفاع عن الوطن شرف وواجب؛ وقواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل في الشأن السياسي، وهي درع البلاد الواقيquot;.
ولفت إلى أن توصيات الدستورية سوف تناقش داخل اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس الشورى، مشيرًا إلى أن هناك وقتًا كافيًا للخروج من هذا المأزق، quot;ومجلس الشورى مضطر للالتزام بحكم المحكمة واعادة القانون مرة أخرى للمحكمة، رغم أن الدستور يعطي للمجلس الحق في عدم اعادة القانون للدستورية، إلا أن المجلس يحاول تجنب صدور أحكام أخرى لوقف الانتخاباتquot;.

في مصلحة المعارضة... ونرفضه
وصف الدكتور عصام امين، الامين العام لحزب مصر الثورة، القرار بأنه quot;لغم يستهدف تقسيم الجيش المصري وجهاز الشرطة وتحويلهما لفصائل تابعة لتيارات سياسيةquot;. وطالب أمين وزير الدفاع عبد الفتاح الفريق السيسي برفض القرار والحيلولة دون تصويت العسكريين.
وقال في تصريح أرسله لـquot;إيلافquot; إن نسبة كبيرة بين صفوف الجيش والشرطة من محدودي التعليم، ومن السهل تسييسهم ما قد يؤدي إلى صدام مسلح ينتهي بنا إلى لبنان جديد، quot;ورغم أن القانون في مصلحة المعارضة، إلا أن مصلحة الوطن أكبر واهم، ولهذا نرفض القرار رفضًا قاطعًا، وعلى القوى السياسية التي تريد الخير للوطن أن تقف في وجه هذه الجريمةquot;.
ودعا أمين المحكمة الدستورية إلى إلغاء القرار لتحمي الجيش من الانقسام والاستقطاب السياسي، وتحمي الوطن وتعمل على ترسيخ حياد الجيش والشرطة والأزهر والكنيسة والقضاء، وأن تكون على الحياد بعيدة عن أي صراع سياسي.

سرّ سلطان
تبنى عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، نظرية المؤامرة، وقال: quot;علمت أن أحد المراكز الحقوقية الشهيرة، ورد ذكره في قضية التمويل الأجنبي، بصدد الإعداد الآن لصياغة طلب ودعوى قضائية، أما الطلب فسيتم تقديمه للفريق السيسي وزير الدفاع للحصول على نسخة كاملة من قاعدة بيانات القوات المسلحة، فيها أسماء الضباط والجنود وأماكن تمركزهم وعناوين وحداتهم وعدد كل وحدة أو كتيبة، وتوزيعهم على الأسلحة المختلفة من طيران ومدفعية وبحرية واستطلاع ومشاة وخلافه، باعتبارهم ناخبينquot;.
وأضاف في تصريح له عبر صفحته على موقع فايسبوك أن الدعوى القضائية، سترفع أمام مجلس الدولة، في حالة رفض السيسي الاستجابة لهذا الطلب، وهو أمر مرجح، إستنادًا إلى قرار المحكمة الدستورية الصادر أمس، quot;وطبعًا إذا صدر حكم بذلك، وهو أمر مؤكد، فلن يستطيع السيسي الامتناع عن تنفيذه حتى لا يحكم عليه بالحبس من محكمة أخرى، وكله بالقانون، وبأحكام القضاءquot;.
وتابع: quot;غني عن الذكر أن تلك المراكز الحقوقية ملتزمة بإرسال تفاصيل نشاطها مكتوبًا وموثقًا لجهة التمويل، كشرط للرقابة على أوجه الصرف ولإستمرار التمويلquot;.

الصديق المعروف
وكشف سلطان نقلًا عمن وصفه بـquot;صديقي الحقوقي المعروفquot;، أن ما حدث محاولة لإجبار الجيش على الإنغماس في مستنقع السياسة.
وقال: quot;قبل أن يختتم صديقي الحقوقي المعروف مكالمته معي صباح اليوم، قال إن الموضوع لا علاقة له بالانتخابات، و مباشرة الحقوق السياسية وما شابه، لكن الموضوع أساسًا متعلق بالرد على الجيش لرفضه الاستجابة لدعوات النزول للشارع، ولانشغاله بالتدريبات وبإعادة بناء وتسليح نفسه وتنويع مصادر السلاح، وأقسم لي أنه كان متأكدًا مما تضمنه قرار الدستورية قبل صدوره، ولم يشأ أن يفصح أكثر من ذلك، غير أنه ردد لي عبارة محامية تبحث عن عمل، قالت له الجيش مش عايز ينزل، طب إحنا هنروحله عقر دارهquot;.

ضد الفساد
في الجانب الآخر، رحبت بعض القوى السياسية الليبرالية بتوصيات المحكمة الدستورية بالسماح للجيش والشرطة بالتصويت والترشح.
وقال عبد الغفار شكر، القيادي بجبهة الإنقاذ المعارضة، إن تصويت أفراد وضباط القوات المسلحة وجهاز الشرطة حق أصيل من أهم حقوق المواطنة، مشيرًا إلى أنهم كانوا يتمتعون بهذا الحق حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
وأوضح شكر لـquot;إيلافquot; أن مبارك ألغى هذا الحق، quot;لكن الثورة قامت ضد كل مظاهر الفساد في عهد مبارك، بما فيها الفساد التشريعيquot;. وأضاف أن الإخوان والأحزاب الإسلامية ترفض تصويت قوات الجيش والشرطة في الإنتخابات خشية التصويت ضد مرشحيها في أية إنتخابات، لاسيما في ظل إنخفاض شعبيتها في هذه الأوساط.