دعا خطباء جمعة سنة عراقيون اليوم إلى تشكيل قوات من هذا المكوّن لحماية أبنائه مما قالوا إنها جرائم قتل وتهجير ترتكبها ميليشيات شيعية، وشددوا على ضرورة توسيع الحراك الشعبي في المحافظات المحتجة، من خلال تشكيل جبهة موحدة تمثلهم.. فيما أكد رئيس التحالف الشيعي الحاكم إبراهيم الجعفري خلال مباحثات مع نجاد الإصرار على علاقات استراتيجية مع إيران.


أسامة مهدي: شهدت ست محافظات عراقية شمالية وغربية، هي الأنبار وديالى ونينوى وكركوك وبغداد وصلاح الدين، صلوات جمعة، تحت شعار quot;طفح الكيل.. كفّوا ميليشياتكمquot;، حيث هاجم خطباء الجمعة الحكومة، واتهموها بالتفرقة بين المكونات العراقية، ودعمها لميليشيات شيعية مسلحة، تستهدف السنة بالقتل والتهجير.

ودعا خطيب جمعة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار (110 كم غرب بغداد)، الشيخ أحمد سعيد في خطبته المصلين في ساحة الاعتصام إلى تشكيل قوات من أبناء السنة، لحماية أنفسهم مما قال إنها جرائم قتل وتهجيروتطهير طائفي، ترتكبها ميليشيات شيعية مدعومة من الحكومة.

مستمرون... حتى النصر
وأكد عدم إنهاء الاحتجاجات المستمرة منذ سبعة أشهر إلا بالنصر وتحقيق المطالب. وأضاف إن هذا الحراك الشعبي يمثل أهل السنة وحدهم، لأنهم من يتعرّضون للجرائم وللظلم، ودعا الحكومة إلى منع ميليشياتها من الاستمرار في ارتكاب الجرائم ضد أهل السنة، وخاصة في محافظتي بغداد العاصمة وديالى (65 كم شمال شرق بغداد).

وشدد على أن أهل السنة في المحافظتين ليسوا عاجزين عن مواجهة هذه الميليشيات بمثل ممارساتها، لكنهم أصحاب حكمة، ولا يريدون أن يعيدوا البلاد إلى الاقتتال الطائفي الذي شهدته عام 2005.

وأشار إلى أن الحكومة تتذرع بدعم الميليشيات في مواجهة الإرهاب. وتساءل قائلًا: هل هذه حجة لإطلاق يد الميليشيات لارتكاب جرائم القتل والتهجير والاغتصاب؟. لافتًا إلى أن الانتفاضة الحالية هي للسنة وحدهم، لأن أبناء الجنوب لا يريدون إسقاط الحكومة لأنها شيعية، وأبناء الشمال ينعمون بالاستقرار في إقليم كردستان.

وقال إن الظلم واقع على السنة وحدهم، وشدد بالقول: quot;لسنا طائفيين، ولكننا انتفضنا ضد الظلم ولإقامة العدل.. ولذلك نحن خارجون إلى النصر أو الشهادة، وثابتون حتى ترضخ الحكومة، وتعمل على إيقاف جرائم الميليشياتquot;. وأكد أن هذه الميليشيات، وبسبب إطلاق الحكومة ليدها، قد أصبحت أقوى من الحكومة والجيش والشرطة.

وشدد على القول إن العراق تحكمه الآن الميليشيات الطائفية المسلحة، ولذلك لا بد من تشكيل قوات حماية من أهل السنة لحماية أنفسهم من جرائم الميليشيات وتوسيع الحراك الشعبي وتعضيده، من خلال تشكيل جبهة موحدة تمثل معتصمي المحافظات الست المحتجة.

