المفارقة المستمرة دون انقطاع في العراق ان البعض لايريد أن يغادر خانة الشعارات الفارغة المتمثلة quot; بالقومجية quot; والتي تم استبدالها ظلما وغدرا بالعروبة نفسها بشعار اخر تحت يافطة quot; التيار العروبي quot;!! والمتابع لتاريخ العراق السياسي والاجتماعي لايرافقه العناء لتأشير حجم وخطورة هذه النكتة العروبية بامتياز. انها باختصار دعوة لاعادة الحكم الى أقلية حاكمة دون اي غطاء قانوني او دستوري وبجسور ورموز من طائفة معينة تمثل الاغلبية الساحقة من الواقع السكاني دون منازع، لكن المضمون والجوهر هو العودة الى حكم الاقلية الطائفية التي سلمت البلد الى بريمر ولاذت رموزها بحفر حقيرة.
لذلك المتتبع لتفاصيل هذا التاريخ السياسي العراقي منذ عقود طويلة سوف لاتاخذه المفاجأة او الصدمة من مقالة هارون محمد المنشورة في ايلاف تحت عنوان quot; ترشيح الهاشمي لرئاسة الحكومة يقوض المحاصصة الطائفية quot; وكنت شخصيا كتبت مقالة سابقة في ايلاف نفسها قبل حوالي شهر تحت عنوان quot; اشكالية ان يكون الهاشمي رئيسا للعراق quot; رغم ان منصب رئيس الجمهورية سيرجع في الدورة الجديدة وحسب الدستور العراقي منصب تشريفي لااكثر، مع العلم ان هارون محمد يذهب اخطر من ذلك بكثير حينما يرشح الهاشمي لرئاسة الحكومة العراقية مع صلاحيات دستورية كبيرة حسب الدستور لهذا المنصب وبالتالي ان يكون القائد العام للقوات المسلحة!
باختصار شديد لم ولن يكون الهاشمي باي منصب أساسي في الدورة القادمة لسبب بسيط ان الرجل اثبت بامتياز انه معطل لكل القوانين البرلمانية ومعطل اكبر لكل الاحكام القضائية اضافة الى انه صاحب شعار quot; سنجعلها انهار من الدماء quot; وذلك بنفس يوم تفجير مرقد الامامين الهادي والعسكري عليهم السلام في سامراء. لكن وجهة النظر الواقعية والكبرى هذه لاتسلب حق هارون بالحلم، لكني أتحداه امام كل القراء بان هذا الحلم لم ولن يتحقق في عراق اليوم، وان غدا لناظره قريب جدا!
الخاسر الاكبر في العراق على مدى كل العقود الطويلة المنصرمة هي العروبة الحقيقية والتي يحاول طلاب الحكم في العراق من اصحاب قطار quot; القومجية quot; ان يمتطوها للعبور بها الى كرسي الحكم الطائفي في العراق من خلال حكم الاقلية الطائفية وبكل الطرق حتى ولو اغتصبوا العروبة نفسها، فهذه الاقلية الحاكمة دائما وهذا قدر ثابت بسبب الواقع السكاني في العراق تجد نفسها محاصرة ومرتجفة وقلقة حد الرعب لذلك في الوقت التي تبطش بالاكثرية وتؤسس مئات المقابر الجماعية في الجنوب والفرات الاوسط وتحرق الاهوار وجبال وقرى كردستان بالكمياوي والخردل فانها تفرش السجاد الاحمر وتقدم التنازلات للعرب في العراق وبشكل يجعل من المواطن العراقي ابن البلد مواطن من الدرجة العاشرة امام مواطن عربي اخر يسكن العراق او مجرد ان يقوم بزيارته!!
لذلك ممكن وتحت خانة هذه الثوابت الطائفية تفهم سطور هارون محمد والتي يصف بها quot; الاحزاب الشيعية والكردية بالمستنقع الطائفي والعرقي! quot; بينما يستثني الاحزاب السنية من ذلك وفي مقدمتها الحزب الاسلامي السني في العراق وجبهة التوافق السنية التي أوصلت الهاشمي دون اي أستحقاق انتخابي الى منصب خطير في السنوات الاربعة الماضية كنائب ثاني لرئيس الجمهورية.
انها مفارقة مزمنة يدرك أهل العراق الغرض منها واسبابها ودوافعها جيدا وايضا يدركون تاريخها المظلم الطويل في العراق، فالعراقي يكون مواطن شريف عندما يصفق لحاكم طائفي عنصري يمثل أقلية طائفية حاكمة، ويفقد شرف المواطنة quot; العوراء هذه quot; لمجرد مطالبته بحقه الانساني والدستوري والقانوني الذي تضمنه صناديق الانتخابات. والا مامعنى قول هارون بنفس المقالة ان quot; التيار العروبي قال كلمته وانتخب القائمة العراقية quot; فماذا عن جمهور بقية القوائم والذي يعادل حوالي اكثر من 235 مقعد برلماني من مجموع 325 مقعد!! فهل هولاء جميعا من الفرس الصفويون او الاكراد الصهاينة حسب القاموس الصنمي الساقط!! وسيكون من المنطق ان يبرز سؤال اخر يقول وماذا عن بقايا الجيش الانكشاري من العثمانيون واحفاد مراد الرابع في العراق!؟
من جانب اخر فان هناك حديث ان هولاء quot; دخلوا العراق مع المحتل quot; اصبحت بضاعه كاسدة وفاشلة لان اصحاب هذه الشعارات الصوتيه الفارغة يجلسون مع العملاء المزعومين في البرلمان والحكومة العراقية منذ اربعة سنوات، بل ويتدافعون في هذه الايام فيما بينهم للحصول على قطعة من كعكة حكم العراق وهذا بالضبط مايطالب فيه هارون محمد في مقالته وهو الذي رفع صوته حد الصراخ في المستقلة والجزيرة والشرقية خلال الاربع سنوات الماضية وبشكل موثق ليؤكد ان quot; مابني على باطل فهو باطل لذلك فان كل العملية الانتخابية والدستورية في العراق باطلة quot; حسب وجهة نظره فما الذي تغير الان؟
هل يتصور هارون محمد وغيره ان حصول قائمة معينة على اغلبية بسيطة ممكن ان تعيد المربع الظلامي الطائفي للحكم في العراق؟ هذا وهم كبير يتطابق مع الحمل الوهمي الكاذب، فان العراق قد غادر ميناء السؤ الطائفي لحكم الاقلية دون رجعة وان عقارب الساعة لم ولن تعود الى الوراء. فلامجال لسرقتها مرة اخرى في غفلة تاريخية مكررة فلقد استبدلنا الاشعري بصندوق الانتخابات فاستبدلوا العاص بنفس الصندوق والا فسيقول الجميع كان هنا العراق، نعم كان هنا العراق.
[email protected]
التعليقات