الحلقة الاولى

الحلقة الثانية

علامات الرماد
ذكرنا سابقا، بان الكثير ممن أوصوا بإحراق أجسادهم، يعزون السبب، البيئة، والمحافظة عليها، ولا يوجد مبرر لوجود الجسد تحت الأرض بعدما غادرتها الروح الى السماء،لكن هناك طقوس ما بعد الاحتراق، وهذا تقرره العائلة، وهي مصير الرماد، الرماد لا يسلم الى العائلة إلا بعد مرور 30 يوما على الاحتراق، وهذا هو شرط قانوني، حتى تأخذ العائلة وقتها من التفكير بمصير رماد فقيدهم، وأيضا بالاتفاق مع المحرقة، هناك مصائر مختلفة للرماد، وهي:
1-نثره في البحر من الأعلى بواسطة طائرة مروحية مخصصة لرش المبيدات الزراعية، وهذه تكون رغبة الفقيد.
2-يوضع داخل إناء urn وهو مخصص لحفظ الرماد، ويكون هذا أيضا وفق رغبة الفقيد بالاتفاق مع عائلته، ويكون مكان الإناء داخل غرفة الضيوف، او داخل غرفة نومه، لكن في اغلب الأحيان يوضع في غرفة الضيوف، دلالة هذه العملية، بقاء الفقيد داخل البيت، وسط عائلته، البقاء وسطهم رغم ان الموت فرقهم، لهذا لجا الى هذا الاختيار، حبا بعائلته.(انظر الصورة رقم9)

الصورة رقم:9
3-ينثر الرماد داخل إحدى الغابات التي تتواجد فيها المحرقة،وهذه العملية تخضع لسببين:
-اذ كانت رغبة الفقيد لهذه النهاية، دلالتها بان يتحول جسده إلى سماد يخدم الأرض والزراعة، بدلا من ان يتفسخ جسده ويؤثر تأثيرا سلبيا على البيئة، و يكون وليمة للحشرات.
-هو رغبة العائلة بعدم الاحتفاظ بالرماد، وإنهم يعطون موافقتهم لإدارة المحرقة بالتصرف به.(الصورة رقم:10)

الصورة رقم:10
4-المرحلة الرابعة، لها رمزيتها العالية، وأيضا عبر طريقة مغايرة، الرمزية تكمن في طلب العائلة باستخدام جزأ من الرماد وصنع منه إكسسوارات، تلبس كخاتم، او تعلق حول الرقبة كقلادة، والخاتم له طريقة واحدة، من خلال حفرة صغيرة يوضع الرماد بداخله، وتغلق بعدها،أما القلائد فتكون متنوعة، تكون على شكل صليب ويوضع بداخله الرماد، او رمز القلب،..الخ، ومن ثم يحمله الشخص معه، وهذا ما تعمله المحرقة، بعد جلب الإكسسوارات التي تضم الرماد،(انظر الصورة رقم:11)


الصورة رقم:11


علامات الإكسسوارات

دلالة لها مرجعية دينية بالدرجة الأولى، هي الارتباط الكاثوليكي، والذي هو ارتباط ابدي، حتى بعد الموت،اذ لا يحق للزوجة بالزواج مرة أخرى، لهذا تحمل المرأة رماد زوجها حول رقبتها او بإصبعها، وأيضا وفاء لذلك الارتباط.
لكن هذا التفسير الديني ليس مأخوذا به بشكل كبير، ولا يمكن ان نعممه على الشعب الهولندي برمته، ولا على أصحاب الطائفة الكاثوليكية، وتبقى القضية شخصية، لان اغلب الأجيال الجديدة وهنا نعني أجيال منتصف القرن الماضي، أجيال لادينية، لا تؤمن بالدين والمعتقدات، لكنهم يسعون لحمل الرماد وفاء لتلك العلاقة والحياة المشتركة.
وأخيرا نقول، عملية قراءة العلامة داخل الثقافات التي نعيش فيها، تملك سحرا خاصا، كونها تمثل مشروع سيمائي مهم وجديد؛ لأن البحث في ثقافة العلامة الاجتماعية مازال ارضا بكرا، لم ينل حظه من البحث والتقصي، ونتمنى ان تكون هناك دراسات تتناول العلامات الاجتماعية لثقافات أخرى، ولعل القادم من الزمن يحمل لنا قاموسا للعلامات الاجتماعية.


[email protected]
مسرحي عراقي مقيم بهولندا