دعوة للأحزاب: ابتعدوا عن التحريض
من جهته، دعا خطيب جمعة بعقوبة عاصمة محافظة ديالى الأحزاب السياسية إلى الابتعاد عن اللعب على الوتر الطائفي، مؤكدًا أن ديالى للجميع، وليست لفئة معيّنة. وقال إن المعتصمين في بعض المحافظات هم أصحاب حق ودعاة سلام، وخرجوا بسبب ما لحق بهم من ظلم وتهميش وسلب الحقوق، وعلى الحكومة المركزية أن تتعامل بعدالة مع الجميع. وطالب الحكومة والأجهزة الأمنية بتوفير الأمن وحماية الأسر النازحة، والتي عادت إلى منازلها.

وفي مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار، فقد أكد إمام وخطيب الجمعة الشيخ عبد الحميد جدوع أن أهل السنة والجماعة في العراق ليسوا رمقًا سهلًا.. ودعا المتظاهرين إلى الاستمرار في مطالبة الحقوق والمطالب التي خرجوا من أجلها. وقال جدوع في خطبته التي أقيمت على الطريق الدولي السريع، quot;أما آن لهذه الميليشيات الفاسدة أن تصوم عن القتل والتهجير والتدمير في شهر رمضان المباركquot;.

وطالب المتظاهرين والمعتصمين بالاستمرار في المطالبة بالحقوق التي خرجوا من أجلها، وأن لا ينسوا الدماء التي أسيلت في الفلوجة والحويجة وديالي وغيرها من باقي ساحات الاعتصام، quot;لأن المطالب التي تسقط وراءها دماء نرد عليها ولا نلغيهاquot;، بحسب قوله.

صلاة موحدة شيعية سنية
وفي كلمة قبيل خطبة الجمعة في الصلاة الشيعية السنية الموحدة، التي أقيمت في جامع الخلاني الشيعي في وسط بغداد، دعا خطيب الجمعة السيد محمد الحيدري الشيعة والسنة إلى التمسك بحبل الإسلام ونبذ الفرقة والطائفية. وأشار إلى أن الفرقة هي بين الحكام، وليس بين المواطنين. وقال إن ظهور مجموعات مسلحة أخيرًا تقتل على الهوية جاء بعد انطلاق الفكر التكفيري، الذي يدين المذاهب، ويجيز قتل الناس، وهو فكر طارئ على الإسلام.

وأضاف إن ما يحدث في محافظة ديالى هو وقوع تفجيرات ضد المساجد الشيعية والسنية، وحين أرادت السلطات اعتقال الفاعلين قام البعض بحمايتهم.

وشدد على ضرورة العمل على منع تفجر اقتتال طائفي أو عرقي من جديد في العراق. وأضاف: quot;لقد سعى أعداء الإسلام إلى إيجاد صراع بين السنة والشيعة أو خلق صراع قومي في العراق، فالمساجد الشيعية والسنية تعرّضت للتفجير، والشخصيات وعلماء الدين من السنة والشيعة تعرّضوا للقتل، كما تعرّضت مناطق التركمان للتفجير، فالمهم بالنسبة إلى أعدائنا هو إثارة الصراع الداخلي والفتنة الطائفيةquot;.

وأشار الحيدري إلى أن الصلاة الموحدة التي تجمع بين السنة والشيعة هي شوكة في عيون الأعداء، والذين يريدون إثارة الفتنة الطائفية في العراق، فالعراقيون يرفضون أية صراعات طائفية. وقال إن شعب العراق يرفض بقوة أن ينجرّ إلى الصراع الطائفي، quot;وعلينا جميعًا أن نضغط على السياسيين، الذين يحاولون لمصالح حزبية أو فئوية إثارة النعرات الطائفية والقومية، كما نشاهد في بعض الفضائيات التي تمارس التحريض على العنف، كما ينبغي على الشعب العراقي أن يضغط على هؤلاء لكي يتوقفوا عن النفس الطائفي، الذي غالبًا ما تكون نتيجته القتل والدمار والتخريب، وهذا هو هدف أعداء العراق، فاستهداف العراق يهدف إلى تفكيك أواصر الوحدة والتعاون بين السنة والشيعة، ومن هنا علينا أن نتحلى بالوعي، ونستفيد من هذا الشهر المبارك في توحيد الصفوف وأن نضغط على السياسيين ليستنكروا هذه الممارسات الطائفيةquot;.

