quot;نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سواناquot;
إذا كان من المؤكد أن لدينا في مصر حكم يشيع فيه الفساد، أو حتى يصح أن نطلق عليه من قبيل التعميم أنه quot;حكم فاسدquot;، فمن الصحيح أيضاً استمراراً لذلك النهج من التعميم، أن نقول أن لدينا quot;معارضة رثَّةquot;. . وإذا كنا الآن بصدد محاكمة الحكم على فساده، ألا يجدر بنا أيضاً أن نساءل المعارضة عن رثاثتها وتهافتها وهزالها، خاصة ونحن نرى شعوباً من المفترض أنها دون مستوى الشعب المصري تحضراً، مثل تايلاند وقرغيزيا، تقوم لتسقط حكومات وتقيم أخرى؟!!
إذا جاز عملياً ومنطقياً أيضاً أن نسند تردي حال المعارضة المصرية إلى أسلوب الحكم الفاسد في إدارة البلاد، وقبضته البوليسية، التي تخنق كل بادرة حياة في مهدها طوال ستة عقود، وتدفع الشعب المصري للعزوف عن السياسة وبلاويها، فلماذا ليس الأمر على هذا النحو في تايلاند وقرغيزيا وأيضاً إيران القهر والملالي، ولن نقول في رومانيا وبلغاريا في العصر الاشتراكي؟!!. . هل كل هذه الأنظمة الفاسدة والمهيمنة كانت رحيمة بحيث سمحت للمعارضة أن تنمو وتترعرع، ليأتي يوم انتصار الشعب على جلاديه؟!
ليس من المستغرب من شعوب تجد دائماً شماعات تعلق عليها فشلها، أو من صفوة قال عنها نزار قباني: quot;مثل قشرة البطيخ تافهون. . . . منخورون كالنعالquot;، أن تسند هزالها وعجزها إلى أقرب مبرر تجده أمامها، خاصة ولدينا في شرقنا الأوسط الكريم عشرات الشماعات الحاضرة لكل مناسبة، وظيفتها الجليلة أن تصرف النظر تماماً عن مناحي الخلل الحقيقي. . لدينا الاستعمار وأعوان الاستعمار من الرجعية العربية، ثم الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية، ولدى كل شعب على المستوى الداخلي النظم الشمولية المستبدة، ثم تحالف الثروة والسلطة من جانب، ورجال الدين والسلطة من الجانب الآخر. . قائمة طويلة هي من الشماعات، ونحن إذ نطلق عليها هذا التوصيف، لا ننفي أن بعضها أو كلها في بعض الأحيان، أو فلنقل في أحيان كثيرة، تكون فاعلة ومؤثرة فيما يجري بالفعل من أحداث في منطقتنا، وربما هي لهذا بالتحديد تصلح لتكون شماعة مناسبة أو مُقْنِعة.
الأمر يبدو أشبه بأن يكون لدينا في الحي بلطجي يرتكب أعمال سطو وإجرام، لكن هذا بالتأكيد لا يعطينا الحق في أن ننسب إليه كل ما يرتكب بالحي من جرائم، دون التحقيق والتحقق، إن كانت الجريمة المحددة محل النظر هي من فعل ذلك البلطجي الشهير، أم أن آخرون يخفون جرائمهم بنسبتها لمن سيكون من السهل إقناع الناس بنسبتها إليه!!
هكذا وإن صح التشبيه، لا يكون مقالنا هذا دفاعاً عن بلطجي حينا، صاحب الرصيد الوافر من الجرائم في حق الحي ومن فيه، أقصد بالتحديد الطغمة الحاكمة، وليس كما يقولون quot;النظام الحاكمquot;، فنحن كلنا نندرج ضمن quot;النظامquot;، سواء كنا موالاة أم معارضة، فيما عدا بالطبع الكيانات المحظورة. . بحثنا هنا هو للتأكد من أن كل ما نكيل من اتهامات للحاكم، هو بالفعل يرجع إليه، وليس لأطراف أخرى تستمرئ إلقاء تبعات خطأها وخطاياها عليه. . هو بحث عن مواطن الخلل في حياتنا، كل حالة بحالتها، أي quot;بالقطاعي وليس بالجملةquot;. . تلك الأخطاء التي يعد فشلنا في العثور على جذورها، قضاء على أي أمل في تغيير حقيقي. . فحتى لو قتلنا بلطجي حينا الشهير، فلن نعدم مع استمرارنا في نسبة جرائمنا إليه، أن نجد من يطلق شائعة بأنه مازال حياً يرزق، وأنه يتسلل ليلاً إلى حينا العامر، ليخرب ما شاء له الهوى، ثم يعود لمخبأه قبل بزوغ الفجر!!. . هذا ما يحدث بالفعل وليس مجرد افتراض ساخر، فمازلنا حتى الآن ننسب موبيقاتنا إلى الاستعمار، رغم حصول جميع شعوبنا على الاستقلال من أكثر من نصف قرن، ورغم زوال الاستعمار وعصره من جميع بقاع كرتنا الأرضية، ليبدو الأمر مجرد تنطع لا أكثر ولا أقل!!
