قضت محكمة القضاء الادارى يوم الثلاثاء الموافق 14مارس 2006 بإلزام الكنيسة القبطية بمنح المطلق ترخيصا للزواج مرة أخرى، ويوم 29 مايو 2010 أيدت المحكمة الإدارية العليا حكمها السابق ورفضت طعن الكنيسة على الحكم الاول.
لقد فتح هذا الحكم قضايا عديدة ومتشابكة، وفى هذه المقالة نطرح أحد هذه المحاور والمتعلقة بالنظرة إلى توصيف الأحكام.
هناك مقولات فى مصر من كثرة ترديدها اصبحت اصناما مقدسة يخشى الجميع الاقتراب منها، من هذه المقولات quot; الحكم عنوان الحقيقةquot;، وهى مقولة فاشية لا نظير لها فى العالم كله ولا تتردد فى أعرق النظم القضائية فى العالم، فهى تضع المحكمة ضمن فئة أدعياء quot;ملاك الحقيقة المطلقةquot;، وتؤسس للفاشية، وترهب كل من يحاول الاقتراب من هذه الأحكام بالتحليل أوالنقد.فإذا كانت الأحكام عنوانا للحقيقة العامة أو الحقيقة القانونية فكيف لأمثالى أن يقتربوا منها بالنقد أو بالتعليق، ولهذا فأن مقولة الحكم عنوان الحقيقة تؤسس لمقولة فاشية أخرى وهى quot; لا تعليق على الأحكام القضائيةquot;.. هذه المقولات تنفى بالطبع وجود أحكام مسيسة يعرفها القاصى والدانى حتى أن وكيل نقابة المحامين ذاته أتهم القضاء بتسيس الحكم ضد أثنين من المحامين كما جاء فى المصرى اليوم بتاريخ 10 يونيه 2010 quot;واتهم وكيل النقابة العامة بأن هناك توجيهات بإصدار حكم وأن القضية laquo;مسيسةraquo;، وهو ما أثار حفيظة رئيس المحكمة وترافع عدد كبير من المحامين الذين استندوا إلى أن التحقيقات شهدها العديد من عدم الجدية والنزاهةquot;.
فهل الحكم الذى صدر بتفريق نصر حامد ابو زيد عن زوجته ابتهال يونس هو عنوان للحقيقة؟، وهل الأحكام التى حصل عليها الشيخ يوسف البدرى ضد المفكرين والفنانين امثال احمد عبد المعطى حجازى وجابر عصفور ويوسف شاهين ونصر حامد ابو زيد.. والقائمة تطول، هى عنوان للحقيقة؟، وهل الشيخ يوسف البدرى هذا رجل خارق يكسب كل قضاياه ضد كبار المفكرين فى حين يخسر اصحاب القضايا العادلة قضاياهم، أم أن هناك شيئا آخر فى هذه اللعبة القضائية؟، وهل حكم تبرئة قتلة 21 قبطيا فى الكشح هو عنوان للحقيقة؟، وهل تبرئة معظم المعتدين على الأقباط فى حوادث العنف الممتد لعقود مع بعض الأحكام الواهية التجميلية هو عنوان للحقيقة؟، وهل الأحكام التى تقف بالمرصاد لحرية العقيدة وللحريات الدينية ولحقوق المواطنة وتعاديها وتفرغ الحقوق الدستورية من مضمونها هى عنوان للحقيقة؟، وهل الأحكام المسيسة ضد المعارضين السياسيين وبعض الناشطين الحقوقيين هى عنوان للحقيقة؟ وهل القضاة الفاسدون والذين ضبطوا بتلقى رشاوى ونشرت عنهم الصحف وغيرهم ممن تورطوا فى قضايا فساد أخلاقية كانت أحكامهم عنوانا للحقيقة؟، وهل القضاء الأستثنائى هو عنوان للحقيقة؟، وهل حكم مجلس الدولة بعدم تعيين المرأة قاضية الصادر فى فبراير 2010 بحجة أن القضاء ولاية ولا يحق ولاية للمرأة على الرجل، وبحجة حمل المرأة ورضاعها للطفل يؤثر على سير العدالة، فهل هذا الحكم وهذا الكلام المهترئ هو عنوان للحقيقة؟ وحسنا علق عليه سعد هجرس فى المصرى اليوم 23 فبراير 2010 فى مقالة معبرة بعنوان quot; حكم ظالم فى يوم مظلمquot;.
أن أقصى ما يمكن أن يصل اليه حكم من العدالة هو أن يكون مطابقا للقانون، ولكن هذا يفترض عدالة القانون وصدوره بطريقة ديموقراطية تعبر عن الإرادة الحقيقة للشعب، ويفترض مثالية القضاة، ويفترض عدالة كافة الإجراءات المتعلقة بالقضية ومطابقتها لنص وروح القانون، ويفترض انتفاء عناصر الإجبار أو الضغط أو الوعود والترغيب على كل أطراف العملية برمتها. وهذا لا يحدث حتى فى أعرق النظم القضائية فى العالم، ولهذا تعزل هيئة المحلفين عن تأثير الرأى العام فى القضايا التى تتداول فى وسائل الرأى العام حتى لا يتأثروا بأراء مسبقة عن القضية، وهذا ما حدث فى قضية اوجى سمسون الشهيرة بكاليفورنيا.ولا ننسى الصراع بين الحزبين الجمهورى والديموقراطى على تعيين قضاة المحاكم الفيدرالية العليا، لأن رأى القاضى وافكاره سواء كان ليبراليا أو محافظا تؤثر على تفسير الدستور والقانون.نحن هنا نتكلم عن نظام قضائى عريق ومستقل بكل معانى الكلمة، فماذا عن نظام قضائى هو أفراز لنظام فاشى وصورة من مجتمع متخلف محكوم بالحديد والنار من خلال نظام أمنى بوليسى ثيؤقراطى يتدخل فى كل شئ بما فى ذلك المعتقدات الشخصية للأفراد وعلاقتهم بربهم.
