القصف الجوي التركي الأخير لمناطق quot;قنديلquot; في اقليم كردستان العراق، والذي شاركت فيه 20 طائرة حربية، اسفر عن فقدان خمسة مقاتلين كرد لحياتهم وجرح أربعة آخرين. قبل ذلك جرت مواجهات كبيرة بين قوات الجيش التركي ومجموعات كردية مقاتلة في عدة ولايات من كردستان الشمالية أسفرت بدورها عن فقدان عدد من المقاتلين الكرد وقتل العشرات من جنود الجيش التركي.
حكومة حزب العدالة والتنمية طوّت ماأسمته بquot;مشروع الإنفتاح الكرديquot; وحسمت أمرها في الحرب والعمليات العسكرية. ثمة تحركات كبيرة للجيش التركي بإتجاه الحدود مع اقليم كردستان العراق. قبل شهر حاولت وحدة عسكرية تركية التوغل في أراضي الاقليم من جهة منطقة quot; الزابquot; فوقعت في كمين للمقاتلين الكرد، وكانت الحصيلة مقتل 6 جنود أتراك. ثمة إذن تطور في إتجاه التصعيد والمواجهة. سياسيا، تتابع الحكومة التركية تصفية حزب السلام والديمقراطية، خليفة حزب المجتمع الديمقراطي المحظور، ومنعه من التمدد الجماهيري في مناطق وولايات كردستان الشمالية، متسلحاً بالإنتصار السياسي في الإنتخابات البلدية السابقة، حيث ضاعف الحزب من المساحة التي يسيطر عليها، فإستحوذ على 43 بلدية جديدة، بينها مدن quot;وانquot; وquot;سيرتquot; وquot;إيدرquot;، وميناء quot;آكدنيزquot; التركي المهم، المطل على البحر الأبيض المتوسط. حزب العدالة والتنمية إعتقل حتى الآن 1500 مسؤول وكادر سياسي ورئيس بلدية من ملاك حزب السلام والديمقراطية، وبين هؤلاء أناس لهم مكانتهم الجماهيرية والميدانية التي لاتعوض مثل: البرلماني السابق ورئيس مؤتمر المجتمع الديمقراطي خطيب دجلة، ونجدت آتالاي رئيس بلدية quot;باتمانquot;، وعبدالله دمرباش رئيس بلدية quot;سورquot; التابعة لولاية quot;ديار بكرquot;، والذي أطلق سراحه مؤخراً بسبب المرض الذي ألمّ به. الحكومة التركية اختارت تصعيد الحرب ضد حزب العمال الكردستاني. هناك إحتمال كبير في ان تجتاز القوات التركية حدود اقليم كردستان العراق وتقوم بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد قوات الكردستاني. وقد لاحظ شهود عيان في الفترة الأخيرة حراكاً عسكريا تركيا في قاعدة quot;بامرنيquot; العسكرية التركية داخل اراضي اقليم كردستان. سياسة الحزب الحاكم في تركيا والتي تقوم علىquot; تصفيّر المشاكلquot; مع الجيران ترمي إلى تحقيق الهدف الأكبر وهو القضاء على حزب العمال الكردستاني، أو اضعافه في أسوأ الإحتمالات. وهذه السياسة التي وضعها وزير الخارجية الحالي أحمد داوود أوغلو، أتت ببعض quot;النجاحquot; إذما جاز التعبير. ثمة الآن محاولة جديّة لتوريط القوى السياسية في اقليم كردستان العراق في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني. أنقرة وبتشجيع من الولايات المتحدة الأميركية، وضمن إطار ما تعرف بquot;اللجنة الثلاثية لمكافحة حزب العمال الكردستانيquot;، وجهّت الدعوة الى رئيس الاقليم مسعود البارازاني لزيارتها، وفي الفترة الماضية طارّ نيجيرفان البارازاني، المسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس الوزراء السابق، إلى العاصمة التركية حيث أجرى لقاءات كثيرة وعقد صفقات تجارية كبيرة مع بعض أقطاب الحزب الحاكم، منهم نائب أردوغان الشخصية الكردية المتنفذة والوفية للإيديولوجية الرسمية: دنكير محمد فرات، كما أفادت بذلك بعض المصادر. وكان محمود سنكاوي، نائب قائد قوات البيشمركة التابعة للإتحاد الوطني الكردستاني قد هدد قبل أيام بquot;قتال قوات حزب الحياة الحرة الكردستاني فيما لو واصلت الهجوم على القوات الإيرانية إنطلاقاً من أراضي الإقليمquot;!. يمكن القول أن سياسة داوود أوغلو في التعامل مع الكرد في العراق قد حققت بعض النجاح، حيث إعتمد أوغلو وفريقه على الترهيب تارة وعلى