بدأت قصتي مثل أغلب قصص الحب.. فجأة وبشكل مباغت ومن دون تخطيط في بداية وصولي الى الولايات المتحدة الأميركية.. التقيتها في مكان عملها، فاجأتني رقتها لم أكن أتصور ان اجد أمرأة بهذه الدرجة من الرقي الأنساني.. دائما أتساءل: ماالذي يجبر الناس على التعاطف الانساني مع بعضهم البعض بشكل عفوي نبيل؟

مشكلتي الدائمة هي في اعتقادي انني اكثر انسان على وجه الأرض يتمتع بطيبة القلب والنبل والكرم، ولايمكن ان يوجد من هو اكثر طيبة مني، وبناءا على هذا الأعتقاد استغرب اذا ما صادفت انسانا طيب القلب كريم النفس... وأظل أحلل دوافعه النفسية الشعورية واللاشعورية لأتأكد هل ان سلوكه الطيب هذا هو سلوك اصيل وعفوي ام هو بدافع ضغط عامل نفسي معين، و ابقى متشككا بقدرته على الثبات الفكري والعاطفي واتوفع منه كل لحظة التبدل والتقلبات المزاجية، وأتسأءل: متى سيتبدل نحو الأسوأ ياترى؟

تكررت لقاءاتي بها، وكان الحدث اللافت هو حالة المرح والمزاح التي تسود اللحظات التي كنت أقابلها فيها، كانت لحظة اعطائها لي رقم تليفونها الشخصي معجزة لاتصدق، خرجت مذهولاً من مكان عملها، وهرعت الى البيت وكتبته على جدار غرفتي خوفا من ضياعه، واشتعلت اسلاك التليفون بالحوارات والمزاح والضحكات... و سرعان ما أخبرتها بحبي لها ورغبتي بالزواج منها، فالحب هو تحطيم كل ماهو واقعي وعقلاني... وإلا يصبح حدثا عاديا مالم يتجاوز المألوف ويكسر المعتاد ويتصرف بجنون.

حينما تحب أمرأة تشعر ان حياتك اصبحت مهددة بالكثير من القلق والمخاوف، ولعل الانتقال والتحول من عالم الحياة الفردية الى ربط حياتك وافكارك ومشاعرك بانسانة أحببتها... هذا التحول بقدر ماهو حدث عظيم، فأنه مخيف جدا عندما تتوقع حصول الفراق والانفصال ويجعلك تتخيل قساوة الحياة الموحشة من دون المحبوب، فمن مزايا الحب وخطوره ايضا هو انه يكشف لنا عن مدى فقر وبؤس حياة العزلة والفردية التي عشناها سابقا قبل الحب، وبفضل مشاعر الفرح والسعادة والمعنى الذي يعطر به الحب حياتنا نصبح أسرى له ومرتهنين لأقداره، ويغدو امر العودة الى حياة ما قبل الحب من أصعب المراحل النفسية والفكرية على الشخص الخائب في حبه!

كنت اكثر عاطفية ورومانسية منها، فهي يسيطر عليها عقل منطقي عملي، زائدا اختصاصها في الرياضيات برمج طبيعة تفكيرها وفق المعادلات الرياضية الصارمة، وما بين الافراط في عواطفي واوهامي، وبين صرامتها وظروفها الشخصية وخياراتها البعيدة عني.. انا معلق بحبل سوء حظي وتعاستي واستسلامي للاقدار والظروف وما يكتبه المجهول من قرارات وافعال، اذ اني لست من اصحاب الشعارات المثالية التي تدعي ان الانسان هو صانع قدره وحياته ومصيره بيده... بل اعتقد ان الانسان ألعوبة بيد الظروف والحظ والاقدار، وهامش الحركة والحرية والأرادة ضئيل جدا لديه، ومامن انسان ناجح إلا لأنه لديه قدر خفي وحظ سعيد مكنه من النجاح.

في الحب تنتمي الى انسان آخر وتتخلى عن فرديتك، وفي الحب تتحرك في داخلك حياة جديدة اخرى.. هل حب الرجل للمرأة هو فعلا استعادة لعلاقته بأمه، وحب المرأة للرجل هي الاخرى استعادة لعلاقتها مع ابيها؟.. ولكن ماذا لو كانت هذه العلاقة سيئة بالأم والأب.. هل يكون الحب هنا تعويض عن الحرمان.. أم انه أكبر من هذه التصنيفات والتفسيرات الضيقة؟

في آخر رسالة بعثتها لي كتبت: (( اغفر لي تأخري في الرد على رسائلك )).

ياللمفارقة.. كيف يطلب المعبود المغفرة ممن يتعبد به... كيف يطلب السماح مني من أنشد انا رضاه ومغفرته... هذا ليس عدلاً، المفروض أنا من يتقدم لها بطلبات إلتماس المغفرة والاعتذار عن اقتحامي لحياتها.

[email protected]