قطاع غزة الذي يعتبر أكثر بقاع الأرض اكتظاظًا بالسكان، بات يعاني مشكلة التخلص من النفايات الصلبة، إذ يسكن أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني، في بقعة جغرافية لا تزيد مساحتها عن 360 كم.


أصبحت مشكلة النفايات الصلبة وانتشارها بكثرة في بعض الأزقة والشوارع الغزية، تؤرق وتلوث حياة المواطنين، وينظر المختصون البيئيون إلى هذه المشكلة بأنها من أخطر المشكلات بسبب تأثيرها القريب والبعيد على السكان.
فالمتجول في شوارع القطاع يلحظ مكبات هنا وهناك، ولا يكاد يجد شارعاً غزياً يخلو من وجود النفايات على جانبي الطريق، روائحها الكريهة، وأشكالها المختلفة، تدفع المواطنين إلى التذمر المستمر كونها تجلب الحشرات ومعها الأمراض الخطيرة على صحة الإنسان.
مكرهة صحية
المواطنquot;أسعد مقاطquot; الذي يقطن الى جانب مكب للنفايات يشتكي في حديث مع quot;إيلافquot; الحجم الكبير للنفايات التي يمتلئ بها الحي الذي يعيش به. قائلاً: quot;أسكن منذ خمسة عشر عاماً في هذا الحي، ويجاورني مكب صغير للنفايات، طوال هذه الأعوام لم يطرأ أي تغيير، لكن الأمر ازداد سوءاً حينما أحضروا مكباً جديداً للنفايات مما أدى إلى عدم تحملنا للروائح الكريهة جدًا، فأطفالي الصغار أخاف أن يخرجوا إلى خارج البيت بسبب الروائح الكريهة، وكذلك بسبب الحيوانات التي تكون بجانب المكبات والتي تنقل الأمراضquot;.
ويتابع: quot;في الصيف نبدأ مشكلة أخرى، فعدا عن كون النفايات تكون بشكل أكبر فإن هناك مشكلة الحشرات المضرة بالصحة كالبعوض التي تنتشر في مثل هذه الأماكن، والتي تسبب لنا القرصات وللأطفال بعض الأمراض الخطيرةquot;.
quot;ندرك تمامًا أن غزة هي مدينة صغيرة، لكن يجب على المسؤولين وضع كل ما يملكون من طاقات من أجل حل مشكلة النفايات التي أصبحت تؤرقنا في كل مواسم العامquot;، يضيف مقاط.
الأماكن المختصة مفقودة !
ويستشهد بحادثة قريبةquot; قبل شهر من الآن خرج ابني لإلقاء القمامة، وإذا به يقع داخل أحد المكبات ولولا عناية الله لكان فقد حياته، وحينما طالبنا من المسؤولين حل هذه المشكلة قالوا بأنه لا توجد أماكن مختصة لإلقاء النفايات فيهاquot;.
ويختم حديثه quot;ما يجب أن يعرفه الجميع أن قطاع غزة هو اصغر بقعة في العالم،لكنه مأهول جداً بالسكان، وبالتالي النفايات التي يُخرجها المواطن يومياً تعد كثيرة بالمقارنة بالدول الأخرى، وهي لا تجد لها طريقاً سوى المكبات، هناك محطة لإعادة تصنيع النفايات، ولكنها أيضاً قريبة من السكان، وهذا يعطي الأمر مشكلة أخرى يجب التخلص منهاquot;.
شكاوى لا تنتهي للبلديات المحلية
المواطن quot;محمد خيرةquot; الذي يسكن أيضاً بجوار المكب الرئيسي في غزة يعاني من مشاكل كثيرة فهو يعبر عن استيائه من الوضع الراهن الذي وصل به الحي الذي يسكنه من وضع مكب كبير للنفايات بجانبهم.
ويقول لـquot;إيلافquot; بينما كانت تلتف حوله مجموعة من المواطنين: quot;المشكلة الأساسية تكمن في وضع هذا المكب بجانب الحي المأهول بالسكان، فهذا أول خطر حقيقي، ثم هناك خطر آخر، وهو وجود الأطفال الصغار الذين يخرجون عادة للعب في الشارع وقد يتوجهون إلى الساحة التي يوجد فيها المكب وهكذا تنتقل إليهم معظم الأمراض الخطيرةquot;.
ويواصل: quot;قدمنا شكاوى آلاف المرات لرئيس البلدية ووعدنا بأن يحل المشكلة، ومرت سنوات طويلة ثم قدمنا شكوى مرة أخرى، لكن كل مرة يتحجج المسؤولون بقضية عدم وجود أماكن ليقوموا بكب النفايات داخلهاquot;.