هل حقاً المادة (76) من الدستور المصري، والمتعلقة بقواعد الترشح لرئاسة الجمهورية، هي العائق أمام وجود مرشح أو مرشحين منافسين جدياً للرئيس الحالي أو لمرشح حزبه، الذي من المتوقع أن يكون وريثه على عرش مصر المحروسة؟
وهل تعديل هذه المادة بجرة قلم، كفيل بفك الأزمة تلقائياً، لنجد لدينا أكثر من مرشح جدير بحق، يتنافسون على رئاسة الجمهورية؟
فقط المغالطات والتشويش وخلط الأوراق هو ما يجعل الإجابة التي تبدو بديهية على هذا التساؤل هي نعم. . معتبرة أن تلك المادة هي السبب في المهزلة الانتخابية الرئاسية في 2005، والتي توشك أن تتكرر في 2011.
في محاولة لفك الاشتباك بين عناصر كثيرة قد تم خلطها وتشبيكها في بعضها البعض عمداً أو جهلاً، سنحاول أن نتذكر أن:
هنالك أكثر من عشرين حزباً مصرياً يحق لها ترشيح من تريد للرئاسة، رغم أننا لا نمل من التنديد بلجنة شئون الأحزاب. . وتحتل تلك الأحزاب كل مساحة الطيف السياسي، بداية من خليط الشيوعيين والاشتراكيين في حزب التجمع، حتى الليبراليين المفترضين في حزب الجبهة الديموقراطية، وإن كان الأخير لا ينطبق عليه شرط مدة الخمس سنوات.
لابد من وجود ضوابط للترشح لرئاسة الجمهورية، وهذا معمول به في جميع دول العالم، وبالتالي يقتصر الحديث على مدى مرونة أو تعسف هذه الضوابط.
ننطلق من النقطة الثانية لنبحث، إن كانت الضوابط المنصوص عليها في هذه المادة متعسفة حقيقة، أم أن ترتدي أوضاع الصفوة والمعارضة، سواء بفعل ممارسات الطغمة الحاكمة، أو لعوامل ترجع إلى الشعب المصري عموماً وصفوته خصوصاً، هي السر وراء فشل الصفوة، وبالتالي صراخها من تعسف المادة، كمجرد شماعة للفاشلين أبداً:
عندما تنص المادة على: quot; وللأحزاب السياسية التي مضي علي تأسيسها خمسة أعوام متصلة علي الأقل قبل إعلان فتح باب الترشيحrlm;،rlm; واستمرت طوال هذه المدة في ممارسة نشاطها مع حصول أعضائها في آخر انتخابات علي نسبةrlm;(5%)rlm; علي الأقل من مجموع مقاعد المنتخبين في مجلسي الشعب والشوريrlm;،rlm; أو ما يساوي هذا المجموع من أحد المجلسينrlm;،rlm; أن ترشح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئتها العليا وفقا لنظامها الأساسي متي مضت علي عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة علي الأقلrlm;.quot;
فهل هذه النسبة كثيرة حقاً على حزب له أمل حقيقي في أن يحصل لمرشحه على أصوات 51% من الشعب المصري؟
إذا كانت هذه النسبة كبيرة بالفعل، والعيب فيها وليس في الأحزاب والصفوة، لرأينا في انتخابات 2005 شخصيات جديرة حقاً بالمنافسة. . نتحدث عن الصورة العامة (المزرية) التي رأيناها للمرشحين، وليس عن نتيجة الانتخابات التي من السهل وصمها بالتزوير.
