من مفكرة سفير عربي في اليابان

الحلقة الاولى

بدأت تتغير فلسفة الجهاد في مجتمعاتنا العربية، للتعامل مع تحديات بلادها، فتحولت من جهاد الانقلابات الانفعالية، وغضب الثورات الدموية، وعواطف العنف الانتحارية، إلى جهاد العمل المتقن، وإصلاحات الحداثة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولو تأملنا قليلا للواقع العالم العربي اليوم، لنجد بأن المجتمعات العربية، استطاعت التعامل مع الكثير من تحدياتها المعقدة، بصورة بعضها ناجحة، وبعضها الآخر مضطربة. ويحتاج الشاب العربي تفهم انجازات بلاده، والتعرف على تحدياتها، ليخرج من شرنقة العقلية المعارضة، لعقلية تفاؤل إيجابية، ليعمل بإنتاجية مبدعة، لمعالجة التحديات الحياتية والمجتمعية. وقد درست مجلة الايكونوميست الاقتصادية، تحديات الوطن العربي، في القرن الواحد والعشرين، وناقشت مثلين لإنجازاته، خلال العقدين الماضيين.
فقد عرضت المجلة في تقريرها الخاص عن جمهورية مصر العربية، في السابع عشر من شهر جولاي الماضي، إحصائيات مقارنة في الفترة بين عام 1990 وعام 2009. فقد زاد سكان جمهورية مصر العربية من 57.8 مليون إلى 83.1 مليون، وأرتفع عدد القوى العمالة من 14.3 مليون إلى 25.4 مليون، وأنخفضت نسبة التكاثر السكاني من 5.2 إلى 2.9 لكل عائلة. وارتفع متوسط العمر إلى 72 سنة، بينما انخفضت نسبة وفيات الرضع من 78.5 إلى 34.8 لكل ألف رضيع. وارتفعت نسبة معرفة القراءة والكتابة من 57% إلى 72%، وزادت طاقة استهلاك الفرد للكهرباء من 644 إلى 1460 كيلووات، وعدد التلفونات من 2.8 إلى 79.1 لكل مائة شخص، وعدد السيارات الصغيرة من 18.7 إلى 33.3 لكل ألف شخص. كما أن ثلثي المنازل بها مستقبل تلفزيوني، و 87% منها تحتوي على ثلاجة، و 97% منها تصلها أنبوبة الماء، و 99% منها مرتبطة بأسلاك الطاقة الكهربائية. فقد أرتفع مستوى المواطن المصري، وتحسن الاستهلاك الفردي، وتقدم الأداء الاقتصادي بأكمله، فبعد عقود من تحسن طفيف في المستوى المعيشي، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي، بعد الإصلاحات الحكومية في عام 2004، فارتفع النمو الاقتصادي من 5% في منتصف التسعينات، إلى 7% في الفترة ما بين عام 2006 وحتى عام 2008.
وبينما استمر انخفاض المشاركة المصرية في التجارة العالمية، خلال الأربعة عقود الماضية، بدأ يرتفع اليوم لثلاثة أضعاف، فزادت الاستثمارات الأجنبية إلى 46 مليار دولار، خلال الفترة بين عام 2004 وحتى 2009، وانخفضت الديون العامة للثلث، لحوالي 76% من الناتج الإجمالي المحلي، وانخفضت الديون الخارجية لأقل من الاحتياطي العام، لأول مرة منذ عقود، كما انخفضت نسبة المساعدات الخارجية لأقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالرغم من تدهور الاقتصاد العالمي، استمر نمو الاقتصاد المصري إلى 4.6%، بل أرتفع في الربع الأول من عام 2010 إلى 5.8%، ومن المتوقع أن يتحسن أكثر. كما انخفض استيراد المواد الغذائية، فتعتبر مصر أكثر دولة في العالم تستهلك القمح، والذي زاد إنتاجه فيها أربعة أضعاف، خلال الثلاث العقود الماضية، ليصل إلى 7 مليون طنا سنويا، وليغطي 60% من احتياجات المواطنين. وتقدر قيمة الأغذية المستوردة لحوالي 6 مليار دولار سنويا، بالرغم من زيادة الإنتاج 50%، منذ منتصف الستينات. وتصدر مصر 2 مليار دولار من المنتجات الزراعية، كما أرتفع دخل قناة السويس إلى 5 مليار دولار سنويا، وارتفع دخل المواني، وتصدر مصر الكثير من المعادن، كالحديد، والفوسفات، والمغنيسيوم، والذهب، بالإضافة للنفط والغاز، ولها مشاريع سياحية متميزة.
