(خسارة أن ينتهي هذا العقل للتراب بدون عمل مؤثر) كلمات رددها المهندس عدلي أبادير عدة مرات لأقرب شخص له، (حرام هذا العقل والفكر يضيع بدون عمل فعال لرفع الاضطهاد عن الأقباط الغلابة.. حرام ألا أعطي عصارة فكري وعقلي في عمل بناء يساعد أهلنا المضطهدين...).

هذه كلمات المهندس عدلي فقد كان أسلوب حياته مثل المناضلين الذين دفعوا حياتهم من أجل قضية يؤمنون بها فبدأ عمله بمؤتمر زيورخ في شهر سبتمبر 2004 ونال نجاح ورفع القضية عالمياً وكان يردد دائماً النجاح يغري بالنجاح فعقد مؤتمر واشنطن عام 2005 وتلاها مؤتمرات أخرى لم يكلَّ ولم يملَّ أتم عمله بحب وتفاني للنفس الأخير، وتميز بالأمانة في عمله وفي تعليمه لمن حوله كان يعطيك حب لا نهائي، ولكنه مثل سيده كان عادل وأمين...

إليك بعض نبذات توضح كيف كان المهندس عدلى معلم من الدرجة الاولى، كان يعلم من حوله باعمال ليس بكلمات فارغة ففى نبذة مختصرة عن هذا العملاق الراحل جسديا فقط :

تبنى المهندس عدلي أشخاص من دول مختلفة ضمهم إليه في حب أبوي عجيب كان صبورا وقاسياً في تعليم من حوله، لما لا وكان قاسياً على نفسه يومياً سهر للرابعة صباحاً.

كان شعاره دائماً quot;Practice what you Preachquot; كان يواظب على القراءة أربع ساعات يومياً يبدأ بقراءة الصحف الإنجليزية والأمريكية والألمانية والفرنسية وفي مرضه كان يجهد نفسه أكثر في القراءة والعمل ليثقف نفسه ويقف على الأحداث العالمية أولاً بأول حينما طُلِب منه يوماً للراحة نظرا لتعبه الشديد صرح لي أن كل يوم بلا تعليم لا يحسب من عمر الإنسان وكان يؤكد (في مرضي أبذل مجهود مضاعف طبقاً للمثل الألماني quot; Kopf Ablenkung quot; اهتمام العقل بالقراءة والتعلم يجعلك تتناسي الآمك).

يوم لن أنساه: سافر المهندس عدلي إلى لوجانوا وكان عادته يعمل هناك بلا تهاون وأرسلت له فاكس هام فإذ به يخبرني بعدم وصول الفاكس وأنا أؤكد إرسالي للفاكس ومعي ما يثبت ذلك..

فقال: أرسله مرة أخرى فأرسلته له ولم يصله فأرسلت quot;Confermationquot; لأؤكد له عدم خطأي فإذ بي أرسلت له المرات السابقة لفاكس مدينة زيورخ وليس مدينة لوجانوا ويومها استمر تعنيفه لي أسبوعين متتاليين...

وقال لي: أنأ لازم أعلمك الدقة والإتقان والمراجعة.

احتضن المهندس عدلي الكثيرين واعتبرهم أبناءه مثل أخينا شريف منصور بكندا المتميز بحماسة الشباب فكان يرسل يومياً 3 مقالات فاتصل به المهندس عدلي وعنفه جداً وقال له (يا ابني ركز وخليك دقيق وأنت مهندس وتعرف أن الخط المستقيم هو أقصر الخطوط) وها هو الآن المهندس شريف منصور يُعتَبر من ابرز نشطاء العمل القبطي بكندا.

كاريزما عجيبة تميز بها المهندس عدلي أيضاً في تعليمه أحياناً يقسو بأسلوب حاد وأحيانا في سخرية تجعلك تضحك ولكنه في كلتا الحالتين لا يضيع الهدف من أمام عينيه.

