منذ أن أعلن رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي في أغسطس عام 2009 بعد سلسلة التفجيرات الإرهابية التي هزت بغداد وأوقعت خسائر بشرية ومادية رهيبة عن إتهاماته العلنية لمخابرات نظام دمشق بالوقوف خلف ماجرى كان واضحا بأن تلك الحملة التي إتسمت بالشراسة كانت مؤقتة ولن يطول مداها أو تتشعب أهدافها أو أن يتم اللجوء صوب خيارات رد إنتقامية معروفة عربيا وهو خيار دعم المعارضة السورية والتي هي في النهاية في مجملها معارضة سلمية لا تجنح للإرهاب أو تدعو له.

لقد لوح نوري المالكي أيضا وقتها بورقة التدويل الأممية عبر الشكوى للأمم المتحدة وهي عملية لم تنجح أو تحقق أغراضها المطلوبةلعدم إنسجام بقية الأطراف في الإئتلاف الوطني مع تلك الطروحات خصوصا و أن حزب الدعوة نفسه من المحسوبين تاريخيا على الولاء و التخادم للنظام السوري، فالعلاقات التخادمية و الخاصة جدا بين الدعوة وشركاه و بين مخابرات نظام دمشق ذات صبعة خاصة و شبيهة في العلاقة الحيوية و المصيرية بين الجنين و أمه، فالسنوات الطويلة لحزب الدعوة و بقية الربع في دمشق طيلة عقدي الثمانينيات و التسعينيات و الشطر الأول من الألفية الثالثة قد رسمت عقيدة الولاء التام لأهل نظام دمشق التي تمتلك أجهزة مخابراته معلومات مفصلة ودقيقة لو نشرت لغيرت الكثير من المعطيات و لأطاحت وقائعها برؤوس عديدة!

و لكن أهل النظام السوري يعلمون جيدا بان رجالها في بغداد يقدمون المطلوب و إن بعض الحركات الإستفزازية من هذا الطرف أو ذاك لن تنهي أبدا حبال الوصل المنسوجة بمهارة إستخبارية منقطعة النظير، لقد كان واضحا منذ البداية بأن حملة المالكي التشهيرية ضد النظام السوري سيكون مصيرها الفشل الحتمي و التلاشي و سيظطر المالكي للعودة لطرق أبواب دمشق وطلب العفو و المغفرة! و سيقدم على تقديم التعويضات بصمت و أهمها موضوع الصفقات المالية و المشاريع الخاصة التي لرجال النظام السوري حصة الأسد في ملفاتها و منهم رجل الأعمال و إبنة خالة النظام السيد رامي مخلوف الذي قاد فيلق الإتصالات السرية و الخاصة التي مهدت لزيارة المالكي الإعتذارية الضمنية لدمشق، لقد غير نوري المالكي في زيارته (لحارة الضبع) كل الشعارات و المطالبات التي طرحها في العام الماضي و تجاهل تماما حكاية الدماء التي أريقت في شوارع بغداد مجانا و التي قيل أن البعثيين العراقيين المقيمين في دمشق يقفون خلفها ؟ فإن كان الإتهام صحيحا فإن في زيارة المالكي الإعتذارية خيانة لدماء العراقيين و البسطاء و المحرومين؟ و إن كان الإتهام مغلوطا فإن كذب حكومة المالكي لا يجعله يستحق ترؤس دورة رئاسية جديدة!! بل أن محاكمة المقصرين هو أمر واجب التنفيذ إن كانت هنالك ثمة عدالة أو نوع من الديمقراطية التي بها يتبجحون ؟ الحقائق لم تعرف أبدا وطبعا لن تعرف؟ و الحكومة العراقية تعتمد على توالي المصائب وعلى ضعف الذاكرة وعلى نهم السياسيين المتخاذلين للسلطة و الشفط و اللهط، لقد قدم نوري المالكي تنازلات مهينة للنظام السوري و منها صفقات مالية خيالية تجعله لا يختلف أبدا عن أسلوب نظام صدام حسين في الرشوة القومية و شراء الذمم من أجل المصالح الآنية! فما الذي تغير إذن ؟...

النظام السوري بدوره يلعب لعبته الأمنية و السياسية و المصلحية في العراق بهدوء ستراتيجي واضح المعالم بعيدا عن الإنفعال و بما يدلل على إحترافيته في إدارة ملف الصراع، فالبعثيون العراقيون في الشام مازالوا يحظون برعاية أمنية وسياسية بعد أن تهاوت بالكامل مطالبات نوري المالكي بتسليمهم، وقد قلناها سابقا بأن النظام السوري لن يسلم أبدا البعثيين المقيمين على أرضه مهما حصل لأنهم يعلمون بأن الحكومة العراقية ليست هي الحكومة التركية مثلا ؟ وأت قادة حزب الدعوة وشركاه يظلون من وجهة النظر السورية غير الرسمية مجرد وكلاء سابقين للمخابرات السورية!! وعلاقة التبعية لم تتغير أبدا رغم تغير المعطيات!!

وجماعة الرفيق الهارب والمطلوب أمريكيا محمد يونس الأحمد لهم وجودهم الفاعل في الشام كما أن لمنافسيهم وخصومهم من جماعة عزة الدوري لهم وجودهم أيضا في الحلقات الرئاسية العليا في الشام!، فالسوريون يلعبون اللعبة بمهارة ووفق تشابكات إستخبارية ضليعة يستطيعون من خلالها إركاع الكثيرين في بغداد الذين تظل إتهاماتهم الخطيرة لنظام دمشق و التي تراجعوا عنها بإذلال كبير مصدر قوة للنظام السوري الذي يمتلك سيف الملفات الإستخبارية الخاصة الذي لو لوح به علنا لأطيح برؤوس و اية رؤوس!

لقد ركض نوري المالكي نحو الرفاق في ( حارة الضبع ) وهو يتأمل بهدنة يستطيع معها إلتقاط إنفاسه و أثبت في ملف إدارة الصراع مع النظام السوري بأن بيته أوهى من بيت العنكبوت!! و بان النظام السوري الذي إحتضنه ورعاه وقدم له جواز السفر السوري أيام المعارضة يظل هو الأقوى في إدارة أدوات الصراع!! وهي إنتكاسة حقيقية للمالكي وحزبه و إئتلافه، و سيظل سياسيو العراق يتلاعبون بدماءالعراقيين و ستظل عملية البيع و الشراء للمصالح الوطنية هب الرباط الجامع بين البعث البائد و الدعوة السائر في طريق الإضمحلال.. فلا خير في قيادات لا تحترم أقوالها و تعهداتها!!.. و قد أثبت القبضايات و ( الزكرتية ) في حارة الضبع من أن أوراق اللعبة لم تزل بأيديهم..!.. لقد سقط المشروع الطائفي المريض في العراق بسقوط قياداته التعبانة..!

حارة الضبع هو اسم الحارة الدمشقية في مسلسل quot;باب الحارةquot; الرمضاني.

[email protected]