كشفت تعرية الفتاة التي تم سحلها علي أيدي قوات الجيش المصري ومن ثم ضربها بوحشية وغلظة غير مسبوقة،هي وكل من حاول التدخل لإنقاذها عن جملة مساوئ أخلاقية خطيرة تعترض المشهد الأمني المصري الآن، فإذا كان نظام حسني مبارك قد أفسد الأخلاقيات الي حد كبير حتي بات الفساد منهجا واساساً في حياة المصريين الي الدرجة التي جعلت معظم من بيدهم الأمر في أجهزة الدولة الإدارية هم من الفاسدين والمتورطين بالفعل في قضايا فساد منظورة أمام المحاكم الآن، فإن فساد المؤسسات الأمنية أخلاقياً كشفتها الأحداث الأخيرة التي أصابت المصريين ومن ورائهم العالم أجمع بالقرف والقلق علي مصير الشعب من هكذا همجية وعنف تجاه متظاهرين سلميين.

لم يكن خطاب التبرير السياسي المتكرر للمجلس العسكري عن ماحدث، قادر علي ان يقنع أحد بتبني وجهة نظر المجلس في الأحداث فانتهاك عرض الفتاة وتعريتها لم يكن حدث عارض، فقبل ذلك أجري رجال الجيش كشف العذرية لمجموعة من الفتيات اللاتي شاركن في المظاهرات دون ابداء للأسباب ودون توضيح لعلاقة ذلك بالمظاهرات، فالتعرية أصبحت منهجاً أمنياً لم يبدد من غيومها تلك التبريرات والحجج الواهية التي قدمها المجلس العسكري بل زاد من تعقيد الموقف الدفع بجهة مجهولة وتحميلها الوقيعة بين الجيش والمتظاهرين ولما زادت الضغوط من قبل الرأي العام حول تلك الجهة جاءت الإشارة من قبل رجال المجلس العسكري الي أنهم فرق من البلطجية، غير أن القوي الثورية شككت في ذلك الطرح فأغلب القتلي برصاص الجيش هم من الحاصلين علي درجات علمية عالية، أما أطفال الشوارع اللذين تم الزج بهم الي تلك المشاهد فهي جريمة أخلاقية يتحمل مسؤوليتها المجتمع بكل طوائفه واحزابه التي تخلت عنهم،وهم في الحقيقة يقدرون بخمسة ملايين طفل تُركوا في الشوارع نهبا للجوع والمرض والإزدراء،ولم يكن ذهابهم للميدان والإشتراك في المظاهرات ليس أكثر من طلب الطعام وإلتماس للدفء من ليالي الشتاء الباردة.

يكاد الإنسان أن يصاب بالجنون، فمصر هي دولة اسلامية يرفع فيها الآذان 5 مرات في اليوم، وتقام فيها الصلوات علي مدار الساعة ويحث القرآن الكريم علي الأخلاق ويقول الرسول الكريم إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق..فماذ حدث إذن؟ فلماذ كل هذا القتل والكذب والتمسك بسلطة لاتدوم لماذا كل هذا الصراع حول الوصول الي الكرسي، لماذا تجاهلت الأحزاب الدينية التي تحصد الأصوات في طريقها للبرلمان الأن الإنتهاكات الأخلاقية ولم تعد كرامة الشعب وإهانة النساء من أولويتها، فالهدف عندها واضح وهو كرسي الحكم فهل هذه الأنانية وهذا الإشتياق هو في مصلحة الشعب؟

ربما الإجابة علي ذلك السؤال تستدعي البحث قليلاً في مناقب حكام العالم الذين تركوا إرثاً حضارياً لشعوبهم، يقول الرئيس التشيكي الراحل السياسي والكاتب والشاعر فاتسلاف هافل في محاضرة له قبل رحيله سألت نفسي يوما ً تري هل غيرتني سنوات الرئاسة التي قضيتها في الحكم طيلة 13 عاما؟ يجيب في إجابة بليغة تكشف عن مدي الصدق الذي يحسد عليه إنه علي عكس ما إعتقد فإن منصب رئيس الدولة الكبير لم يعطيه الكثير من الثقة في النفس كما توقع فقد اكتشف انه أصبح في سنوات الرئاسة أقل ثقة في النفس وأكثر تواضعاً من ذي قبل، ذلك أن مواجهة الجماهير كانت تمثل له رهبة كبيرة وتخوفا من عدم تحقيق آمالهم وحل مشاكلهم.إذن هذا هو الحاكم الذي يؤتمن علي قيادة دولة.

كارثة مصر الأخلاقية بعيدة ومتشعبة ومتغلغلة في كيان قطاعات كبيرة أتي بها نظام حسني مبارك وجعل لها السلطة والهيمنة، وورثها الآباء المفسدين في نظامه الي الأبناء الذين حملوا مشعل فساد الأباء، وهذا ما جعل الكثيرين من المصريين يعتقدون أن نظام مبارك مازال قائما حتي هذه اللحظة،النفاق والزيف الإعلامي والتشكيك في من قاموا بالثورة تتصاعد وتيرته يومياً،الجهاز الإداري في الدولة مازال يعمل بكامل طاقته دون ان يصله التطهير من الفاسدين فيه فأين هي عمليات التطهير وطرد الفاسدين؟ ولماذا لم تصادرحتي الآن كل الأراضي والشقق والشواطئ التي استولي عليها القابعين وراء أسوار سجن طره؟.

تسببت كل تلك الأعمال المنافية للأخلاق التي تجري في حق الشعب المصري في حرج بالغ للمصريين في الخارج، خاصة بعد الصورة العظيمة التي رسخت في أذهان العالم بعد نجاح الثورة في أيامها الأولي وأصبح السؤال المطروح الآن أين هي كرامة الإنسان في مصر الآن بعد الثورة؟ لماذا هذا الهبوط في ظلمات الجهل والتخلف؟ ومن له القدرة الآن علي إعادة الزخم الحضاري لثورة 25 يناير هل هو المجلس الإستشاري أم المجلس العسكري؟ بالطبع لاهذا ولاذاك فالأول هو مجلس دوره ديكوري وشكلي ليس أكثر يضم مجموعة من العائدين من قهاوي المعاشات،المشتاقين لأضواء الكاميرات أما الثاني فهو أضعف من يحدد سياسة مصر المستقبلية إرتكب الكثير من الأخطاء وأثبت بما لايدع مجال للشك أنه غير قادر علي فهم حركة التاريخ ولا فهم إرادة الشعب المصري التي لابد وأن تنتصر في نهاية المطاف.