ذات مرة أعطاني عدد من الكروت الشخصية لتصويرهم في الماكينة الخاصة بطبع الأوراق وقبل أن أعطيه صورة الكروت أخذها وقال لي: أحكيلك حكاية مرة ذهب شخص لا يعرف القراءة الكتابة إلى صالون الحلاقة فإذ به يقرأ الجريدة بالمقلوب فسخر من الحلاق قائلاَ إيه أخبار الدنيا يا حاج؟ فقال الدنيا مقلوبة ما أنت شايف العجلة فوق الرجل quot;كانت الصورة الرئيسية بالجريدة شخص راكب عجلةquot; فأخذت في الضحك وإذ به يقول لي: (أهو أنت عملت ذي الرجل تمام ليه الكارت ده مقلوب؟).

تميز المهندس عدلي بشخصية عجيبة وهي سؤال كل من يثق فيه من الكتاب والصحفيين والمثقفين للتحقق من موضوع ما فكان يدوام الاتصال بالآنسة لبنى حسن التي أطلق عليها لقب هدى شعراوي القرن الواحد وعشرين ليعرف رأيها في شيء هام والأستاذ نبيل شرف الدين وآخرين يصعب حصرهم في مقال فكان يتعلم من الجميع وأذكر أنه كان يتصل بأحد الصحفيين للإستعلام عن شيء ما وبعد المكالمة يشكره المهندس عدلي قائلاً (المحكمة اتنورت).

ورقة وقلم

كلما اتصل المهندس عدلي بي كان سؤاله الأول: هل لديك ورقة وقلم؟

أجيب: نعم...

فكان يطلب عدداً من المواضيع والمقالات والخطابات وذات مرة عرفت منه أنه ينام وبجانبه ورقة وقلم وكلما أتت فكرة ما لذهنه يدونها لصباح اليوم التالي وأكد لي: إن أعمالنا كثيرة لذا يجب أن ندون كل ما نريد عمله في اليوم ونلغي ما تم إنجازه في نظام قاسي عجيب ضد نفسه شخصياً أولاً.

جعلنا نناقشه في كل شيء وشعاره: (أنت لك أن تقول رأيك ولكني أقرر ما أنا فاعله) فكان خلال كتاباته وتسجيلاته يكرر عدة مرات متتالية فكرة يريد إيصالها للقراء أو المستمعين فكان يعلمنا دائماً أننا نقول الحقيقة ونركز عليها لأننا بذلك ندعها في الأذهان ويردد لنا مقولة جوبلز quot;الكذبة المعادة تطبع في الأذهان أفضل من الحقيقة المنسيةquot; فكان يعيد تذكار الحقيقة عن اضطهاد الأقباط مرات ومرات لتثبت في الأذهان ولا يمحوها الكذب المعاد من الإعلام المصري الموجه.

كان ذو قلب محب يسمع للكل: فكان يتصل به العديدون يشكون من زملاؤهم في رحلة النضال فكان يصر على تعليمهم الطريق الصحيح ويقول لهم نحن عددنا قليل لا يصح أن نستهلك طاقاتنا في مشاكل فردية وقيل وقال... ونوجد مشاكل تعوقنا عن عملنا الأساسي ويجب أن نركز على تجميع الإيجابيات في كل شخص quot;Power plus not power Minusquot;.

quot;لا تجعل الآخرين يقودون عواطفك نحو الناسquot; علمها لنا المهندس عدلي أبادير بأعمال وليس بكلمات فكان يسمع للكل ولكن لا يعطي أذنيه لأحد ما، وهكذا... تعلمنا منه عدم الإنقياد لأقوال أي شخص بل علينا تحري الدقة والصدق والمواجهة فتعلمنا منه أن نكون راسخين كالجبال لا ننقاد بأقوال البعض وان ننقاد للحق فقط.

