قبل عدة أشهر نقلت الصحف خبراً من الصين مفاده أن إمرأة في الستين من العمر نُقلَتْ الى المشفى في حالة اسعاف، وبعد فترة تم تسليم جثتها الى الأقارب لدفنها.أثناء إقامة مراسم الدفن سمع الحاضرون صوتاً كأن أحداً ما يدق جدارالتابوت من الداخل. أبناء المرأة فتحوا النعش وإذا بوالدتهم تفتح عينيها وتتكلم طالبةً اللباس.الأم وأولادها ذهبوا الى البيت يخالجهم الشعور بالخوف والفرحة.

أما المرأة الكولومبية ذات الـ 45عاماً فقد سلم الأقارب جثتها الى العاملين في الكنيسة للتحضيرلإقامة االشعائر الدينية الإعتيادية. في تلك الأثناء حركت الجثة يدها.نقلوا المرأة الى المشفى والكل في حالة رعب وذهول. بعد فترة خرجت من المشفى وهي تنضح بالحياة والعافية. الأطباء أعادوا السبب في ما حدث الى إحتمال التوقف المفاجئ للقلب،وكذلك عودته للعمل بشكل مفاجئ أيضاً.

بعد قراءتي لتلك الحادثتين تذكرت القصص التي كنا نستمع اليها ونحن صغارفي ليالي الشتاء الباردة.كنا نسمع قصص الذين ماتوا ثم خرجوا أحياء من قبورهم.تلك القصص كانت مرعبة تؤرقنا وكنا ندعوالى الله أن يعجل في بزوغ الشمس للتخلص من كوابيس النوم.

إحدى تلك القصص جرت حوادثها في قرية قريبة من مكان إقامتنا في الشمال السوري. الرواة كانوا من بين الذين شاهدوا الحادثة،حيث أن عدة أشخاص كانوا في الطريق الى القرية موضوع البحث بالتزامن مع حلول الظلام. عند إقترابهم من مقبرة القرية الصغيرة سمعوا أنين صوت نسائي صادرمن بين القبور. هرع الجميع الى أقرب دارمن المقبرة.خلال لحظات كان كل من في القرية يتجه الى المقبرة وبأياديهم المعاول.

فتح أهل القرية القبرالذي دُفنَتْ فيه إمرأة في عصرذلك اليوم وهم يسمعون الانين الصادرمن القبر. كانت المرأة حية ترزق وعادت الى بيتها وأولادها لتعيش كالآخرين بقية العمر. القصص من هذا النوع كانت كثيرة في كل المناطق في الماضي.

ماهو التفسيرالعلمي أو الطبي لما حدث؟

في صغري كنت أعاني من نوبات قاسية من الإقياء وإرتفاع الحرارة عدة مرات في السنة.العلاج كان دائماً العسل الذي لم يكن يُجدِ نفعاً.بعد دخولي مهنة الطب أصبحت حوادث الذين خرجوا من القبور أحياءً تشغل بالي دائماً.

ولكن لنعود الى quot;العسلquot; الذي كان الدواء الوحيد لجميع الأمراض في البيئة التي عشت فيها.

في إعتقادي كان السبب هو مرض السكري.المصاب بهذا المرض معرض للإصابة بفقدان الوعي أو ما يسمى بالسُباتْ في حالة هبوط مقدارالسكرفي الدم،وهو الأخطر،وكذلك في حالة إرتفاعه لمدة طويلة.

في حالة هبوط السكريفقد المريض الوعي مغشياً عليه،ولكن ملعقة واحدة من العسل تكفي ليقف المصاب على قدميه خلال ثواني كالجن بعد أن كان جثةً هامدة على سكرات الموت قبل دقائق.هذا الأمرهو الذي جعل من العسل الدواء السحري لكل الأمراض في سابق الأزمان.

أما في حالة السبات السكري الناتج عن إرتفاع السكرفإن العسل يتحول الى سمٍ قاتل،حيث يرفع من مقاديرالسكرفي الدم ويزيد حالة السبات عمقاً ومن ثم الإحمضاض والوفاة.

أعتقد أن كثيرين من الذين خرجوا أحياءً من القبورهُم هؤلاء الذين دفنوا أحياء بسبب السبات الناتج من إرتفاع سكرالدم ومن ثم هبطت مقاديرالسكرعندهم الى المستوى العادي بمرورالوقت وهم داخل القبر.نادراً كان الحظ يصادف البعض للنجاة كما كان الحال لدى تلك المرأة وغيرها من الذين أصبحوا أبطال تلك القصص التي تناولتها الأجيال.

السبب في كثرة هذه الحوادث في مناطقنا كان الإعتقاد السائد بأن الإستعجال في دفن الموتى تزيد من حسناتهم حسب العقيدة الإسلامية،علماً أني أميل الى أن تلك الفتوى كانت صادرة من الملالي الذين كانوا يريدون التخلص من غسل الجثث قبل أن تستفحل الروائح من الجثة كما هو معلوم.

أنا أيضاً مثل الكثيرين سمعت قصصاً عن ما يسمى بـ quot;سكرات الموتquot; التي كانت تعتبرالدليل القاطع الى قرب الوفاة.أكثر الظن أن تلك السكرات ما كانت إلا عبارة عن حالات السُبات على أنواعها وفي مقدمتها السكري.
من أهم الأعراض التي تدل على دخول المصاب الى حالة السُبات هو فقدان الوعي وثبات النظرولا سيما حركة الأصابع التي تشبه وكأن المريض يقوم بعمل حسابي.هذه الأعراض كانت وسيلتنا لتشخيص السبات في سبعينات القرن الماضي حيث لم تكن توجد مخابرالتحليل.

المجتمعون حول المريض كانوا يعتقدون أنه ينظر الىquot;عزرائيلquot;الذي كان يحوم في سماء الغرفة،بينما حركة الأصابع كانت الدليل على إقامة الشهادة.......لذلك كان القوم يسعى الى الدفن السريع قبل أن ينسى المصاب الشهادة،بالإضافة الى عدم عرقلة عزرائيل من القيام بعمله،حيث أن هناك كثيرون ينتظرونه وهم يتعذبون.كل هذا كان يبعث إرتياحاً لدي أهل المصاب الذي لم ينقطع عن واجباته الدينية وهو على فراش الموت.....بينما البعض كان يدخله الى مصاف الأولياء وهو في الطريق الى الجنة.هذه القصص كانت تنتقل من جيل الى آخردون إنقطاع.

عندما كان السبات يصيب فرداً ايزيدياً أو مسيحياً كان المسلمون يفسرون ذلك أن المصاب قد أسلمquot;دخل الإسلامquot; والدليل هو حركة الأصابع أي quot;الشهادةquot;،بل كان الخيال يجنح بالبعض الى أن عزرائيل بالذات ترحم عليه وعلمه الشهادة التي لم يعرفها من ديانته السابقة.

في الواقع كل مافي الأمركانت حالة سُبات ودفن للمرضى وهم أحياء.

لنخرج من عالم القبورالى دنيا الواقع.قال أحد الفلاسفة:الولادة والموت لا مفر منهما،الأفضل أن نتمتع بالزمن الواقع بين الحادثتين.

حتى قصص الوفاة لا تخلو من الدعابة.

جاء القس الى الكاتوليكي وهو على فراش الموت قائلاً: هيا يا بني فقد حان الأوان للإعتراف بالذنوب. كان الرد:يا أبتي بعد قليل سأقابل quot;المعلم بتاعكquot; للإعتراف فلا داعي للتكرار..


طبيب كردي سوري السويد
[email protected]