من أجل مجلس إقليمي للتعاون الاقتصادي بين العراق وتركيا ولبنان والأردن

لقد أدى الفشل الذريع لمجمل محاولات الوحدة العربية بين دولتين او اكثر ومحاولات الاندماج وما تلا ذلك من اكتساح، كما حصل بين شطري اليمن واجتياح الكويت، الى التفكير جديا بنوع من التعاون والتكامل بين دول المنطقة، يكون أساسه النشاط الاقتصادي والمصالح المتبادلة بعيدا عن تشنجات العلم الواحد والنشيد القومي والعاصمة التي تكثف الجميع في بودقة احد الأعضاء، وخلال سنوات مريرة من الإحباط والترقب نتيجة تلك المحاولات الفاشلة، والتي أدت أيضا الى خلل في مفهوم المواطنة والانتماء على خلفية إلغاء القطرية، كما كانوا يطلقون على انتماء الشخص لوطنه واستبدالها بالوطن المفترض من المحيط الى الخليج، حتى جاء مجلس التعاون الخليجي وليدا عقلانيا لكيانات اقتصادية تحترم الخصوصيات المعروفة في منطقتنا وتعمل على إرساء مستويات جيدة من العلاقات بين اعضائها، ورغم ما واجه هذا المجلس من صعوبات معروفة وذات خصوصية بتركيبة المواطن هنا في الشرق الأوسط عموما، إلا أنهم نجحوا الى حد الآن في تشريع وترجمة الكثير من التكاملات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية والدفاعية بما يعزز موقف الأعضاء منفردين والاتحاد مجتمعين.

وقد كان لنجاح هذه التجربة رد فعل واضح على مجموعة أخرى من الدول العربية سواء في شمال افريقيا او هنا قرب الخليج، حيث حاولت مجموعة مغاربية وهي ليبيا والمغرب والجزائر وتونس انجاز مجلس اقتصادي شبيه بالخليجي او الاوربي، الا أنها يبدو قد أقفلت ذلك الملف لأنه اعتمد هو الآخر على فلكلور العاصمة الواحدة والنشيد الأوحد وغيرها من رومانسيات الاندماج المعروفة في تلك المنطقة.

وقد حاول النظام السابق هنا في العراق مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي تأسيس مجلس للتعاون العربي يضم كل من مصر والأردن واليمن إضافة الى العراق، حيث تم استبعاد الدولة السورية واستغلال سوء العلاقة بينها وبين كل من مصر والأردن لتمرير عدم إشراكها في المجلس بسبب الصراع العقائدي المرير بين جناحي حزب البعث الحاكم في كلتا الدولتين، وخلال فترة قصيرة نجحت أطراف مجلس التعاون في عقد عدة مؤتمرات قمة ومجالس عليا متخصصة للتكامل الاقتصادي والسياسي وتم احتواء اليمن رغم بعدها الجغرافي عن الأعضاء الثلاثة الآخرين، ويبدو إن الهدف كان سياسيا بحتا، وان النوايا لم تكن جميعها متطابقة بل لم تكن متفقة على الأساس الاقتصادي لتكوين المجلس، خصوصا وان الطرف العراقي ( نظامه السياسي تحديدا ) ميكافيلي في سلوكه للوصول الى اهدافه في توسيع مجاله الحيوي والانتشار رأسيا وافقيا في المحيط العربي، على خلفية الدعم شبه المطلق له من قبل معظم البلدان العربية والاسلامية في صراعه مع ايران وايقاف مد الثورة الايرانية على النمط المخالف مذهبيا لمجموعة الدول العربية والاسلامية، مما خلق عاملا مهما وقاسما مشتركا لهذه المجموعات من الانظمة للالتفاف حول النظام العراقي آنذاك، ورغم ذلك التمحور حول بغداد فلم تكن الأمور تسير بمجلس التعاون العربي، الذي أنشأه النظام العراقي السابق كدرع واق له سواء ضد الإيرانيين أو لما يخفيه لاحقا من أنشطة اقلمية او عسكرية محددة، خصوصا وانه اصبح يمتلك جيشا جرارا واسلحة تفوق حاجاته وعدد سكانه بعدة اضعاف وهالة اعلامية مبالغة وغير دقيقة عن اوضاعه الاجتماعية والعلمية والاقتصادية، ساهمت في فقدان قادته لتوازنهم وحجمهم الحقيقي مقارنة مع ما حولهم او مع المتنفذين دوليا.