إحترام الرواد: تعلمنا منه احترام الرواد فكان دائماً يردد اسم شوقي كراس والدكتور سليم نجيب والأستاذ الفونس قلادة أنهم رواد العمل القبطي وكان دائم التواصل معهم لمعرفة آخر الأحداث فتعلمنا منه احترام الرواد الأوائل والسير على دربهم وفوق ذلك التواضع الجم الذى تميز به.

عدم المجاملة والثبات على الحق: قابل المهندس عدلي الدكتور أحمد كمال أبو المجد النائب السابق لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان ثلاث مرات وفي المرة الثانية أراد الدكتور أبو المجد عمل لفتة جميلة بأن قال للمهندس عدلي أدعوك لمقابلة أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان فإذ بالمهندس عدلي يعرب عن رفضه ويضيف (أنتم لا تملكون من أمركم شيئاً)... في صراحة متناهية بدون مجاملة.

عدم تمييع الأمور: صفة أصيلة تعلمناها من المهندس عدلي ففي مؤتمر 2005 لم يوافق أحد أعضاء لجنة إصدار القرارات على تعبير quot;اضطهاد الأقباطquot; فكنا رده (طبقاً لميثاق الأمم المتحدة... ماذا يحدث للأقباط بما يوصف؟ هل يوصف اضطهاد أم تمييز؟) فكان الرد اضطهاد فأصر على تعبير اضطهاد وخرجت التوصيات لتوضع الأمور في نصابها الطبيعي.

طرائف:

قابل أحد الكُتَّاب الكبار المهندس عدلي وفي لحظة محبة بينه وبين الكاتب قال له: يا باشمهندس أنت رجل كريم طيب جاد صادق أمين ولكنك لست سياسياً فكان رده: ماذا تعني بذلك أنا لست سياسياً ؟

فقال: له أنت بتقول للأعور أنت أعور في عينه..

ورد المهندس عدلي: متسائلاً أمال أقول له إيه؟؟

قال له: لا.. تقول له أنت بتشوف بعين واحدة...

فقال له المهندس عدلى الخط المستقيم اقصر الطرق بين نقطتين.

فضحكنا جميعا وتعلمنا منه الصدق في كلمة الحق.

ذكرت في مقالي السابق عن الحب في حياة أبينا المهندس عدلي أبادير يوسف الغائب عنا جسدياً أنه يحمل الكثير من المتناقضات فى شخصه ولكنها تعمل بشكل هارموني داخل نفسه فقد رأيته عدة مرات يقسو في عتابه لعدد من الأخوة النشطاء فقلت له: لماذا كنت حاداً مع الأخ...

فكان رده يا إبني أردت إصلاحه لنفسه أولاً وثانياً للقضية القبطية.


الراحل عنا جسدياً المهندس عدلي أبادير يوسف لم يكن مدرسة لمن حوله بل كان أكاديمية عاشت بيننا شربنا منها وتعلمنا فيها تعلمنا الوطنية والصدق والحب والموضوعية تعلمنا منها كيفية الثبوت على الرأي خاصة في الحق لقد نال الكثير من سهام الإعلام المخترق والمؤدلج لكنه ظل يدافع إلى النفس الأخير ووقف العديدين ضده ولكنه قال قول القديس أثناسيوس الرسول حينما قيل له العالم ضدك يا أثناسيوس صاح قائلاً وأنا ضد العالم... هكذا أبينا المحبوب وقف ضد العالم ليعلم الجميع الصدق والثبات في الرأي وأخيراً نال حب وتقدير واحترام أعداءه قبل أصدقائه.

أبينا الغالي الراحل جسدياً الساكن فينا فكرياً وأيديولوجياً نلت حب الجميع بأعمال أمينة حفرت اسمك في سجل الخالدين العظماء علمت كل من عرفك وقرأ لك كيفية الصمود والتحدي وحب الخير للجميع.

لاسمك كل حب واحترام وتقدير

مدحت قلادة

ابن من أبنائك الكثيرين حول العالم

[email protected]