مسألة الهوية عند الإسلام الأوروبي، تتلخص في كيفية قيام الجاليات المسلمة في كل بلد أوروبي، على صياغة علاقتها بمجتمعها الأوروبي هذا من جهة، ومن جهة أخرى كيفية استمرار علاقتها مع بلدانها الأصلية، وترتيب هذه العلاقات، بما يعزز الذات سواء الفردية أو الجماعية..والتي تتمحور حول سؤال الهوية نفسهquot; من أناquot;؟ وهذا السؤال أعتقد يضاف عليه سؤالا آخر في حالتنا وهوquot; أين أناquot;؟
هذه القضية كيف يمكن مناقشتها، في ظل وضع معقد كوضع الجاليات المسلمة في أوروبا، معقد من حيث انها جاليات من بلدان متعددة، ومن ثقافات متعددة، ومن عادات وتقاليد متعددة، ويراد لها أن تندمج في مجتمعات مختلفة عن تقاليدها وثقافتها، إضافة إلى خضوعها لسلطات متعددة...وهذا يحتم علينا ملاحظة الفارق مثلا بين الجالية التركية والباكستانية أي بين كل جالية إسلامية وأخرى، وخاصة العربية منها.
رغم كل هذه الفوارق وما يجب أن يتم التعامل معه غربيا بمفهوم المعرفة النسبية والتجريبية، إلا أن التصنيف قد حصل: المسلم في أوروبا، بغض النظر عن كل هذه التاريخية، وهذه الفوارق والتعددية الإسلامية الأوروبية، إلا أن قدر سياسي فرض أنهquot; كلهم مسلمون..حتى الملحد الوافد من بلد إسلامي! هو مسلم! لا بلquot; حتى المسيحي الشرقي يتم التعاطي معه أحيانا كمسلم...مع التمييز بين الفضاء الذي يتم التعامل فيه مع الهجرة عموما، والتعامل فيه مع الهجرة من البلدان المصنفةquot; إسلاميةquot;خصوصا..
الجالية التركية، لم تشكل تهديدا لما يزعم أنه تهديد إسلامي- هكذا بإطلاق- للمجتمعات الغربية، سواء إرهابيا أم ثقافيا، وهي تشكل الجالية المسلمة الأكبر والأكثر تنظيما والأقدم تواجدا..وهي الجالية المسلمة الأكثر عددا في الدول الناطقة بالألمانية. ثم أن هذه الجالية كان ولازال عماد ثقافتها التي أتت منها، هو مشروع الدولة التركية بما له وما عليه، وهو مشروع لا يتنافى مع ثقافة الغرب، ولا يشكل تهديدا له، بل هو مشروع لبيرالي بامتياز. والمؤسسات التي أقامتها وتقيمها هذه الجالية تعتبر مؤسسات مدنية، رغم أن فيها مؤسسات ذات بعد إسلامي، ولا ترتبط أي ارتباط بتركيا كأشخاص سلطوية، وعائلات مالكة، بل ترتبط بمشروع دولتها الصاعد ومجتمعها المدني أصلا...وهذه الحال ليست متوفرة لدى الجاليات العربية المسلمة، فهي في غالبية مؤسساتها، التي تنشأها، ترتبط بعلاقات مع سلطات دولها وليس مع مشاريع دولها كدول طبيعية، كتركيا، وهذا أمر مهم يجب علينا أخذه بعين الاعتبار، الجاليات التركية تريد سمعة تركيا كدولة تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي، بينما الجاليات الأخرى تريد سمعة سلطاتها وليس دولها، لنلاحظ أن الجالية السورية مثلاquot; أي مؤسسة تنشأ لديها يجب أن ترتبط بهذا الشكل أو ذاك بالسلطة القائمة وليس خافيا على أحد طبيعة هذه السلطة وما تريده، وأنا لا اتحدث عن مؤسسات هشة لبعض المعارضين السوريين. وهذا أيضا يمكن لنا أن ندرسه من خلال متابعة نشاط روابط المغتربين السوريين الذي تشرف على متابعته وزارة المغتربين في حكومة النظام في دمشق. روابط المغتربين ورجال الأعمال السوريين مهمتهم في أوروبا تلميع صورة النظام، والعمل لتأمين مصالح رجالاته الأكثر حظوة وقوة.
الجالية الباكستانية والمتواجدة بشكل كبير في بريطانيا ولأسباب تاريخية، لم يدخل لها الإرهاب إلا بعد أن قرر الغرب إقامة تنظيمات إسلامية لطرد السوفييت من أفغانستان..ونشوء حركة طالبان...وماجرى بعد ذلك..انعكس أيضا على هذه الجالية، ولكن بقيت السلفية المتشددة تشكل أقلية داخل هذه الجالية، ودون أن ننسى أن بريطانيا كانت خلال كل العقود الماضية اللاعب الأساسي مع الحركات الإسلامية منذ نشوءها في المنطقة العربية، والإعلام الغربي رغم نفخه بقضية الإرهاب، وانتشاره في الأجيال الجديدة، إلا أن نفس الإعلام في ماوراء أخباره وضجيجه، يعرض أن هذه كلها لم تجد تربتها سوى عند أقلية ضئيلة من هذه الجالية المسلمة في بريطانيا.
