إن أردنا قياس التطور الحاصل في بعض المجتمعات،علينا مراعاة أمرين في غاية الأهمية، وهما حرية الفكر ودور الدين.

ان الحديث عن حرية الفكر مرهون بالدرجة الأساس في الدور الذي يلعبه الدين في ذلك المجتمع،فعن طريق الدين يُمجد الظالم ويُقتل الباحث وتُضطهد الأفكار أو بالعكس، فالدين هو مصدر الحضارة والتسامح إذ تفحصناه بشكل موضوعي بعيدا عن المزايدات او الميول العاطفي، واستغلاله في أمور صرفة تصب في مصلحة الإنسان فقط!!،، ويكون مصدر التخلف والفقر إذا تم فيه المبالغة المتمثلة بإدخاله بكل صغيرة وكبيرة في الشؤون الحياتية اليومية، حيث السيطرة على تحركات الإفراد بصورة تنويمية تحول دون تطور الفكر الإنساني ليظل حبيس صاحبه، لهذا نجد أن الفرد الذي يعيش في مجتمع ديني (متطرف على الأكثر) يكون قليل الوعي والإدراك،كثير التقليد والإتباع،فهو يملك شخصيتان متناقضتان في داخله،الأولى تعكس المظاهر الدينية والقبلية وهي الأقوى بالتأكيد والثانية مكبوتة غير مكتشفة وضعيفة جدا،تعكس ما يريده،وبين هذين المتضادين قد يُغرف الأخير في تيارات اليمين المتطرف ليكون مشروعا سريع الانفعال قابلا للتفخيخ!،او قد يزحف الى أقصى اليسار فيكون ملحدا بدرجة لا مثيل لها.

المشكلة التي تعاني منها اغلب المجتمعات الدينية هي النظرة الى الأمور من منطلق واحد لا أكثر وعدم الانفتاح على الآراء الأخرى وهذا ما نجده جليا في القرنين الخامس والسادس عشر،حيث المعارك الطاحنة التي جرت بين الكاثوليك والبروتستانت،نتيجة تزمت كل طرف بآرائه النابعة عن ميول عاطفي التي صبت في مصلحة الدين نفسه او قد تعدت الى تمجيد الزعيم الحاكم احيانا كُثر، فالمطلوب هو الاستفادة من هذه التجربة كي يجري النظر الى الأمور من منظارين،ذاتي وموضوعي.

اغلب الواعظين الدينين اليوم يتكالبون عليك ويتهموك بالعمالة وينعتوك بالمرتد! ان أشرت الى أخطاء قاتلة تستغل باسم الدين تساهم بشكل أو بأخر في إبادة البشرية وتحول دون التطور الفكري للإفراد، فيما يكفوا عنك في حال تنازلت عن القضية او انسحبت من النقد، هؤلاء المتدينين(على الأكثر) ينظرون للأشياء نظرة ذاتية مفرطة فهم يتمنون أن يكون الدين دين التسامح وما هو بذلك على الواقع،في حين ان الباحث الحيادي يزن الأمور بمعيار موضوعي إضافة إلى الذاتي،فنرى الأشياء حينها كما يصورها الواقع لنا.

على سبيل المثال لا الحصر،لا يختلف عليها اثنان في ان مبادئ الدين الإسلامي(كبقية الاديان) تدعو الى التسامح والحب ونبذ الكراهية (نظرة ذاتية) ولكن ما موجود في الكثير من المجتمعات الإسلامية من التطرف ديني واضطهاد فكري يدعونا الى الاستفسار والتساؤل عن طبيعة هذا التسامح والحب الذي دعا اليه الإسلام ومن الذي يمثله؟، في الصومال مثلا، يحاول المتطرفون الإسلاميون فرض سيطرتهم على البلاد فمُنعت الموسيقى وقُتل المثقفين واضطُهد المفكرين باسم الدين، وفي العراق حُرقت دور العبادة المسيحية وقُتل الكثير من الصابئة والايزيديين وأتباع الديانات الأخرى وصودرت ممتلكاتهم تحت ذريعة الغنائم الإسلامية!!، وشُردوا علماء وفنانين تحت ما يسمى دولة أفغانستان الإسلامية السيئة الصيت،تحت صمت مخيف من قبل الكثير من علماء الإسلام،فأي تسامح او حب هذا؟؟

لعل تفسير هذا الصمت هو الميول العاطفي لدى هؤلاء العلماء،فهم لا يشيروا الى التطرف الإسلامي كي لا يُنعت الإسلام بالمتطرف،فهم بهذا لا يميزون بين الإسلام والمسلمين، بين القوانين والتطبيق!!

ان جميع القوانين،أكانت سماوية ام مبتكرة من قبل الإنسان والمحتكمة تحت تصرفه،ممكن ان تئول لصالحه (وما الآيات القرآنية التي تئول لمأرب سلطوية ألا لمثال بسيط)،لهذا نجد ان ضعف تأثير الكنيسة على الحياة الأوربية عما عليه في القرون الماضية، ما هو ألا إنماء عن رغبة حقيقية، مستوحاة من تجربة دموية منصرمة،في التغيير فتستبدلوا قوانينهم العامة (حتى الدينية منها) التي كانت تضطهد المثقف والمفكر وتمجد الحاكم وتعلي من شان البابا الى أخرى تتسم بالتمدن ومواكبة الحياة العصرية التي تحفظ للدين سمعته الطيبة وللإنسان كرامته وحريته.

علينا الاقتداء بالتجربة الأوربية في فصل الدين عن الدولة بما يتلائم وواقعنا الحالي كي نوقف المتطرفين في شتى بقاعنا والعالم،ونضمن حرية الفرد وفكره،علينا إيقاف السياسي الهولندي الرادكالي جيرت ويلدرز الذي يصنف جميع المسلمين في خانة التطرف والإرهاب،علينا محاربة المجرم ابن لادن الذي يقتل البشرية،علينا خلق روح التسامح وحب الأخر ونبذ التطرف،فما يجمع البشرية إنسانيتهم،وما يفرقهم هو عداوتهم المصطنعة من قبل ممثلي أديانهم على الأغلب.