تجمع عراقي شامل
يذكر أن جامع الخلاني تعرّض في حزيران (يونيو) عام 2007 لتفجير ضخم بشاحنة مفخخة، مما أدى إلى مصرع 87 شخصاً وإصابة 242 آخرين بجروح، وهدم أحد جدران المسجد وقاعة الصلاة. وجاء التفجير في اليوم الثاني لرفع حظر التجوال في بغداد، الذي كان قد فرض عقب تفجير منارتي مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، الأمر الذي أدى إلى اقتتال طائفي في العراق راح ضحيته الآلاف من المواطنين.

وكان المالكي دعا إلى هذه الصلاة في بيان في التاسع عشر من أيار (مايو) الماضي، قال فيه quot;إن الصلاة الموحدة يفهم منها أنها تجمع العراقيين من السنة والشيعة، وهذا ما نتمناه، فالصلاة الموحدة الحقيقية يجب أن تجمع المسلمين بكل طوائفهم في مسجد واحد، وأنا أدعو إلى إقامة صلاة موحدة بهذا الشكل في أحد مساجد بغداد الكبيرة، وتستمر بصورة دائمة كل يوم جمعةquot;.

يذكر أن محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك ونينوى ومناطق في بغداد تشهد منذ 23 كانون الأول (ديسمبر) الماضي تظاهرات احتجاج واعتصامات تطالب بإطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين الأبرياء ومقاضاة quot;منتهكي أعراضquot; السجينات، فضلًا عن تغيير مسار الحكومة وإلغاء المادة 4 إرهاب وقانون المساءلة والعدالة والمخبر السري وإصدارعفو عام وإلغاء الإقصاء والتهميش لمكونات عراقية.

رئيس التحالف العراقي: مصرّون على علاقات استراتيجية مع إيران
قال رئيس التحالف الشيعي إبراهيم الجعفري في تصريحات للصحافيين عقب اجتماعه مع الرئيس الإيراني المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد في بغداد قبيل وصوله إلى النجف اليوم، حيث أدى مراسم الزيارة لمرقد الإمام علي، إنهما بحثا تطوير العلاقات بين البلدين الجارين وتعزيز النشاطات الاقتصادية والتجارية بما يخدم مصلحتهما.

وأضاف quot;الأخ أحمدي نجاد أتمَّ الدورة الثانية في رئاسة الجمهورية، ويمثل دولة جارة لصيقة بالعراق، فاستقباله تعبير عن العلاقات العراقية - الإيرانية، وفي الوقت نفسه تميَّز نجاد كرئيس بأنه صاحب مُنجَزات، وصاحب مشاريع، وكان رجلًا مُتواضِعًا يعيش في أوساط الطبقة الفقيرة، وعمل من أجلها فقد اهتمَّ بالريف، وانطلق، ولم يختنق بالعاصمة طهران، فكان يناوب في اجتماعاته بين طهران والمناطق الأخرى، واعتمد الجرأة في الإقدام على مشاريع اقتصادية مُمتازة، ولم يتردّد في الإعمار والبناء؛ فشقَّ الطُرُق والجسورquot;.

وأكد على ضرورة بقاء العلاقات العراقية - الإيرانية ضمن السياقات الاستراتيجية، وليست تكتيكية آنية مرهونة بدورة رئيس الجمهورية، بدليل أنَّ الرجل يُوشك أن يغادر موقع الرئاسة، لكنه يُؤكِّد على ضرورة استمرار العلاقات بين العراق وإيران كدولتين وكشعبين لا حكومتين فقط. وقال :quot;لدينا عقد دائم مع الدولة الإيرانية، ومَن يُمثّلها، سواء كان الأخ أحمدي نجاد أو مَن يأتي في المُستقبَل، لأنَّ العلاقات الاستراتيجية تفرض وجودها، والحكومات تحمل مثل هذه الرسالة، وتُجسِّدها.

