هدّأ اليوم خطباء الجمعة من حدة هجومهم المعتاد ضد رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، مشددين على ضرورة عدم تحويل الخلافات السياسية إلى صراع طائفي. وطالبوا رئيس الوزراء بعقد اجتماع حكومته المقبل في الأنبار.


لندن: في أول رد فعل على موافقة المحتجين في محافظات عراقية غربية وشمالية على تخويل النجيفي التفاوض مع الحكومة باسمهم، هدّأ خطباء جمعة ساحات الإعتصام، من لغتهم المضادة وهجومهم العنيف ضد المالكي بعد أن اعتادوا على ذلك، مشددين على ضرورة عدم تحويل الخلافات السياسية الحزبية إلى صراع شيعي سني، رافضين دعوات المواجهة ومطالبين رئيس الوزراء إلى عقد اجتماع حكومته المقبل في محافظة الأنبار.

دعوة إلى الوحدة والتآزر
ودعا إمام وخطيب جمعة جامع الكيلاني السني في بغداد، الشيخ محمود العيساوي خلال صلاة موحدة شيعية سنية جامعة بمشاركة حشد من المواطنين والسياسيين ورجال الدين من مختلف الطوائف، العراقيين إلى الوحدة والتآزر والوقوف صفًا واحدًا، ضد كل من يريد بالعراق شرًا. وقال quot;نحن العراقيين تشابكت أهدافنا وامتزجت دماؤنا، فلننطلق للوصول إلى بر الأمان ونتجاوز المحن والعقباتquot;. وأضاف أن رسول الله محمد هو نبي كل المسلمين شيعة وسنة quot;فتعالوا إلى التآزر للوصول إلى بر الامان فهو جامع شملنا ووحدتناquot;.
وناشد العراقيين العمل على quot;تشييد قواعد بلدهم من دون عصبيات قومية أو طائفية أو حزبية، لأن هذا هو الطريق الصحيح لتحقيق وحدتهم وجمع شملهمquot;. وأكد quot;ضرورة إخلاص النوايا وجمع الشمل ووقف نزيف الدم، ومواجهة الارهابيين الذين يريدون سوءا بالعراقquot;. وطالب المتظاهرين والمعتصمين المحتجين في محافظات شمالية وغربية الاستمرار بسلمية حراكهم وتفويت الفرصة على اعداء البلد والاستمرار برفع الشعارات الوطنية التي تدعو لوحدة الكلمة والعراق .. وخاطبهم قائلا quot;طالبوا بحقوقكم وفقا للدستور ولا تتجاوزوا الحدود لان رفع خيار المواجهة محرم شرعا فهو يعني القتال بين ابناء الدين الواحد والبلد واحد والكل مغلوب فيهquot;.
وشدد الشيخ العيساوي على أن وحدة العراق خط أحمر لا يمكن تجاوزه ويجب المحافظة عليها quot;فالنظم والحكومات والأحزاب تنتهي، ويبقى العراق موحدًا، واحدًا من مسؤولية الجميع وحفظ دماء ابنائه واجب شرعيquot;. ودعا السياسيين إلى الإصغاء لمطالب المواطنين وتلبيتها quot;لأن الاستماع إليها ظاهرة صحية وأملنا أن تتم الاستجابة لها في أسرع وقتquot;. وخاطبهم بالقول quot;حلّوا الخلافات وأصغوا إلى بعضكم البعض، لأن الخلافات السياسية بدأت تنعكس سلبًا على الشارع العراقي، وتتحوّل من خلافات حزبية إلى طائفيةquot;.. وشدد بالقول إن ما يجري على الساحة السياسية العراقية ليس خلافًا سنيًا شيعيًا، لأن الجميع أخوة عاشوا في هذا البلد معًا، لا خلاف بينهم ووقفوا مع بعضهم في أشد الملمات.

