ما كان يعاب على النظام الصدامي البائد أنه كان يعتمد على quot;المزاجيةquot; في تعامله مع العراقيين، كانت أمور الدولة تسير وفق جدولة quot;مزاجيةquot; صارمة إبتداء من تعين فراش في المدرسة الى تكليف وزير في الحكومة، قبل أن تسأل عن شهادتك أو عن جنسك أو لونك وفيما إذا كنت جنيا أو إنسيا كانوا يختبرون مزاجك، إن كان يوافق مزاج القائد أو الحزب القائد، فأنت مقبول وquot;أمك دعيالكquot; وأما إذا كان مزاجك لاسامح الله لايوافق مزاجهما وعندك ميول أخرى مغايرة لميولهم، فأنت مرفوض جملة وتفصيلا وإن كنت أنشتاين عصرك. هذه كانت السياسة السائدة في البلاد، ولكن عندما أزيل النظام الى غير رجعة، وجاء النظام الديمقراطي الجديد، ظهرت بوادر quot;لمزاجياتquot; أخرى ربما quot;ألعنquot;؛ طائفية حزبية إثنية دينية و مناطقية لم تكن موجودة من قبل أو كانت موجودة ولكن مختفيةquot;تحت الرماد quot; تنتظر من يزيل الغبار عنها، و بمجرد أن أتيح لها أن تظهر حتى هيمنت على مقاليد الحكم في العراق، وبسطت سلطانها على كامل مرافق الدولة، ومنذ ذلك الحين؛ انقسمت البلاد فعليا الى مناطق نفوذ، كل منطقة تعود ملكيتها لحزب أو طائفة معينة وفق قواعد اللعبة الديمقراطية quot;المحاصصيةquot;المتبعة: محافظة الانبار مزاجها العام مع الحزب /الطائفة الفلانية ولكن محافظة النجف بمزاراتها ومعالمها وقضها وقضيضها مع الحزب أو الطائفة العلانية وكذلك منطقة الاعظمية فهي ملك خالص للطائفة السنية فيما تعود منطقة الكاظمية تاريخيا وجغرافيا للشيعة، وهكذا توزعت الضيع و أملاك الدولة من أصغر محلة الى أكبر الاقاليم quot;رسمياquot;على مكونات العراق السياسية والاثنية الرئيسية، وهذه المكونات بدورها قسمت الغنائم فيما بينها، فيما ظلت كل منطقة تدار بمزاجية تختلف عن الأخرى، إدارة مدينة الصدرالكبيرة مثلا تختلف عن إدارة أي منطقة أخرى شيعية في الجنوب، مع أن كلتا المنطقتين محسوبتان على الشيعة ولكنهما تختلفان في نواح كثيرة: إجتماعية و ثقافية وسياسية ودينية (المرجعية) وهكذا في بقية المناطق الاخرى في العراق، وكثيرا ما دخلت البلاد في أزمات سياسية و أقيمت كرنفالات قتل وذبح على الهوية بسبب تقاطع تلك المزاجيات، وما لم تؤطر هذه المزاجيات المتنافرة بقانون، سوف تستمر حالة التشرذم والتشظي الموجودة في تفاقم متصاعد..وسواء رضينا أم لم نرض، فالعراق مقسم وفق هذا السياق quot;المزاجيquot;، ومن يظن أن العراق لم يقسم بعد فهو واهم، ولايريد أن يعترف بحقيقة أن التنوع الموجود في البنية الاساسية لتركيبة البلاد السكانية لايشبه أي تنوع آخر في العالم، تنوع قائم على التنافر و التناقض وعدم الثقة، ومايقال عن صلات مشتركة تربط بينهم فهو مجرد كلام يفتقر الى الواقع، فأي صلة دينية تربط الشيعة بالسنة وهم مختلفون في كل شيء تقريبا؟ أو أي صلة عرقية تربط العرب بالكورد وأين نقاط الالتقاء بينهم ؟ حتى quot;الوطنيةquot; التي دعوا الى الألتفاف حولها لتكون القاسم المشترك بينهم، فإن مفهومها(كما أشرت في مقال آخر في منبر غير هذا ) يختلف من قوم الى قوم وطائفة الى طائفة، مفهوم الوطنية عند السنة يعني إقامة دولة تهيمن عليها مباديء القوميةالعربية وعند الشيعة يعني الدعوة الى دولة التشيع وعند الاكراد يعني الفدرالية أو الكونفدرالية! رؤى ووجهات نظر مختلفة ومعقدة لم يستطع أحد لحد الان حتى أمريكا quot;بجلالة قدرهاquot; أن يقلل من تناقضاتها الحادة، ويضع لها حلا مقبولا غير الطرح التوافقي الذي لا يعتبر حلا... في ظل هذه الأجواء المشحونة، توقف سير الدولة الطبيعي، وانشغل رجالاتها بالزيارات المكوكية الى الدول المجاورة لأخذ الموافقة على تشكيل الحكومة القادمة! فيما تواصل ماكنة الارهاب حصد أرواح المواطنين.

[email protected]