الحلقة الأولى

من مفكرة سفير عربي في اليابان

يعتقد البروفيسور الأمريكي، والي نسر، الأستاذ بجامعة تفت، في كتابه quot;قوى الثورة، صعود طبقة وسطى إسلامية في الشرق الأوسط، وما الذي ستعنيه للعالم،quot; بأن النهضة الإسلامية الجديدة ستبدأ من تركيا، لتنتشر في العالم الإسلامي من جديد، ويعلق على توافق الإسلام والرأسمالية بقوله: quot;تصوت الطبقة الوسطى في المجتمعات الإسلامية للتناغم بين الإسلام والرأسمالية، وهي الطريقة الوحيدة للتقدم نحو التوافق بين الإسلام والديمقراطية. ومن سخرية القدر أن الديمقراطية ليست جديدة على الشرق الأوسط، مع أن ممارستها لم ترسخ في جذوره الوطنية. ومع أن تركيا مرت بتجارب ديكتاتورية، ولكن منذ عام 1980 قوت الديمقراطية، بالرغم من بعض تجاوزات العسكر. وتختلف تركيا عن باقي الشرق الأوسط، لأن ديمقراطيتها اعتمدت على قاعدة متينة لثورة اقتصادية حقيقية. وقد اهتم الغرب بالديمقراطية في المنطقة، واعتقد بأنها سترسخ عفويا بانتخابات نزيهة عادلة، وتناسوا بأن القيم الديمقراطية، من حق التصويت، وحرية التعبير، وحرية العبادة، واحترام القانون، لم ترسخ جذورها إلا بالمؤسسات الديمقراطية. ويحتاج نجاح الديمقراطية، لتغيرات جوهرية في المجتمع والقانون، والعلاقة بين الدولة ومواطنيها، ويؤكد التاريخ الغربي، بأن الإصلاحات الديمقراطية عقبت تطور الحركة التجارية في أوروبا.quot;
ويؤكد الكاتب بأن التشريعات التجارية، التي ناضلت البرجوازية الأوربية لتحقيقها، نجحت في ديمقرطة الحكم، وإضعاف تأثير رجال الكنيسة، وطورت طبقة تجارية بذهنية انتقادية، والتي كانت في رأيه السبب وراء نهضة الغرب. فمثلا لم تتطور سكوتلاندا، التي كانت أكثر جزءا متخلفا في أوروبا، بحركة الإصلاح البروتستانتية والحداثة، إلا حينما توسعت التجارة وبدأت الثورة الصناعية، التي خلقت طبقة مهنية مثقفة، كآدم سميث وديفيد هيوم. وقد ألهمت هذه الطبقة المثقفة صعود الطبقة التجارية، التي احتاجت لذهنية مهيأة ومحفزة، لنجاح تجارتها وإصلاحاتها الاجتماعية. كما نجحت التغيرات الديمقراطية في آسيا وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، بصعود الطبقات التجارية في مجتمعاتها، والتي حققت نشاطاتهم التجارية معظم التنمية في تلك المناطق. فمهني ومبدعي العمل الحر، والتجار الطموحين، والمتمكنين ماديا، هم الذين أسسوا نموذجا اقتصاديا ناجحا، لتصبح قيم العولمة، المرتبطة بتحالف العالم بقيم السلام، والأمن والحرية، وحقوق الإنسان والحداثة، وتحمل التنوع الديني، ونشر الديمقراطية، لتصبح فاعلة، حينما تخدم مصالح المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، وتصلح سلطة الحكم. ويعتقد الكاتب بأن: quot;العالم الإسلامي لم يحتضن هذه القيم حتى الآن، ليس لطبيعة الإسلام المتعصبة، بل بسبب أن الطبقة التجارية التي تنشر هذه القيم صغيرة.quot; وسيؤدي مساعدة نمو وانتشار هذه الطبقة التجارية لتوسع قيم العولمة في جذور القيم الإسلامية لتهيئ الطريق لنهضة الشرق الأوسط.