وعن رؤيته لعلاقات البلدين في عهد الرئيس المنتخب حسن روحاني، أشار الجعفري إلى أن quot;اختيار رئيس الجمهورية شأن داخلي، غير أنه ينعكس بكل تأكيد بشكل إيجابيّ علينا، فكلّما يأتي رئيس يُقدِّم هامش مرونة، ويستطيع أن يُعمِّق العلاقات، وتبادُل المصالح المُشترَكة، وحفظها بيننا وبين إيران سيجعل الفرصة مُتاحة لأن نتعامل أكثر مع إيران، لكننا لا نتدخّل في شأن الشعوب الداخليّ، إلا أننا نستثمر أيَّ رئيس يُعبِّر بتعبير دقيق عن استراتيجية إيران والقاعدة الجماهيرية، ويُجيد التعامل مع العراق، وسنُبادِله الثقة، ونعمل على تحقيق المَصالِح المُشترَكة، وتعزيز الأواصر بيننا وبين إيرانquot;.

وعن الأوضاع المضطربة في المنطقة، شدد الجعفري على أن الشعوب هي التي ستنتصر، وأنَّ كلَّ حالة استثنائية تمرّ بالمنطقة مصيرها سيكون إلى الزوال.

زيارة مهمة
من جهته، أكد رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي خلال مباحثاته مع نجاد على عمق العلاقات الأخوية والتاريخية بين البلدين، وقال إن الزيارة مهمّة جدًا للدولتين لما تملكان من الإرث الحضاري والروابط التاريخية الأصيلة. وأضاف النجيفي أن العلاقات العراقية الإيرانية على أحسن ما يكون، وهي علاقات مميزة في الجانب الأمني والاقتصادي والزيارات الدينية إلى الأماكن المقدسة التي تهوي إليها قلوب الأشقاء من الجانب الإيراني.

وأكد نجاد على عمق وقوة العلاقات الأخوية بين الدولتين الجارتين وأهمية تطويرها وتعزيزها على جميع الأصعدة والمشتركات الكبيرة بين الدولتين. وشدد على أهمية التضامن والتعاون بين العراق وإيران والدول الإسلامية، وخاصة مصر وتركيا ودول المنطقة من أجل التغلب على التحديات التي تواجهها المنطقة.

وكانت قوى عراقية عبّرت أمس عن رفضها لزيارة نجاد العراق، وشددت على أنها غير مرحّب بها، محمّلة إيران مسؤولية المشاركة في استباحة الدم العراقي. وجاءت زيارة نجاد لبغداد في وقت مازالت المشاكل المتوارثة من حرب السنوات الثماني بين البلدين، التي دارت رحاها بين عامي 1980 و1988، وراح ضحيتها مليون شخص من الطرفين، عالقة خصوصًا قضايا الحدود والممرات المائية، على الرغم من تحسنها في المجالات السياسية والاقتصادية، عقب سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين في عام 2003.

وخلال التسعينيات استمر العداء بين البلدين، في ظل احتضان إيران لبعض قوة المعارضة العراقية، وأهمها منظمة بدر، التي كانت تمثل الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، فيما كان النظام العراقي السابق يقدم الدعم والتسهيلات إلى منظمة مجاهدي خلق المعارضة للنظام الإيراني المتواجدة في العراق.

ويتهم سياسيون عراقيون إيران بالوقوف وراء العديد من أعمال العنف، التي تنفذ داخل العراق، من خلال دعمها لبعض الجماعات المسلحة وتجهيزها بالأسلحة والمتفجرات.