أخيرا أنتصرت إيران في المعركة وربحت صفقة مقايضة دماء العراقيين مقابل الأستيلاء عليه وابتلاعه ونهب ثرواته... أخيرا أصبحت اللعبة مكشوفة وظهر اللاعبون على السطح وتجاسرت الأحزاب الشيعية العراقية بالذهاب علناً الى إيران من اجل تقديم فروض الطاعة والولاء واعلان موافقتها المطلقة على ما تقرره إيران بشأن تشكيل الحكومة العراقية وتوزيع الحصص على الأزلام والأتباع.

ولكن كيف استطاعت إيران الانتصار على أميركا وعلى الشعب العراقي؟

لقد انتصرت بأخذ العراق كله رهينه وكانت بين فترة واخرى تقوم بقتل مجموعة من ابنائه بالمفخخات وغيرها بمساعدة بقايا البعث والقاعدة والميليشيات والمخابرات السورية، وكانت عملية أبتزاز حقيرة فمنذ إسقاط نظام صدام وإيران ترتكب المجازر الدموية ضد الشعب العراقي بمساعدة حلفائها، وكانت اللاعب الأكبر المهيمن والقادر على أحراق العراق خلال ساعات وتدميره بفضل توفر قاعدة ضخمة لها من الأتباع تمثلت بالأحزاب الشيعية والمرجعية وقطاعات واسعة أخرى، مقابل نفوذ ضعيف جدا للولايات المتحدة، بل وجود عداء لها من غالبية الشعب العراقي الذين تنكروا لجميلها في تحريرهم من نظام صدام وانقاذ حياتهم من الموت الجماعي.

وهكذا تم استنساخ التجربة اللبنانية عندما قايضت سوريا الأمن والأستقرار فيه مقابل إستيلائها عليه وتحكمها بشؤونه، وقد قبل الغرب تلك الصفقة بعد ان وجد ان الشعب اللبناني ليس قادرا على حماية نفسه، وتكرر الأمر في العراق ومارست إيران نفس اللعبة بأغراقه في بحر من الدماء والخراب... وقدمت نفسها الى أميركا على انها الجهة الوحيدة القادرة على فرض الأمن والأستقرار فيه مقابل حصولها على الثمن وهو إستيلائها على الدولة العراقية بأكملها وثرواتها.

هل باعت أميركا العراق وفرطت به؟

للأسف لم يساعد العراقيون أميركا على بناء وطنهم سياسيا واقتصاديا وعلميا... وكانوا عامل هدم وتخريب لبلدهم، وتنكروا لجميلها بتحريرهم من نظام الطاغية وتوفير فرصة العمر لهم لتغيير حياتهم ووطنهم، ولكنهم بدلا من شكر أميركا على عملها العظيم غدروا بها وطعنوها من كل جانب وتآمروا عليها بتحالفهم مع ايران وسوريا والقاعدة، وفي هذه الحالة لايمكن منطقيا ان تظل أميركا تعمل شرطي حراسة لبيوت العراقيين وتجلب الأمن والأستقرار لهم وهم يناصبونها العداء، وليس معقولا ان تستمر في هدر أموالها على شعب لايقدر موقفها وتضحياتها، ولايريد لنفسه الحياة الديمقراطية والأستفادة من أمكانياتها العلمية والأقتصادية، وأختار الأرتماء في أحضان نظام ولاية الفقيه الإيراني والقاعدة والبعث والمخابرات السورية!

فلم يكن امام الولايات المتحدة الأميريكة إلا النظر الى مصالحها، وطرح سؤال: هل من المفيد الدفاع عن الشعب العراقي الذي يناصبها العداء ولم يشكرها على انقاذه، والذي لايريد لنفسه التطور والتقدم، وهل من المنطقي الأستمرار في أستنزاف الاموال والجهود على شعب ميؤوس منه، وأستحكم فيه التخلف وعقدة التدمير الذاتي؟ طبعا هنا العقل السياسي الأميركي لابد ان يفكر بمصالحه والبحث عن الحلول التي فيها اقل الخسائر فكان لابد من التعامل بواقعية وتسليم العراق الى إيران مقابل صفقة توفير الأمن والأستقرار وضبط الأوضاع الداخلية كي يتسنى لأميركا الأنسحاب وتقليل صداعها من العراق ومتاعبه.

وامام وضع مأساوي يحيط بالعراق من كل جانب، وغياب مشاعر الأنتماء الوطني لدى الساسة، وشعب لايدافع عن نفسه ولا عن بلده... وامام جرثومة المحاصصة الطائفية والقومية وتعدد ولاءات القوى السياسية للخارج: الأحزاب الشيعية الى إيران والعرب السنة الى الدول العربية، والأحزاب الكردية لديها مشروعها الخاص بالعمل على أضعاف العراق كي تسهل مهمة حصد المكاسب وأبتزازه.. بعد كل هذه الكوارث الجارية يمكننا بكل ألم وعذاب وفجيعة كتابة شهادة موت وطن كان يدعى العراق!

[email protected]