وقد أكد الإسلام على حقوق الملكية الفردية، وعلى أهمية التجارة في اقتصاد المجتمع، بل أعتبر العمل الحر من خيرة الأعمال، ومع أنه وضع تشريعات تحمي التجارة، وأموال المستثمرين، وتمنع الاحتكار، والاستغلال، أكد أيضا في تشريعات أخرى على ضرورة إرجاع جزء من الأرباح، كزكاة، للاستفادة منه، لتمويل شبكة حماية اجتماعية، تحافظ على أمن المجتمع واستقراره، بتوفير رعاية صحية للمواطن، وتعليمه وتدريبه، وضمان تأمين تقاعده وتعطله. كما تشارك مفاهيم الإسلام الغرب في قيمه عن السلام والأمن والحرية وحقوق إنسان، والحداثة (والتي لا تعني غربنة أو علمانية)، والديمقراطية، واحترام الأديان والمعتقدات الأخرى، وهي جميعها جزء من القيم الإنسانية السامية. فقد طورت حداثة الحضارة الإسلامية اقتصاد مجتمعاتها، وشجعت الترجمة من الشرق والغرب، وطورت العلوم والرياضيات والفنون والاختراعات.
ويعلق الكاتب على معالجة أزمة العولمة لعام 2008، بقوله: quot;فلإحياء اقتصاد العولمة من جديد، بعد أزمة عام 2008، علينا تمكين براعم القوى التجارية في العالم الإسلامي. ولن يكون ذلك مهم لاقتصاد العولمة فقط، الذي سيضيف مليار ونصف مليار مسلم لنشاطاته التجارية، بل أيضا سيعجل انطلاقة تحرر الرأسمالية من شوائب انفلاتها. ويستطيع الغرب المساعدة لتقليل سلطة حكومات دول المنطقة على الاقتصاد، وتحرير أسواقها، وعلينا القبول، بأن هذه الآلية التاريخية ضرورية، لانتقال المنطقة للمرحلة القادمة من الحرية والازدهار. ولا يعني ذلك إضعاف الحكومات، بل بالعكس نحتاج لحكومات قوية فاعلة، ولكن علينا تحديد مسئولياتها ومهامها، كما علينا تقليل سلطتها في التجارة، وتحرير سوقها من قبضة مسئوليها، وضبطها بالقوانين والأنظمة التي تسهل التجارة، وتحمي رؤوس الأموال، وتمنع الاستغلال والاحتكار والتلاعب والفساد. ليتطور العمل الحر وتبرز أجيال جديدة من تجار مبدعين، ولتوفر الفرصة لإبداعات العلماء والمهنيين، وتحول اختراعاتهم وصناعاتهم لمنتجات مربحة تقوي الاقتصاد وتحسن البنية التحتية والاجتماعية للمجتمع.quot;
ويعتقد الكاتب بأن على الغرب مساعدة منطقة الشرق الأوسط لتحقيق دول القانون، ونشر الشفافية، والمحاسبة، وتحرير التجارة من البيروقراطية، والشرائط الحمراء. كما عليه الدفع لتقليص القطاع العام، وزيادة نشاطات القطاع الخاص، وزيادة فرص العمل للمواطنين فيه، وتشجيع اقتصاد المنطقة للانفتاح للاستثمارات الخارجية، والتجارة، وحرية تحرك المنتجات والموارد الطبيعية. كما على الاستثمارات الغربية دعم العمل الحر والتجارة، وفتح أسواقه لمنتجات المنطقة، وعلية المساعدة كما ساعد الهند والصين واليابان والفيتنام، وباقي دول آسيا من قبل، ليربح الجميع. وقد دفع الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي لتقدم التجارة في تركيا، مما أدى لتغيرات في القانون، والديمقراطية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومع إن الغرب ضيع التريليونات من الدولارات في مغامرات عسكرية في المنطقة، لحماية مصالحه، ولكنه لم يهتم بتطوير تجارته فيها. فالتجارة الغير نفطية والغير دفاعية بين الولايات المتحدة والعالم العربي، لم تتجاوز العشرين مليار دولار في عام 2007، ومع أن هناك كثير من اتفاقيات التجارة الحرة مع المنطقة، ولكن لا توجد حتى الآن منتجات مصنوعة بالعالم العربي في الأسواق الأمريكية. وبالعكس تجاوزت التجارة الأمريكية، في عام 2008، مع دول أمريكا اللاتينية مائتي وخمسة وعشرين مليار دولار، ومع والهند أربعة وأربعين مليار، ومع أوروبا الشرقية الاثنين والستين مليار، ومع البرازيل ثلاثة وستين مليار، ومع تركيا خمسة عشر مليار دولار. فصعود الطبقة التجارية في المنطقة، لن يؤدي لوقوفها ضد مصالح الولايات المتحدة، فالتجار برغماتيون، فمع أنهم لا يعبرون عن كراهيتهم للولايات المتحدة، ولكنهم مستاءون من الدعم الغير مدروس لإسرائيل، ومع أنهم لا يقفون مع الغرب كباقي شعوبهم. وتبين استطلاعات الرأي، بأن 83% من العرب لديهم تصورات سلبية عن الولايات المتحدة، 70% منهم لا يثقون بها، مع أنهم يعتبرونها في قمة الدول التي توفر الحرية والديمقراطية لمواطنيها. كما أن 65% من العرب لا يعتقدون بأن الولايات المتحدة جادة بنشر الديمقراطية في منطقتهم.
