الكتاب: الأكراد في حقبة الخلافة العباسية في القرنين 10 -11م.
تأليف: د. أرشاك بولاديان.
ترجمة: د. ألكسندر كشيشيان.
الناشر: الدار الوطنية الجديدة، دمشق، طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 220 صفحة.

لعب المكون القومي والإثني في التاريخ الإسلامي عاملاً إيجابياً في بناء حضارة إنسانية منفتحة على جميع مكوناتها، في وقت تحول فيه العامل الإثني والقومي إلى عامل إضعاف وتشظي للمجتمعات العربية المثخنة بأزماتها البنيوية.
يحاول هذا الكتاب تقديم دراسة تاريخية عن الأكراد في القرنين 10 ndash; 11 الميلادي وبيان الأساسيات التاريخية للأحداث والأحوال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. تضم مراحل الدراسة أكثر من مئة عام، بدءاً من النصف الأول للقرن العاشر ونهاية القرن الحادي عشر، أي حقبة هيمنة السلاجقة الكبار، وتتطابق تماماً مع تقسيمات تاريخ بلدان وشعوب الشرقيين الأدنى والأوسط.
ويعد الكتاب دراسة استشراقية نوعية لدراسة تاريخ الأكراد في حقبة الخلافة العباسية. وغالبية المصادر في هذا الشأن تخص الأحداث العسكرية والسياسية التي انعكست في المصادر التاريخية والجغرافية وغيرها.
يعتبر المؤلف أن تاريخ الأكراد تاريخ متمم لتاريخ البلدان والشعوب الخاضعة للخلافة العباسية. وأن هذه الحقبة هي من أكثر مراحل تاريخ الأكراد تشويقاً، فقد اشتهرت بالأحداث العسكرية والسياسية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية العميقة. وتتميز هذه الفترة بمحاولة القبائل الكردية التوحد النسبي للمرة الأولى بعد اعتناق الإسلام جماعياً بقيادة الإقطاعيين والأشراف، وظهور عائلات حكام كردية مستقلة وشبه مستقلة على مسرح التاريخ. ونظراً لكونها أشكالاً إقطاعية نتيجة لبعض الأحوال العسكرية والسياسية، فقد انحلت تدريجياً.
وقد تحولت الشريحة الكردية العليا التي كانت تملك تطلعات طموحة لتوسيع نفوذها في مختلف مناطق الخلافة لخدمة الإسلام، وبذلك لم تساهم في إحداث تبدلات في حياة بني قومها فحسب، بل حثت على استيعابهم فيما يسمى بمجالات الحياة العربية - الإسلامية الاجتماعية - السياسية الثقافية.
ويؤكد المؤلف أن نشاط القبائل الكردية القوي وغير المسبوق بين القرنين 10 - 11م كان مرتبطاً بالأزمة العسكرية والاقتصادية العميقة في منطقتي الشرقين الأدنى والأوسط التي شرع البلاط العباسي يغرق فيها بدءاً من أواسط القرن التاسع الميلادي. فقد أدت الحركات الشعبية الكبيرة، التي ظهرت في هذه الفترة في مختلف مقاطعات الخلافة، وتطلعات الحكام المحليين الانفصاليين، والتشظي الكبير للمجتمع نتيجة ذلك، إلى تزعزع مواقع الإمبراطورية العربية بدءاً من منتصف القرن التاسع الميلادي، ونجحت الشعوب الخاضعة في تحقيق نجاحات ملموسة في كفاحها المناهض للعباسيين تحت راية العنصر الشيعي على وجه الخصوص.
وبعد احتلال بغداد من قبل البويهيين (من أصل ديلمي) في عام 945 م، حرم البلاط العباسي من السلطة السياسية مدة قرنين، واعترف بسلطة الخليفة الدينية فقط في مناطق الخلافة الشرقية الواسعة الأرجاء. ومنح نشاط العنصر البويهي دفعاً جديداً لعمليات القبائل الكردية العسكرية - السياسية في مقاطعات شتى. ومنذ هذه الفترة وحتى ظهور السلاجقة - الأتراك في الشرقين الأدنى والأوسط في القرن 11م وبسبب بعض الظروف التاريخية، عقد الأتراك علاقات عملية مع الحكام المسلمين طوعاً أو إكراهاً، وتوصلوا إلى حكم سياسي ذاتي معين في بعض المناطق.
ويشير الباحث إلى أن قبائل الغزو التركية الرحل الشرسة القادمة من آسيا الوسطى نحو منطقة الخلافة الشرقية في عشرينيات وثلاثينيات القرن (11) م جهزت أرضية لاجتياحات سلجوقية تركية مدمرة في أربعينيات القرن ذاته. وأضحى ظهور السلاجقة ـ الأتراك في الشرقين الأدنى والأوسط وهيمنتهم مرحلة مصيرية في حياة بلدان وشعوب المنطقة. فأصبحت هيمنة القبائل الرحل الجديدة شرسة وفظيعة لجميع شعوب الخلافة، ومنهم الأكراد.
وبعد احتلال المناطق الكردية تدريجياً ونتيجة ضربات السلاجقة - الأتراك القوية، اضمحلت العائلات الكردية الحاكمة الواحدة تلو الأخرى، ويعزو الكتاب هجرات الأقوام الكردية شمالاً نحو مناطق أرمينيا التاريخية الشمالية - الغربية نتيجة ظهور ظروف عسكرية - سياسية مناسبة، فقد هيأت الصراعات السلجوقية ndash; البويهية أرضية مناسبة لتغلغل كتل كبيرة من القبائل الكردية إلى مناطق أرمينية الوسطى الجبلية بين القرنين 15- 16 م تحت الراية السنية والموالاة لتركية العثمانية، ثم أعاد الأكراد استيطانهم تدريجياً على كل مساحة أرمينية الغربية تقريباً.
ويركز الكتاب على عدد من القضايا التي توضح دور الأكراد في الخلافة العباسية على شاشة الأحداث العسكرية والسياسية، وإظهار تركيبة الأقوام الكردية وتوزعها ودوافع تحركاتها، مع تقديم دراسة نقدية حول الأسباب السياسية وتطور نظرية أصل الأكراد العربي، وتحليل الظروف التاريخية لتشكل السلالات الكردية الحاكمة الثلاث: الحسنويين والعنازيين والمروانيين ونشاطاتها وعلاقاتها المتبادلة مع الإمارات المجاورة. وتسليط الضوء على العلاقات الكردية - التركية بعد ظهور السلاجقة، ودور الإسلام في توجه شريحة الأكراد القبلية العليا العسكرية وعملياتهم.
وقد اعتمد المؤلف في جميع ذلك على معلومات ووثائق ومؤلفات علم الاستشراق الغربي بشقه الروسي والأرمني، الذي يعلي المؤلف من شأنه في ثنايا الكتاب ويتعاطف فيه مع الأكراد بحكم ما يعتبره معاناة كردية أرمنية مشتركة من الأتراك عبر التاريخ، وهو ما يحاكم نتائج البحث ويسائلها في ضوء الأسبقيات المعرفية التي انطلق منها المؤلف.

كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com