الترغيب طوراً وإشتغلوا على أكثر من جهة وملف لتطويق القوى الكردية واضعاف موقفها الإستراتيجي. فقد تم تحجيم ملف كركوك لدى القيادة الكردية بعد إنتصار قائمة quot;العراقيةquot; هناك، وتم التباحث مع إياد علاوي رئيس القائمة والمرشح لمنصب رئيس الوزراء، والذي زار أنقرة للقاء أردوغان بعد الإنتخابات مباشرة، على ضرورة التشدد مع المطاليب الكردية في كل من كركوك والموصل، مقابل الدعم التركي لقائمته. المتتبع لحال اقليم كردستان سيتكشف حجم المشاكل التي تضاعفت في العامين الأخيرين. فخارطة القوى السياسية قد تغيّرت بشكل ملفت وظهرت قوى جديدة تنافس كل من الحزبين الكبيرين: الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. بل وأصبحنا نرى سياسياً مغموراً يحقق نسبة 25% من الأصوات في مواجهة شخص كمسعود البارزاني في إنتخابات رئاسة الاقليم. الآن ثمة مشاكل أكبر فيما يخص العلاقة مع بغداد والملفات العالقة كالمادة 140 وكركوك وبعض مناطق الموصل. هذا ناهيك عن وجود آفات مستحكمة مثل إنعدام الحريات وواقع الفساد والإعتماد الكلي على دول الجوار وطغيان ثقافة الإستهلاك وغياب التخطيط وإنعدام الشفافية فيما يخص كيفية إنفاق عوائد النفط، والثراء الفاحش الذي حققه بعض المسؤولين...الخ. الحكومة التركية تراقب الوضع الداخلي للإقليم الكردي المستقل منذ 1991 عن كثب. تركيا لديها مراكز ابحاث وأجهزة وفرق الإستخبارات التي تحلل وتنقل التطورات وتضع الخطط المناسبة لخلخلة الجبهة الداخلية الكردية وتقوية الموقف التركي. وهذا الكلام يشمل كل القطاعات الكردستانية التي تتغلغل فيها أنقرة وعملاؤها من سياسة وتسليح واقتصاد بل وحتى إعلام وصحافة. ناهيك عن دعم الجبهة التركمانية( حليفة علاوي في كركوك) وبعض الأحزاب الإسلامية الكردية والجماعات العشائرية المرتبطة سابقاً بنظام صدام حسين، وامدادها بالأموال وإفتتاح محطات التلفزة والإذاعة لها، في ظل غياب شبه كامل لسلطات الإقليم. حزب العمال الكردستاني بدوره لديه خططه في مواجهة السياسة التركية الجديدة. القادة الميدانيون في الحزب أعلنوا عن استعداد القوات الكردية لردع الجيش التركي والحاق خسائر كبيرة به تجبره على التقهقر والإندحار كما حصل في شتاء عام 2008. الزعيم الكردي الأسير عبدالله أوجلان وفي آخر تصريح له من سجن جزيرة إيمرالي النائي، حيث يٌحتجز هناك منذ عام 1999، قال بانه سينسحب من المشهد السياسي نهاية شهر أيار الجاري فيما لو واصلت الحكومة التركية سياسة الحرب والتصعيد ورفضت حل القضية الكردية بالحوار والتفاوض. أوجلان أشار إلى مشروع quot; خارطة الطريقquot; الذي طرحه قبل أشهر ووضعت حكومة العدالة والتنمية يدها عليه، وأوضح بأنه فعل مايستطيع من أجل تحقيق السلام والحل ووقف إراقة دماء شباب الكرد والترك، ولكن الطرف الآخر لم يسمع وفضل التصعّيد. قوات حزب العمال الكردستاني تضاعف عددها في الأعوام الثلاثة الأخيرة. لقد كانت لحملة الحرب التركية وللقمع الذي طال الساسة الكرد ولحوادث التقتيل التي تعرض لها المتظاهرون وخصوصا الأطفال منهم، اضافة الى الإنتصارين: السياسي في الإنتخابات البلدية والعسكري في مواجهات quot; زابquot; أبلغ الأثر في توجه آلاف الشابات والشبان الكرد لقواعد حزب العمال الكردستاني. والدولة التركية تعرف مدى التوسع الكبير في بنية القوات الكردية، وتعرف بإن أي رهان على المواجهة سيكون مكلفاً لتركيا. سياسة quot;تصفيّر الأزمات والمشاكل مع الجيرانquot; قد تبدو صائبة ومفيدة لتركيا في الوهلة الأولى، ولكنها، وفي قراءة ثانية، تبدو كارثية ومدمرّة أذما نظرنا في حدّها الآخر: تصعيد حرب الإبادة الداخلية والزج بنصف الجيش في حرب مع جهة سياسية وعسكرية قويّة تحظى بتأييد الملايين من البشر ولديها تمترس قتالي عمره 30 عاماً!.
التعليقات