يعاني ثوار سوريا نقصًا كبيرًا في السلاح الفعال، الذي يعينهم على مواجهة آلة النظام السوري العسكرية، مع تردد الغرب في دعمهم عسكريًا، ما دفعهم إلى صنع القنابل والصواريخ يدويًا، مع ما يحمله ذلك من ارتدادات خطيرة تؤدي أحينًا إلى مقتل مستخدمها.


بيروت: في بلدة سراقب السورية، يصل الثوار إلى مبنى مهجور تحت جنح الظلام، حاملين معهم معداتهم اللازمة. وما إن يبدأوا بالعمل حتى يتصاعد شرر لحام المعادن المتطاير، الذي ينتجمعه صنع قذائف هاون يدوية صنعت من بقايا براميل القذائف التي تطلقها دبابات الجيش السوري.

مخلفات النظام

الثوار يستخدمون ما يرسله إليهم الرئيس السوري بشار الأسد من أسلحة تقتلهم، فيجمعون ما تبقى منها لتحويلها إلى أسلحة يدوية، في جزء من شبكة سرية من المصانع البدائية في حرب غير متوازنة عسكريًا.

المنتجات التي يصنعها الثوار تتضمن الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية والصواريخ وقذائف الهاون والقنابل التي تزرع على جوانب الطرقات، وهي تشكل ترسانة بدائية لحرب العصابات التي تعتمدها المجموعات المعارضة المسلحة، التي عانت انتكاسات خطيرة هذا العام في جهودها الرامية إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.

quot;الجميع يعلم أننا لا نملك أسلحة. نحن نحتاج أن ندافع عن أنفسناquot;، قال أبو طراد، قائد كتيبة ثوار في سراقب، لصحيفة نيويورك تايمز، مضيفاً: quot;لدينا الإرادة، لكن مواردنا متواضعة، وليس لدينا السلاح اللازمquot;.

وعلى الرغم من أن هذه الأسلحة لعبت دورًا كبيرًا في معارك الثوار، إلا أنها فقدت نسبة كبيرة من أهميتها في الآونة الأخيرة بعدما فقدت الجماعات المعارضة سيطرتها على الأراضي الشمالية من البلاد التي انتزعتها من القوات الحكومية.

شبكة تصنيع

في الربيع الماضي، كان الأسد يكافح من أجل مواجهة المعارضة المسلحة، التي عمد ثوارها إلى إنشاء شبكة من المراكز لتصنيع الأسلحة يدويًا، مما دفع الجيش السوري قسرًا إلى تغيير تكتيكاته العسكرية. في ذلك الوقت، كانت الطرقات مزروعة بالقنابل المخبأة التي صنعها الثوار، وكان الجيش يضطر إلى عدم التجوال في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، مما أرغمه على الانسحاب إلى مواقع دفاعية.

لكن الحكومة استثمرت عامها بتجديد قواتها، وأرسلت وراء تعزيزات من حزب الله، في الوقت الذي حافظت فيه إيران وروسيا على دعمهما لقوات الأسد وتزويده بالإمدادات. في هذه الأيام، أصبحت القوات الحكومية أقل عرضة للخروج في دوريات تعرّضها لأفخاخ نقاط التفتيش الصغيرة، الأمر الذي حدّ من احتمال إصابتها بالقنابل البدائية الصنع التي يصنعها الثوار.

المشكلة الأخرى تقنية، وليست تكتيكية، فمعظم الأسلحة التي يصنعها الثوار تفتقر إلى الدقة، وعرضة للإصابة بأعطال، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى مقتل أولئك الذين يستخدمونها. حتى الآن، لاتزال مصانع الأسلحة اليدوية سمة بارزة في الخدمات اللوجستية التي تعتمدها المعارضة، وهي الخيار الوحيد المتوافر لهم في ظل فشل الجهات الداعمة بتزويدهم بالسلاح اللازم لمعركتهم.

تكتيك أوروبي

يعتبر العديد من الثوار أن قرار الاتحاد الأوروبي رفع الحظر عن الأسلحة الواردة إلى سوريا مجرد تكتيك ديبلوماسي يهدف إلى الضغط على الحكومة السورية، وليس من المرجح أن تثمر عنه شحنات أسلحة من الحكومات الغربية إلى الثوار.

quot;إنهم يقدمون إلينا الوعود في كل وقتquot;، قال الرائد محمد علي، الذي يقود المقاتلين في كتيبة quot;أحفاد النبيquot; شمال سوريا، مضيفاً أن quot;ثلاث سنوات مرت على المعارك في سوريا لم يحصل خلالها الثوار سوى على وعود لم تنفذquot;.

من جهته، يقول أبو طراد إن الأسلحة اليدوية الصنع ساعدتهم في السابق، لكن نسبة الأخطاء في استخدامها تجعل منها سلاحًا فتاكًا يقتل الثوار بدلًا من الميليشيات التي يقاتلونها. وأضاف: quot;القذائف تحمل العديد من المخاطر، بما في ذلك خطر ارتدادها إلى الوراء، مما يجعلها تنفجر داخل الصمام، بدلًا من أن تنطلق منهم نحو الهدفquot;.

الأسلحة الفعّالة حاجة

هناك خطر آخر يكمن في التناقضات الملازمة لإنتاج السلاح يدويًا، وهي أن تنطلق القذيفة على ارتفاع ومسافة مختلفة عن تلك التي وضعها الثوار، مما يجعل من هذا السلاح خطرًا على الثوار بسبب انطلاقه العشوائي، إلى جانب خطر وقوع القذائف على المدنيين أو إصابة البنية التحتية المدنية.

هذه الأخطار لا تكمن فقط في استخدام هذه الأسلحة، بل في تصنيعها أيضًا، فهناك الكثير من التقارير عن مقتل عشرات من الثوار أثناء تصنيع القنابل اليدوية وسوء استخدام المواد المتفجرة. ويختلف الثوار حول قيمة القذائف المحلية الصنع، فبعضهم يرحّب بها، والآخر يعتبرها غير مجدية، لأنها غالباً ما تفشل أو تنطلق في مسارات غير متوقعة.

على جبهة في الأراضي الزراعية القاحلة في شمال حماه، يشير خالد محمد الدبس، أحد قادة الثوار، إلى كومة من الصواريخ التي حاول مقاتلوه إطلاقها في اليوم السابق وفشلوا، بينما انحرف بعضها الآخر بعيدًا عن المسار المستهدف. وقال الدبس: quot;كل ما نحتاجه هو أسلحة فعّالة. لا شيء سوى الأسلحة الفعّالةquot;.