تقوم الأحياء العشوائية على خاصرة المدن العراقية، بسبب غياب التخطيط الحضري لهذه المدن أولًا، وبسبب استمرار النزوح من الأرياف إلى المدن ثانيًا، ما يؤسّس لمشكلة اجتماعية وعمرانية غير قابلة للحل.
وسيم باسم من بغداد: تهدّد أعمال البناء غير الرسمية واتساع نطاق الأحياء العشوائية مدن العراق بلا استثناء، وفي مقدمتها العاصمة بغداد، التي تشهد تدفقًا غير مسبوق من مواطني المحافظات، لا سيما الوسطى والجنوبية، ما ساهم في بروز التجمعات الهامشية في أطراف بغداد من الجهات كافة.
تبرز المشكلة بشكل جليّ، كما يقول المهندس المعماري عامر عبد في بلدية بابل، حين ينهار التخطيط الحضري للمدينة العراقية. وبحسب عبد، فالمدينة العراقية كانت أكثر تطورًا من ناحية التخطيط العمراني في ستينيات القرن الماضي قياسًا إلى الوقت الحاضر، لأن التجاوزات كانت قليلة جدًا أو معدومة. ويُرجِع عبد الظاهرة هذه إلى عدد السكان القليل في ذلك الوقت، مقرونًا بقوة القانون. ولأن مدن العراق محاطة بالمزارع والبساتين، فإن عبد يشير إلى أن المتضرر الأكبر من العشوائيات هي الزراعة.
بيوت الصفيح
أعلنت وزارة التخطيط العراقية هذا العام أن عدد سكان العراق التقريبي بلغ 33 مليون نسمة، وفق آخر الاحصائيات، بمعدل نمو سكاني 2.8 في المئة سنويًا. وشيّد مواطنون أكثر من عشرين من بيوت الصفيح والطابوق الطيني في منطقة زراعية جنوب مدينة الحلة وسط أشجار النخيل، التي قطّعت ورُميت جذوعها لتستخدم سقوفًا وأسيجة في الوقت المناسب.
أحمد سالم بنى له سكنًا بسيطًا في المنطقة، على مساحة تتجاوز العشرين كيلومترًا مربعًا، كلها عبارة عن منشآت سكن غير مرخصة. يقول: quot;كلما ازداد العدد زال الخوف من أنفسنا من أن تجبرنا الجهات الرسمية على الترحيل، لأنه سيكون قد فات الأوان وستضطر الدولة إلى إدخال المنطقة ضمن التخطيط البلديquot;.
وعلى الرغم من قلة الخدمات، بدا سالم مرتاحًا، لأن دخله محدود، ولا يستطيع دفع الإيجار. وليست الكهرباء مشكلة بالنسبة إلى الكثيرين، إذ يمكن تأمينها عبر المولدات الأهلية أو عبر سرقتها من خطوط الإمداد الرسمية.
لا ضوابط
لا يقتصر الأمر على هوامش المدن، إذ يمكن أن تجد السكن العشوائي في قلبها أيضًا. ففي الديوانية، شيّد أبو جاسم (راعي أغنام) بيتًا من الصفيح وسط متنزه، حيث ترعى قطعان الأغنام بالقرب منه. وأُبلِغ أبو علي من قبل البلدية بترك المكان، لكنه رفض ذلك، واشترط على البلدية مساعدته على توفير سكن ملائم له.
ويقول المسّاح صادق الموسوي إن البناء داخل المدينة العراقية لا يخضع للضوابط والشروط المعتمدة، فبالإمكان بناء بيت وفق ما تتمناه من دون أخذ الموافقات بحجم وشكل البناء.
أضاف: quot;أصبحت رخص البناء عملية روتينية، لا يهتم لها المواطن، بل إن الكثير من المواطنين يبنون من دون حيازتهم إجازة بناءquot;. ويبرّر رجل محدود الدخل، مثل أبو حيدر، لجوءَه إلى السكن العشوائي بارتفاع أسعار الأراضي في الديوانية.
مخاطر على البيئة
يتحدث المهندس علي غالب، عضو اتحاد المقاولين، عن هجمة شرسة تتعرّض لها بيئة العراق، لاسيما المساحات الخضراء، بسبب التجاوز عليها من قبل العشوائيات. يقول أبو حسن، الذي يسكن حي الغدير في مدينة كربلاء: quot;إذا اضطرت الدولة إلى إزالة هذه الأحياء فسأقاوم ذلك، فعليها قبل كل شيء توفير المساكن لنا قبل الشروع في هذه الخطوةquot;.
وكانت الدولة العراقية شيّدت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مشاريع سكنية بمساعدة شركات عالمية متخصصة، مثل مجمع الصالحية والسيدية وزيونة وشارع حيفا، لكن دخول العراق في حروب متتابعة أعاق الاستمرار في المشاريع. وتكفل المادة 30 من الدستور العراقي حق السكن للمواطن: quot;تكفل الدولة للفرد وللأسرة المقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمّن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائمquot;.
مرتع الجريمة
يترتب على الأحياء العشوائية، بحسب الباحثة الاجتماعية لمياء خالد، توفير الخدمات وزيادة أعداد المدارس، واستيعاب الزيادة السكانية. كما تشكل هذه الأماكن في الغالب مرتعًا للجريمة بسبب الفقر وانزوائها عن المجتمع.
يقول الموظف العقاري عقيل الجبوري إن ما يشجّع على البناء العشوائي هو استسهال الزراعة في البساتين، مع تفضيل أصحابها بيعها بغية الحصول على عوائد مالية. يضيف: quot;لم يمنع القانون الذي لا يجيز تحويل الأراضي المصنفة زراعية إلى سكنية من الاستمرار في البناء على الأراضي الزراعيةquot;.
ومن ضمن الحلول، التي تسعى إليها الجهات المسؤولة للقضاء على ظاهرة السكن العشوائي، ما كشف عنه النائب عن دولة القانون صالح الحسناوي خلال الأسبوع الماضي، أي تقديم مقترح إلى مجلس الوزراء لحل مشكلة الأحياء العشوائية، يتضمن توزيع قطع أراضٍ وقروض عقارية. ويتطلع كثيرون اليوم إلى تنفيذ مشاريع سكنية كبيرة، مثل مشروع بسماية السكني جنوب بغداد، لتخفيف أزمة السكن في العراق.
التعليقات