ثالث صلاة موحدة ودعوة إلى المزيد
ودعا خطيب جامع الكيلاني رجال الدين وخطباء المساجد من كل المذاهب إلى ترشيد خطابهم الديني والوقوف بوجه الفتاوى التكفيرية، وعدم التخندق طائفيًا وحزبيًا والوقوف صفًا واحدًا ضد التطرف والارهاب. وحذّر بالقول quot;إن وحدتنا مهددة فليتكاتف الجميع من أجل أن يبقى العراق واحدا موحداquot;. وعبّر عن الأمل في أن تنتهي الأزمة السياسية الحالية في البلاد سريعًا، وناشد رئيس الوزراء نوري المالكي أن يعقد اجتماع حكومته المقبل في محافظة الأنبار الغربية كما يعقدها في محافظات جنوبية وشمالية لتهدئة النفوس والخواطر على حد قوله.
وهذه هي ثالث صلاة جمعة موحدة مركزية تشهدها العاصمة العراقية استجابة لنداء رئيس الوزراء نوري المالكي الذي قال في بيان إلى العراقيين في التاسع عشر من الشهر الماضي quot;إن الصلاة الموحدة يفهم منها أنها تجمع العراقيين من السنة والشيعة وهذا ما نتمناه فالصلاة الموحدة الحقيقية يجب أن تجمع المسلمين بكل طوائفهم في مسجد واحد، وانا ادعو إلى اقامة صلاة موحدة بهذا الشكل في أحد مساجد بغداد الكبيرة وتستمر بصورة دائمة كل يوم جمعةquot;.
وكان معتصمو الأنبار أعلنوا أمس أنهم خولوا رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي التفاوض مع الحكومة بالنيابة عنهم، من أجل تحقيق مطالبهم حيث أبدى استعداده للقاء المالكي والتفاوض معه من أجل تهدئة الأوضاع في البلاد شرط القبول بمبادرة المرجع السني الشيخ عبد الملك السعدي.
وقال الرئيس السابق لصحوة أبناء العراق أحمد ابو ريشة، أحد قادة تظاهرات الأنبار في مؤتمر صحافي مشترك عقده في منزله بالرمادي (110 كم غرب بغداد) مع النجيفي ووزير المالية المستقيل رافع العيساوي الليلة الماضية، إن المعتصمين في محافظة الأنبار خولوا النجيفي متابعة تنفيذ مطالبهم المعلن عنها سابقا مع رئيس الحكومة نوري المالكي مع مطلب اضافي حول ضرورة رفع الحصار عن المعابر الحدودية في الأنبار .
ومن جانبه، أشار النجيفي إلى ان الأوضاع في العراق وصلت إلى مرحلة خطرة تستوجب من الجميع العمل بجدية، من أجل تهدئتها وعدم جر البلاد إلى الاقتتال الطائفي. وشدد على أن من أهم شروط الحوار والحل هو تقديم قتلة المتظاهرين والمصلين في الفلوجة والحويجة والموصل وديإلى أكانوا من العناصر الأمنية او المدنيين .
واشترط النجيفي للقاء المالكي القبول بمبادرة الشيخ عبد الملك السعدي موضحًا أنها ناضجة ومقبولة من كل العراقيين وعلى الحكومة ان تتعامل معها ايجابياً. وأضاف انه بحث مع اللجان التنسيقية في الانبار الحلول المطروحة السريعة للخروج من الأزمة الحالية القائمة بين المعتصمين والحكومة وطالب بايقاف ملاحقة شيوخ الأنبار وقادة التظاهرات السلمية بحجة أنهم إرهابيون.
وكان المرجع السعدي أطلق في الثاني عشر من أيار (مايو) الماضي مبادرة حسن نوايا للتفاوض والتحاور مع الحكومة، بشأن مطالب المتظاهرين، داعيًا إلى ان يكون مقام الإمامين العسكريين في سامراء مكانًا للتفاوض بين الجانبين. ودعا السعدي محتجي ساحات الاعتصام إلى تشكيل لجنة تتولَّى إجراء المفاوضات مع الحكومة بشأن حقوق المتظاهرين، كما طالب الحكومة بتشكيل quot;لجنةً تحمل معها صلاحيات الاستجابة لحقوق المتظاهرين دون تسويف ولا مماطلةquot;.