وأثبت الشباب المصري جدارته في سوق العولمة، فتصل استثمارات شركة أونسي سوريس لحوالي 13 مليار دولار، وتضم منتجعات في سويسرا، وقواعد جوية في أفغانستان، ومصانع في نيجيريا، وشركات اتصالات في كوريا، ومقاولات بناء، دخلها السنوي 3.8 مليار، و 80% من نشاطاتها في الخارج، واتصالات أورسكوم التي تخدم 11 دولة، وشركة لبناء الفنادق والقرى السياحية والمنازل في ثلاثة قارات. وتعتبر شركة السودي للكهرباء، أكبر شركة منتجة للكهربيات في أفريقيا والهند وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، وتقدر مبيعاتها سنويا بحوالي 2.0 مليار دولار. وطورت شركة ماريديف خبراتها في حقول نفط السويس، ويزيد دخلها السنوي عن 250 مليون دولار، وتقوم بحوالي 86% من عملياتها في الخليج وبحر قزوين وحتى خليج المكسيك. كما أن شركة أحمد الشطي، ترافيكو، أكبر شركات السياحة والفنادق، وبمبيعات وصلت إلى 1.1 مليار دولار في عام 2009، وتوسعت خدماتها إلى أوروبا، لتسيطر على 79 فندق من مجموعة ستيجنبرجر. ويعتبر أحمد وأخوه حسن هيكل، أبناء أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل، من المبدعين في السوق المالية، فبدراستهما في خيرة الجامعات الأمريكية، وبخبراتهما المالية في أسواق الوول ستريت، طوروا مؤسسة مالية عملاقة، تربط الخبرات العربية المصرية بالأموال العربية الخليجية. فطور حسن هيكل، بنك هيرمس الاستثماري، لتصل ميزانيته إلى 5 مليار دولار، وليصبح من أكبر المؤسسات المالية في دبي والقاهرة، بل امتدت خدماته لسوريا. كما أسس أحمد هيكل شركة سيتادل كابيتل، لتصل إستثمارته إلى 8.3 مليار دولار، والتي تضم مزارع للرز في السودان، وسكك حديدية توصل كينيا باوغندا.
وتندهش الايكونومست الصادرة في الخامس من يونيو الماضي من تقدم الطيران في العالم العربي فتقول: تبرز قوة جديدة في الرحلات الجوية، في شكل ثلاث شركات طيران خليجية، وبطموحات هائلة. فستستطيع، خلال عقد من الزمن، شركات الإمارات والقطرية والاتحاد نقل 200 مليون مسافر سنويا، وتقريبا، أربعة أضعاف عدد المسافرين على متن رحلاتها في العام الماضي. ومع قرب عام 2015، ستستطيع مطارات دبي والدوحة وابوظبي، توفير رحلات إلى 190 مليون مسافر. وحينما يفتتح مطار دبي الجديد، سيزداد طاقة البلاد إلى 70 مليون مسافر إضافي، لتساوي تقريبا مجموع المسافرين في مطارات هيثرو بلندن، وجي اف كيه بنيويورك، ونريتا بطوكيو، وشانجي بسنغفورة، وفرانكفورت بألمانيا. فقد ضعت دبي خدمات الطيران في قلب اقتصادها قبل 25 عام، واستطاعت شركة الإمارات أن تضاعف طاقتها كل عدة سنوات، لتسجل أرباح سنوية، منذ أن بدأت، إلا في سنة واحدة، وتحاول القطرية والاتحاد السير على خطاها، لتصبح هذه الخطوط رحمة للمسافرين من الشرق والغرب، فوفرت خيارات أفضل، وبأسعار أرخص، فطورت مواصلات جوية فائقة، وستحكم طريق الحرير الجديد، وطموحاتها خبر سيئ للمنافسين، وخبر جيد للمسافرين. ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان