الكتاب: تاريخ العراق في سنوات الاحتلال البريطاني.
تأليف: د. أسامة عبد الرحمن الدوري.
الناشر: دار الشرق، دمشق، طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 210 صفحات.

لا تزال بلاد الرافدين، أو العراق، تروح تحت نير الاحتلال الأمريكي الذي قاد تحالفاً دولياً عام 2003 لتقليم أظافر العراق من أسلحة الدمار الشامل التي لم يعثر لها على أي أثر. وفيما يغوص العراق وساساته في أتون تجربة ديمقراطية جديدة مع زوال النظام السابق، ويفشلون في تكوين حكومة شراكة وطنية تشمل جميع أطياف المشهد السياسي، يبدو العراق متجهاً نحو مصير غامض، يبرر معه الخوض في تاريخه الثري لاستقاء التجارب التي قد تسهم في إيجاد حلّ لأزمته السياسية الحالية.
يحاول كتاب تاريخ العراق في سنوات الاحتلال البريطاني لمؤلفه أسامة عبد الرحمن الدوري أن يقدم وصفاً للعاصمة العراقية لحظة وقوعها تحت الاحتلال البريطاني ليلة 11 مارس 1917 إذ كان سكانها خليطاً من المسلمين laquo;الشيعة والسنةraquo; ويشكلون الأغلبية. وكان عددهم نحو (175) ألفاً، واليهود (50) ألفاً، أما المسيحيون فكان عددهم (15) ألفاً. كما أن أبرز القبائل التي كانت تسكن بغداد هي قبيلة (الجبور)، فهم بنو عمير وبنو رجاب والبريجات والدفافعة.
ويؤكد المؤلف أن الاحتلال قام في مجال التعليم بفتح مدرسة لأبناء الشيوخ العرب؛ كما فتحت مدرسة للمأمورين، وأخرى للمساحين، ومدرسة تجارية في أغسطس 1918 لتغطية احتياجات قوات الاحتلال من الكتبة في الدوائر العسكرية والمدنية؛ وبلغ مجموع المدارس الابتدائية والأولية الرسمية عام 1919(75) مدرسة؛ (56) منها تدرس اللغة العربية و(11) التركية و(6) بالكردية؛ وللشبك والفرس مدرسة لكلٍ منهما.
كما ازدادت أعداد المعلمين من (125) معلماً في ديسمبر 1918 إلى (300) نهاية عام 1919؛ وتراوحت رواتبهم الشهرية بين 30-40 روبية؛ كما أسَّست قوات الاحتلال جريدة (العرب) لتهاجم العثمانيين وتمدح البريطانيين؛ وصارت تطبع (1500) نسخة وتوزع بشوارع بغداد بسعر بنس واحد؛ وكان يشرف عليها المستر laquo;فيلبيraquo; ومن ثم المسز laquo;بيلraquo; وساعدهما الأب raquo;انستانس الكرمليraquo;، وظلت تصدر حتى 31 مايو 1921. ثم يشخِّص المؤلف وضع مدينة laquo;الديوانيةraquo; عشية احتلالها، إذ ينتمي سكانها إلى أربع مجاميع قبلية: الخزعل؛ الأكرع؛ البدير؛ عفج.
وقد دعت حاجة إدارة الاحتلال إلى إنشاء قوة من الشرطة لتنفيذ الأنظمة والتعليمات؛ لكن هذه القوة كانت سيئة؛ فتمَّ حلُّها وإنشاء قوة سميت (الشبانة) التي مقَتَها معظم أهالي الديوانية؛ التي كان عملها تحقيق أوامر وطلبات الحكام السياسيين البريطانيين. ومع بدء الغليان الشعبي والتهيؤ للثورة ضد المحليين، كان الناس قد ازداد احتقارهم وكرهم لقوات الشبانة؛ حتى عدَّ الانخراط في صفوفهم يلبس صاحبه ثوب الخزي والعار.
ويكشف المؤلف أن الديوانية عانت من فرض الضرائب عليها؛ إذ كانت واحدة من أكبر المقاطعات التي تدفع الضرائب في العراق للاحتلال. كما عانت من تردي الأوضاع الصحية؛ وعدم وجود منشآت سوى ذلك المستوصف الصغير الذي افتتح أواخر أيام الدولة العثمانية قرب السراي القديم.
أما التعليم، فقد بقي متدنياً، إذ إن مجموع مخصص للتعليم في العام 1918-1919 للعراق كله (180) ألف روبية؛ ارتفع في العام التالي إلى (886808) ألف روبية؛ لم يكن نصيب الديوانية منها إلا (15) ألف روبية والسماوة ألفي روبية.
في laquo;الكوفةraquo; أقام البريطانيون علاقة طيبة مع شيخي أكبر تجمع عشائري؛ علوان وأخيه عمران الحاج سعدون؛ ولا سيما بعد أن أثبتت تلك العشيرة مكانتها في أحداث آب وأيلول وتشرين أول 1917 والتي منحهما على إثرها الحاكم الملكي العام في العراق الميجر جنرال laquo;سربرسي كوكسraquo; راتباً شهرياً بواقع (300) روبية؛ بل ومنح بعدها الشيخ علوان قرضاً (500) روبية بعد أن أشاد الحاكم السياسي بجهوده في أمور الري؛ فضلاً عن أنه أبدى تعاوناً في معاضدة الحكومة. وأقام البريطانيون علاقة مع رجال الدين ذلك لمكانتهم وخطورة القرارات التي يصدرونها (الفتاوى) التي يلتزم بها كل الأتباع.
وقد حاولت بريطانيا كسب رجال الدين والاستعانة بعدد من المجتهدين لإعادة النظام والاستقرار في النجف والكوفة. أما laquo;تكريتraquo; فإنها احتلت يوم 12 يوليو 1918، وبعد احتلالها أصبحت تكريت مقراً لبعض قطعات الجيش البريطاني، بل أصبحت واحدة من المناطق المهمة لانطلاق القوات البريطانية نحو الموصل؛ وقامت بتوثيق علاقتها من عدد من شيوخ تكريت؛ فاجتمع (80) شيخاً من شيوخ العراق ووجهائه يوم 17 سبتمبر 1918 مع القائد البريطاني العام في بغداد؛ ولم يحضر من تكريت إلا الشيخ عبد الكميت أحد شيوخ البوناصر؛ وهذا الرجل كانت خدَعته القوات البريطانية.
تاريخ العراق في حقبة الاحتلال الأمريكي تشبه إلى حد بعيد تاريخه القريب تحت نير الاحتلال البريطاني، فإهمال البنى التحتية والعمل على تخدير الشارع العراقي عبر وكلائه من رجال الدين، وتفتيت اللحمة الوطنية وزرع الفتنة الطائفية والمذهبية بين مكونات الشعب العراقي، وشراء بعض الذمم والضمائر، كلها أمور لم يحاول الاحتلال الأمريكي تجاوزها إلى أساليب جديدة أو مبتكرة، وهو ما يجعل من الكتاب قراءة تاريخية لأحداث معاصرة، وشديد الالتصاق بالواقع رغم موضوعه التاريخي البحت.

...كاتب وباحث
[email protected]