لقد أعلن آل جور بعد هزيمة أمام جورج دبليو بوش عام 2000 بقرار من المحكمة الفيدرالية العليا، وهى أعلى محكمة أمريكية بأن هذا القرار ظالم ولكننى سوف اقبله لأنه لا توجد آلية ديموقراطية أخرى للأحتكام اليها؟.
أن الخوف والرعب من التعليق على الأحكام القضائية فى مصر يجعل المتحدثين يفتتحون كلامهم بعبارة نمطية quot;مع أحترامى لحكم القضاءquot;، وهى جملة لا محل لها من الاعراب وكأنك تقول مع احترامى للظلم، فهل من المنطق والعقل والاخلاق والعدل أن نقول مع احترامى لحكم مثل الذى صدر ضد نصر حامد ابو زيد؟ وهل من الاخلاق والعقلانية أن نحترم حكم يصف النساء بأنهن ناقصات عقلا ودينا؟.
أن المستشار محمد احمد الحسينى الذى تمسح بالدستور وبالحقوق الدستورية وبالمواثيق العالمية فى حكمه الأخير ضد الكنيسة بقوله quot;ومن حيث موضوع المنازعة فإنه يتعين التقرير بأن التشريع المصرى وفى الصدارة منه الدستور قد حرصا على حماية الأسرة بغض النظر عن العقيدة التى تدين بها، وأقر المشرع لكل مواطن حقه الدستورى فى تكوين أسرته بما يتفق والعقيدة التى ينتمى إليها وفى إطار منظومة تشريعية تتخذ من أحكام الدستور والقانون السند لحماية الحقوق والحريات مع تحديد الواجبات اللازمة فى التنظيم الأسرى.
ومن ثم فليس مقبولاً من أى جهة دينية أن تلتحف بخصوصية بعض الأحكام الدينية لديها، مما قد يختلف الرأى بشأنها لدى آخرين ممن يتبعون تلك العقيدةquot;.

كما هو واضح أن المستشار محمد الحسينى هنا تمسح بالدستور والتحف به على حد تعبيره، ولكن هو نفسه الذى ضرب بالقانون والدستور عرض الحائط فى قضية المتحول محمد حجازى رقم 35647 لسنة 61 قضائية والتحف كما ورد نصا فى حكمه بالنظام العام الإسلامى والمادة الثانية من الدستور، ففى كل مرة هو يلتحف بشئ مختلف المهم هو تحقيق ما يراه يدعم الدولة الدينية الإسلامية، وهذا ليس بغريب على شخص خريج كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهرعام 1978، فالشريعة لديه مقدمة على الدستور والقانون والمواثيق الدوليةن ولهذا جاءت معظم أحكامه لترسخ الدولة الدينية.
وقد وصف محمد حجازى فى حكمه بالمرتد رغم عدم وجود قانون للردة وقال بالنص quot; ومن حيث جرم الارتداد عن الإسلام قديم قدم الدعوة للإسلام كدين سماوى... وإذا حفل الفقه الإسلامى بخلاف حول حد الردة فان جميعهم لا ينكر عظم جرم المرتد واعتدائه على الإسلام، وإذا خلت التشريعات المصرية من نص صريح يحدد هذه الجريمة فعلا وعقابا فأن القاضى الادارى حال مباشرته لدوره الدستورى والتشريعى بالفصل فى المنازعات الادارية المتعلقة بما يدعيه المرتد حقا له لا يقف فى انتظارا لفتوى تصدر من رجل دين أو مؤسسة دينية مهما كان قدرها الدينى، وانما عليه واجب الالتحاف بالنظام العام الذى يدميه النيل من دين الوطن الرسمى الذى استقر فى وجدان اغلبية الشعب المصرى على اثم الخروج على احكامه وجرم الارتداد عنهquot;. أين الدستور والقانون والمواثيق الدولية من هذا الحكم، حتى وصل الأمر بالقاضى بالإفتخار بأنه قفز على الدستور والقانون ولا ينتظر هذا أو ذاك بل حكم مباشرة من وحى ضميره الدينى ومعتقداته الدينية، وهذا يعد اعتداء على القانون والدستور. هذا هو ميراث الدولة الدينية التى يدافع عنه رئيس مجلس الدولة فى معظم أحكامه، فهل يصلح مثل هذا الشخص للفصل فى المنازعات المتداخل فيها العقائد الدينية المختلفة؟.
لقد صدق البابا شنودة بقوله أن التعليق على الحكم ليس خطيئة، وحسنا قال نحن نحترم القانون ولم يقل نحترم الحكم، بل واضيف أن التعليق على مثل هذه الأحكام ونقدها ورفضها هو واجب وطنى من آجل تحقيق العدالة بمفهومها الحقيقى فى مصر.
إذا كانت هذه الأحكام عنوانا لحقيقة ما فهى عنوان لحقيقة أن مصر دولة دينية، ونحن نرفض الدولة الدينية ومن ثم نرفض مقولات مثل الحكم عنوان الحقيقة، ولا تعليق على الأحكام... وبالطبع لا نحترم مثل هذه الأحكام الظالمة.