جمعة تظاهرات المحتجين تتجنب الهجوم على المالكي
وقد جدد محتجو المحافظات الغربية والشمالية حراكهم الشعبي اليوم الجمعة تحت شعار quot;ألا إن نصر الله قريبquot; وقد احتجوا على استمرار الاعتقالات والتعذيب في السجون لكنهم تجنبوا الهجوم الحاد على شخص رئيس الوزراء نوري المالكي كما اعتادوا على ذلك منذ بدء احتجاجاتهم اواخر العام الماضي.
وفي الرمادي الغربية قال الشيخ محمد الدليمي امام وخطيب جمعة ساحة الاعتصام ان الصبر هو مفتاح لكل فرج ودعا المعتصمين إلى الصبر وتحمل ما تكيد به الحكومة تجاههم. وأضاف ان المعتقلين والمسجونين في سجون وزارتي الداخلية والدفاع يتعرضون إلى التعذيب المبرمج وسوء المعاملة حتى وصل الأمر إلى قتل المعتقل نفسه والتنكيل بجسده. وتساءل قائلا quot;إلى متى سوف يبقى العراق يعيش اسوأ حالات الاضطهاد وانعدام حقوق الانسان فيه؟quot;.
وفي محافظة ديإلى (65 كم شمال شرق بغداد) فقد طالب خطباء الجمعة المواطنين بالوحدة والتآلف والتمسك بمبادئ ووحدة الاسلام. واكدوا خلال الصلاة الموحدة التي اقيمت في سبعة مساجد ان الثبات على الايمان والصدق بالدعوة هو طريق النصر واسترداد الحقوق المسلوبة. وشددوا على ان ابناء محافظة ديإلى بكل مكوناتهم هم صوت واحد ولن يسمحوا للاجندات الخارجية بتمزيق تمسكهم وتعايشهم المشترك.
وفي مدينة سامراء (125 كم شمال غرب بغداد) أشار الشيخ سفيان محمود أمام وخطيب الجمعة ان الاشهر التي مضت على الاعتصامات، تؤشر إلى عدالة المطالب ومشرعيتها كما تؤشر إلى تجاهل الحكومة لها وإصرارا على الظلم والتهميش ورمي التهم الباطلة بحق قيادات الاعتصامات بهدف التشويش على الرأي العام . وحذّر من أن هناك استهدافا مقصودا quot;للرموز الدينية والحط من مكانتها واستهدافا مقصودا من الميليشيات والحكومة لساحات الاعتصام والجوامع والمساجد quot;. وقال quot;اننا مع كل ما تفعله الحكومة من ممارسات ظالمة ، نشعر بأن النصر قريب بأذن اللهquot;.
وخاطب الشيخ محمود الحكومة قائلا quot;ان قوتكم لو علت عنان السماء وقتلكم للأبرياء ، فلا تنسوا ان الله عز وجل اقوى منكم ومن ظلمكم ، فوالله اننا نثق بقدرة الله على الظالم وان النصر قريب بصبرنا على ظلمكم quot; على حد قوله.
اما في مدينة كركوك (225 كم شمال شرق بغداد) فقد قال امام وخطيب الجمعة الشيخ حاتم الزبيدي quot;ان الظلم الذي اصاب المحافظات الست المنتفضة خلال الفترة الماضية جعلها تنتفض وتعبر عن رفضها للظلم quot;مشددا على انها quot; لن تتراجع عن حراكها المبارك حتى تعود الحقوق إلى اهلهاquot; بحسب مانقلت عنه الوكالة الوطنية العراقية. ودعا إلى quot;التكاتف والوحدة حتى تحقيق المطالب المشروعة quot; ..وقال quot; نحن موحدون في مطالبنا وصلواتنا وما زلنا بحراكنا وصلاتنا منذ اكثر من ستىة اشهر رغم ما حل وحصل من اجراءات وظلم ومجازر quot;.
يذكر ان محافظات الأنبار وصلاح الدين وديإلى وكركوك ونينوى ومناطق في بغداد تشهد منذ 25 كانون الأول (ديسمبر) الماضي تظاهرات احتجاج واعتصامات تطالب بإطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين الأبرياء ومقاضاة quot;منتهكي أعراضquot; السجينات فضلاً عن تغيير مسار الحكومة وإلغاء المادة 4 إرهاب وقانون المساءلة والعدالة والمخبر السري واصدار عفو عام وإلغاء الاقصاء والتهميش لمكونات عراقية.