وهكذا سرعان ما انهار ذلك المجلس وهو ما يزال في طور تكوينه في أول صدمة واجهها المتعاونون الأربع ابان غزو احدهم لأراض دولة عربية مجاورة، وذهبت معه آمال أوساط مهمة في تلك الدول لإنشاء نموذج اقتصادي بين تلك المجموعة وتبخرت معها مشاريع إستراتيجية في السكك الحديد ومنظومة الشبكة الكهربائية والاتصالات، كانت مقترحة للانجاز خلال سنوات قليلة، فلم تصمد تلك المحاولات التعاونية أمام الاختلاف السياسي وتباين المواقف بين الأعضاء حول مسألة الكويت.

واليوم وقد تغيرت كثير من المعادلات السياسية واسقط واحد من اعتى النظم الدكتاتورية في العالم، وانتقال العراق الى النظام الديمقراطي التعددي وتعرضه الى هجمة قاسية من الإرهاب الدولي، وتورط بعض من دول الجوار في ملفاته السياسية وكثير من عمليات التناحر والعنف المحلي بما لا يسمح بالاستقرار والاعمار، تتبلور ظروف جديدة وواقع سياسي واجتماعي متقارب بين مجموعة من دول المنطقة وتحديدا من الدول القريبة الى العراق والبعيدة عن التورط في ملفاته المعروفة وهي الجمهورية التركية واللبنانية والمملكة الأردنية، التي تتمتع بتاريخ من العلاقات الايجابية والمصالح المشتركة والمتقاربة اجتماعيا وسياسيا، حيث النظام الديمقراطي التعددي الذي تتصف به انظمة الحكم فيها ومجموعة المكونات العرقية والدينية والمذهبية التي تتعايش على أراضيها رغم وجود اشكاليات ما زالت عالقة في حلها هنا وهناك، الا ان الثوابت الاساسية لدى اعضاء المجموعة المقترحة تكاد تكون متقاربة جدا إن لم تك متطابقة ولعل الثابت الرئيس الذي يجمع هذه الاعضاء وسيكون داعما لأي تقارب اقتصادي وسياسي هو الثابت الديموقراطي المعتمد فعلا في النظم السياسية الحاكمة هناك والاسلوب السلمي لتبادل السلطة، مما سيعزز قيام كيان للتعاون والتكامل الاقتصادي يتوقع ان يلعب دورا مهما في منطقة الشرق الاوسط عموما لما تتمتع به الدول الاربع من امكانيات اقتصادية وجيوبوليتيكية تعطيها تميزا في الامتداد بين سواحل المتوسط والخليج لتربط الساحلين جغرافيا والاتحادين ( الخليجي والمقترح ) اقتصاديا وسياسيا، وستساهم فعليا بالقضاء على دوامة العنف والارهاب في العراق والمنطقة، بل وتعمل على وقف امتدادها الى تلك الدول من خلال تجفيف ينابيعها وحواضنها بمشاريع اقتصادية كبيرة تمتص افواج العاطلين الذين يشكلون النسبة الاكبر من المتورطين باعمال العنف والارهاب.

ان كيانا اقتصاديا من تركيا والعراق ولبنان والاردن سيكون بمثابة جسر حضاري يربط اوربا وامريكا بالخليج واسيا عموما ويساهم في ارتقاء هذه الدول لما تمتلكه من قوى بشرية وامتيازات اقتصادية عالية في الزراعة والنفط والمعادن والمياه والصناعة والسياحة والمواصلات.

[email protected]