تساؤل آخر يمكن أن يظهر، وهو أن حالة الأحزاب حالياً، هي التي تجعل من شرط الـ 5% من التمثيل البرلماني للحزب الذي يحق له الترشح نسبة كبيرة، لكن هل هذا الوضع فعلاً هو ما استغله من يمهدون المسرح للوريث، فجاءوا بالمادة (76) كأداة تعجيز؟
لو كان الأمر كذلك حقيقة، ما وجدنا المادة تنص على: quot;واستثناء من حكم الفقرة السابقةrlm;،rlm; يجوز للأحزاب السياسية المشار إليهاrlm;،rlm; التي حصل أعضاؤها بالانتخاب علي مقعد علي الأقل في أي من مجلسي الشعب أو الشوري في آخر انتخابات،rlm; أن يرشح في أي انتخابات رئاسية تجري خلال عشر سنوات اعتباراً من أول مايوrlm;2006,rlm; أحد أعضاء هيئته العليا وفقا لنظامه الأساسي متى مضت علي عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة علي الأقلrlm;.quot;
ماذا نريد أو يريد السادة المتصايحون دائماً وأبداً أكثر من ذلك؟
يريدون حق الترشيح للمستقلين؟
فلنتأمل ملياً ما جاء بالمادة (76) بهذا الخصوص: quot;ويلزم لقبول الترشيح لرئاسة الجمهورية أن يؤيد المتقدم للترشيح مائتان وخمسون عضواً على الأقل من الأعضاء المنتخبين بمجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات، على ألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين من أعضاء مجلس الشعب، وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشورى، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبي محلي للمحافظة من أربع عشرة محافظة على الأقل، ويزاد عدد المؤيدين للترشيح من أعضاء كل من مجلسي الشعب والشورى ومن أعضاء المجالس الشعبية المحلية للمحافظات بما يعادل نسبة ما يطرأ من زيادة على عدد أعضاء أي من هذه المجالس، وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يكون التأييد لأكثر من مرشح. وينظم القانون الإجراءات الخاصة بذلك كله.quot;
هل هذه الاشتراطات تعتبر تعجيزية بالنسبة لمن يطمح حقيقة في الحصول على تزكية الشعب المصري لرئاسة الجمهورية؟
الحجة المكرورة هي أن الحزب الوطني يسيطر الآن على كل هذه المجالس، وبالتالي فالشرط مستحيل، هي حجة زائفة تماماً، فنحن لابد أن نفرق بين نقدنا للمادة ذاتها، وبين نقدنا للوضع الشمولي والمتردي الحالي. . فالذين يسيطرون على الساحة الآن، سواء بمعونة الحزب الوطني، أو لصلاتهم العائلية والمصلحية في مناطقهم، ما يجبر الحزب الوطني أحياناً على ضمهم لصفوفه، هؤلاء لن تنتهي سيطرتهم على الشارع المصري بمجرد تغيير هذه المادة، بما يعني انعدام فرصة المرشح المستقل في النجاح، حتى لو تُرك الترشيح مفتوحاً بلا ضابط!!
لا أقول هذا دفاعاً عن المادة (76)، ولا دفاعاً عن دستور لا يواكب متغيرات عصرنا، ويحتاج لاستبدال وليس لتعديل، وإنما نقول هذا لأننا نفشل ونعجز عن اكتشاف مفاتيح الإصلاح الحقيقية، التي لابد وأن تتجه نحونا نحن لنغير ما بأنفسنا، بالتوازي مع قيامنا بتغيير الطغمة الحاكمة وآليات عملها. . أما الصياح والصراخ الدائم، دون تدبر حقيقي وموضوعية، فلن يصل بنا إلى أي مكان، لنظل دون العالمين محلك سر، أو للخف درْ!!
أعرف أن اتهامات العمالة للسلطة تنتظرني مع أخر كلمات هذا المقال، وأعرف أيضاً أن التجرؤ على نقد غوغائية المعارضة، يحتاج لشجاعة أضعاف ما نحتاج حالياً لنقد الجالسين على كراسي السلطة!!
مصر- الإسكندرية
[email protected]