ويعتقد الكاتب بأن على الولايات المتحدة القبول بأن صعود الطبقة المتوسطة في المنطقة ستكون إسلامية ومحافظة، ولا يحتاجون لنصيحة من الغرب للتخلص من بعض قيمهم التقليدية، ولا يعني ذلك بأنهم لا يرحبون بالإصلاح، ولا يرغبون في العمل للحرية، وحقوق الإنسان، وسيضر الأمريكيون بمصالحهم، إذا ركزوا على ولاء المنطقة للإسلام، فهناك قليل من الدلائل بأن نمو المحافظين في المجتمعات الإسلامية، يتناقض مع نضالهم للحرية والازدهار، والصورة واضحة في تركيا. ولن يستطيع الغرب كسب الطبقات الفقيرة بحرب الثقافات، فحينما يحس هؤلاء بالخطر الغربي على قيمهم، سيستمرون في الاعتماد على المتطرفين، وسيؤدي ذلك لخسارة المعتدلين. وفي النهاية، وبعد المقاطعة والصراعات، تبقى الطريقة الوحيدة لخفض التطرف والرفض ليس بزيادة المقاطعة والصراعات، بل بزيادة التجارة والتفاعل. ويعلق الكاتب على سياسة المقاطعة بقوله: quot;قد نكبح بالحرب الدول التي نعتبرها مهددة لمصالحنا، ولكن لو أردنا تغير هذه البلدان علينا زيادة تجارتنا معهم، لا أن نقللها ونقطعها. وفي النهاية سيكون حافز المنافسة والربحية حليفنا القوي، وسيشجع الطبقة المتوسطة للدفع لإصلاحات اقتصادية صديقة للتجارة ولقوانين تحميها، ولفتح اقتصاديات بلادهم للتجارة مع العالم، وسيدفعون لحكومات جيدة فاعلة كما فعلوا في الهند والصين.quot;
وتؤكد الوقائع بأن جميع دول العالم الإسلامي مستعدة للتجارة، وبنجاح بعضهم بمساعدة الغرب، سيقود هؤلاء الناجحون التجارة في المنطقة بأسرها، لينشغل شعوب العالم الإسلامي بتنميتهم الاقتصادية والاجتماعية، ويتجنبون التطرف والإرهاب، لتثرى مجتمعاتهم ويزداد استهلاكهم. وستحتاج منطقتهم لمنتجات الغرب، لتشتغل مصانع الغرب، وتقل البطالة، وينمو الاقتصاد، وينتشر السلام والرخاء. ويعتقد الكاتب بأن هناك ليس أية شك، بأن توازن القوى في الشرق الأوسط، معتمد على القوة الخشنة اليوم، ولكن في المستقبل، سيقاس هذا التوازن بالاقتصاد. فالعالم الإسلامي يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة، وموبوءة بالتخلف والتطرف والعنف، وإذا لم يتحرك الغرب، لدفع المنطقة بطاقاتها الاقتصادية المبدعة، فعليه توقع الأسوأ، والذي سيضعف أمن وسلم واقتصاد وقوة الغرب الخشنة. وقد حاول الغرب لسنوات طويلة معالجة هذه التحديات بالصراعات والمقاطعة، ولم يفلح، فعليه أن يعمل، لكي ينشط القطاعات التجارية، لتقوم من الداخل بإصلاحات اقتصادية واجتماعية، تدفع بالمنطقة للثراء والازدهار والسلام. ويختتم ولي ناسر كتابه بالقول:quot;حينما هاجم المتطرفون كلية الشرطة في لاهور في مارس عام 2009، وقتلوا الكثيرين، وحاولوا إسقاط الحكومة الباكستانية، اتصلت بتاجر محلي كبير متدين وصديق، لأطمأن عليه، وسألته عن الوضع، فقال: أنهم يقتلون هذه البلد بالرصاص كل مرة. فسألته ما الذي نستطيع عمله، فرد بقوله: لا اعرف ما يمكن أن نفعله، ولكن اعرف ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة، الغوا التعرفة الجمركية، وساعدوا نمو الاقتصاد، أما الباقي سينحل بنفسه.quot;
سفير مملكة البحرين في اليابان