مثالا بسيطا آخرquot; لنلاحظ أن الجاليات المشرقية، فلسطينيين سوريين لبنانيين عراقيين أردنييين، يتعاملون مع بعضهم ومع العرب الأخيرين باللغة العربية، بينما الجاليات الجزائرية والمغربية والتونسية يغلب على تعاملهم اللغة الفرنسية في فرنسا وبلجيكا مثلا؟ سؤالي لماذا؟
أعطيت هذه الأمثلة بشكل مكثف وسريع، لكي أبين وجهة الحديث في موضوعنا الشائك هذا، وأريد أن أعود إلى سؤال الأناquot; هل المواطن المسلم في أوروبا هوquot; مسلمquot; أمquot; عربيquot; أهو ألماني أم تركي؟ مغربي أم فرنسي؟
أهو مسلم ومن يعيش في كنفهم كفار؟ أم هو مواطن مثله مثل بقية هؤلاء المواطنيين الذين يتعامل معهم؟ هل شكلت فرنسا وطنا للمواطن من أصل مغربي في وعيه، وفي ممارساته؟ تطرح مسألة الهوية، أيضا من زاوية هذه العلاقة المعقدة مع هذا الآخر، الذي أنعم بما تقدمه بلده لي! وأصبحت مواطنا لي ما له وعلي ما عليه- طبعا يجب أن نتعامل مع هذه القضية بحذر شديد، لأن هنالك من يقول: بأنهم رغم حصولهم على الجنسية لازال التمييز موجودا بين المواطنين الأصلاء والوافدين..!
الإسلام وراءه في بلاده، مستهدف، وقوميته مستهدفة، والغرب يحاول أن يفقد أمته خصوصيتها الدينية والثقافية! كما تصدره ثقافة بلاده إليه، وخطاب سلطاتها ومثقفيها، وإذا بقي مهمشا في مجتمعه الجديد تحدث له عقابيل ازمة نفسية واغترابية، فصاما يطرح عليه سؤال الهويةquot; من أناquot; إن مسألة الهوية يقول محمد عابد الجابريquot;quot; في الغالب quot;أزمة نفسيةquot;، أزمة على صعيد الوعي، قد تشتد لدى شريحة أو شرائح في المجتمع، إلى الدرجة التي تؤدي إلى طرح سلبي لمسألة الهوية. هذا في حين أن المسألة كلها تؤول في نهاية الأمر إلى إعادة التوازن داخل الوعي، الفردي والجماعيquot;quot;
ومن هنا يبدو واضحا أن معالجة مسألة الهوية، ككثير غيرها من المسائل، تتوقف على الطريقة التي نتعامل بها معها، وهل تمثل بعض المؤسسات الإسلامية التي تنشأ في بلدان الغرب جالياتها، وتساعدها في عملية الاندماج في أوطانهم الجديدة؟quot; يرى الباحث في العلوم الإسلامية وأستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة هومبولد في برلين، بيتر هاينه Peter Heine أنَّ في هذه الجمعيَّات بالذات ما يشير إلى نشوء quot;إسلام أوروبيquot; في ألمانيا؛ فحسب رأيه يثبت المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا والمجلس الإسلامي وكذلك اتِّحادهما في مجلس للتنسيق أنَّ هناك نية للاندماج داخل المجتمع المدني الألماني. ويلاحظ هاينه أنَّ quot;قبول مثل هذا التمثيل يتنامى لدى المسلمين الألمانquot;. ويراهن الباحث الألماني بيتر هاينه على ما يسميهquot; إسلام أوروبيquot; حيث أنه: متفائل بنجاح سير هذه العملية الاندماجيةquot; التي تقوم بها حكومة بلادهquot; قائلا إنَّ quot;الإسلام في جوهره نظام مرنquot;؛ ويضيف أنَّ الإسلام قد اندمج على مدى تاريخه مرارًا وتكرارًا في مجتمعات مختلفة. لهذا السبب فإنَّ الإسلام مصبوغ في الهند أو في شرق إفريقيا بصبغة مختلفة عن صبغته مثلاً في العراق. ويقول هاينه إنَّ quot;الكثير مما ما يزال يدعو له في يومنا هذا بعض الدعاة الإسلاميين مثلاً من أبناء الدول العربية لم يعد يتَّفق مع طبيعة حياة معظم المسلمين في أوروباquot; انتهى قول هاينه.
نعم لماذا المشكلة إذن في اندماج الإسلام العربي؟ هذا سؤال أسئله رغم تفاؤل بيتر هاينه بذلك..
وقبل أن أنهي هذا الجزء، لابد من التأكيد على أن النقاب في مؤداه الأخيرquot; كما هو جاهزية سياسيةquot; يتم التعاطي معهquot; سياسياquot; أيضا،أما الحديث عن حقوق المرأة المنقبة، يجب أن يمر عبر بوابة التمييز بين منقبة بالقسر، وبين منقبة بخيارها هي...يتبع