ويقول: quot;نعاني في فصل الصيف خصوصاً... فالحشرات لا تنتهي، وهي بأنواع وأشكال مختلفة، وتسبب الأمراض المعوية الكثيرة لأطفالنا الصغار، بالإضافة إلى مشكلة الروائح الكريهة التي لا تنتهي، والتي تزعجنا ليلاً ونهاراً ولا نجد لها أية حلول حقيقيةquot;.
ويُشير: quot;في الصيف تتجدد مشكلة حرق النفايات، وما تخرجه هذه الروائح من غازات تأثيرها على المديين القريب والبعيد أصبح واضحًا لكل المواطنينquot;. ويختم حديثه بمطالبة المنظمات الصحية في العالم بالالتفات لهذه القضية المهمة، وأن لا يغفوا عن مشكلة النفايات، كذلك على المسؤولين وضع خطط إستراتيجية لحل المشكلة في القريب العاجل.
المشكلة تحتاج إلى حلول جذرية
المهندس إياد القطراوي المختص بهندسة البيئة والمسؤول في سلطة البيئة في غزة يقول: quot;مشكلة النفايات هي مشكلة قديمة حديثة، وليست جديدة على شوارع غزة، ولكنها في فصل الصيف تكثر بشكل كبير وتظهر آثارها واضحة من خلال انتشار الروائح السامة والكريهة، ومرافقة الحشرات المؤذية لهاquot;.
ويمضي قائلاً: quot;ما حدث أن العمران في قطاع غزة قد طغى بشكل كبير على المساحات الفارغة في القطاع، مما ضيق علينا وجود أراضٍ فارغة وبعيدة عن السكان لنقوم بحرق أو دفن القمامة والنفايات داخلها، لجأنا إلى مكبات بعيدة نوعاً ما لوضع النفايات، لكن الزحف العمراني أرجعنا إلى نقطة الصفر، وبالتالي أصبحت بعض المكبات مجاورة لبعض الأحياء السكنية، وبعض المكبات الأخرى أصبحت موجودة داخل الأحياء، وهذا سبب رئيسي لشكاوى المواطنين التي كثرت في الآونة الأخيرةquot;.
ويوضح القطراوي أن احد أسباب وجود النفايات بين الأزقة والشوارع الصغيرة هو المواطن الذي لا يقوم بتجميع مثل هذه النفايات والتوجه بها إلى مكانها المختص حتى يقوم العاملون في البلدية برميها أو إتلافها بطريقتهم الخاصة، ويزداد الأمر تعقيداً حين يقوم الأطفال بإلقاء النفايات في الممرات والأزقة، ما يُشعر المواطنين بالاشمئزاز من المكان برمته.
ويشير إلى أن هناك مشكلة أخرى تتمثل بوجود النفايات بشكل كبير على شاطئ بحر غزة، ويرجع السبب إلى عدد المصطافين الهائل، ويضيف: quot;إن حجم النفايات يتسبب في جعل مظهر الشاطئ يبدو غير صالح للاستجمام بالمطلق، وبسبب وجود الروائح الكريهة فإن الأمر الأكيد أن هناك أمراضاً كالنزلات المعوية وغيرها ستنتشر، ولتقليل الأضرار ننصح المواطنين دوماً بأن يقوموا بتجميع النفايات في أكياس مختصة ووضعها في الأماكن التي حددتها البلديةquot;.
حلول جذرية ولكن
وعن الحلول الجذرية، والتي قامت بها سلطة البيئة بحكومة غزة، يتحدث القطراوي: quot;خصصت السلطة مكبات جديدة، وهي بعيدة قليلاً عن السكان لوضع النفايات بها وإتلافها بالطرق المعتاد العمل بها، وهي الحرق أو الطم داخل حفر كبيرة، وبعض النفايات نقوم بفرزها وإعادة تصنيعها، وهو ما أسهم بحل جزء من المشكلة في القطاعquot;.
ويقول المهندس إياد القطراوي المختص بهندسة البيئة والمسؤول في سلطة البيئة في غزة: quot;لكن تواجهنا مشكلة احتراق النفايات، وخروج غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يُعد ساماً ونحاول التخلص منه بعدة طرق عن طريق زراعة الأشجار بكثرة حتى تأخذ ثاني أكسيد الكربون وتخرج الأوكسجين المفيد للمواطنينquot;.
ويتابع: quot;أما الحلول التي نسميها حقيقية وجذرية فهي غير متوفرة حالياً، ومرهونة بتوفر مساحات كبيرة جدًا، وفارغة وبعيدة عن السكان لوضع النفايات بها. وتنقصنا الخبرة والأيدي العاملة، وكذلك الآلات المختصة والجديدة حتى نتصرف بهذه المشكلة والتي نأمل أن تكون لها حلول مستقبليةquot;.