في العام 2001 زاد راتب العامل المصري 3% فزادت إنتاجيته 22% وفي العام 2005م خفض راتبه 30% فقلت إنتاجيته 21%، وعموما نسبة إنتاج العامل العربي الى نظيره الغربي 5%، ذلك يضع بين أيدينا خلاصة عميقة لما يمكن أن يكون عليه الذهنية العربية في تعاطيها مع التطور، فمعطيات تطورنا الفكري إجمالا تتعرض لعسف معقد من الوسطين السياسي والاجتماعي، إذ أن الأول وهو ما يتعلق بالسلطة الحاكمة ينتج أزمات مزمنة في الوجدان ونمط الفكر خاصة لدى الشباب وهم الغالبية في المجتمعات العربية، فهناك فجوة أقرب للهوة بين هؤلاء الشباب الذين يفترض أن ينتجوا ماديا وفكريا والسلطات القائمة التي تعتمد مناهجا غير موضوعية في تعاطيها معهم منذ التنشئة والى حين وصولهم الى مرحلة النضج التي تؤهلهم للمشاركة في إدارة الدولة وتصريف شؤونها.

في البرلمانات العربية ودون استثناء لا تمثيل حقيقيا او حتى صوريا للشباب، وهم أجيال خلقت لغير ما خلقت له تلك الأجيال الهرمة التي لا يمكن أن تتفهم المزاج الشبابي حتى تحسن إدارة شؤونه، فالفكر لدى تلك النخبة التي شابت ثم خابت كلاسيكي ولم يلتمس حركة التقنية والتطور من حوله، كما أن المسافة الفاصلة بينه والأجيال الشابة تزداد بعدا، وهنا ينتج جفاء وعدم تقدير سليم للأمور، وحين يقتصر التمثيل البرلماني على ذات الوجوه التي يشيب شعر رأسها في تلك المؤسسات التشريعية فإنها تتحول الى آلات برلمانية تتوافق مع السلطة في جميع الأحوال والظروف دون النظر لمتغيرات الواقع ومطلوبات المزاج الشعبي الذي يغلب عليه المزاج الشبابي.


في بعض أوجه الفكر السياسي يقولون quot; إذا لم تكن ليبراليا وأنت شاب فأنت بلا قلب، وإذا لم تكن محافظا وأنت كبير فأنت بلا عقلquot; وإذا كان الوجه الحسن لليبرالية يسيطر على الأجيال الشابة في نزوعها المشروع للحرية في التعبير عن نفسها، فإن محافظة أجيال العجائز تنزع الى التقليدية وتعطيل حركة الزمن والشعور الزائف بمعرفة خبايا الأمور أكثر من هؤلاء المفصولين تماما عما يمكن أن يلحق بهم من إجازة وتمرير المقررات التشريعية ذات الصلة بنشاطهم اليومي والمستقبلي والفكري عموما، ومن سوء الظن بالشباب أنهم لا يعرفون مصلحتهم واستخدام ذلك كحجة في انتزاع حقهم في التعبير عن أنفسهم وفكرهم.

لم يفهم قادة مصر حركة التطور من حولهم، وانفتاح الشباب تقنيا واستيعاب كل الحاضر من حولهم من خلال استخدام وتوظيف الانترنت وأدواته مثل الفيس بوك في تجميعهم على تحقيق أهدافهم، ورغم انه كان هناك مثال واقعي إلا أن السلطة تملكها الغرور السلطوي ولم تفطن للثورة الذاتية التي قادتها الفتاة إسراء عبد الفتاح التي شاركت العديد من الشباب المصري في الدعوة لإضراب 6 أبريل 2008 في مصر ضد quot;الغلاء والفسادquot; على موقع فيس بوك، فماذا كانت ردة الفعل؟ تم إلقاء القبض عليها ذات اليوم واقتيدت إلى قسم قصر النيل للتحقيق ووجهت لها السلطات المصرية تهمة التحريض على الشغب، وظلت محتجزة حتى تم الإفراج عنها في 14 أبريل 2008، غير أن وزير الداخلية المصري أصدر قرارا باعتقالها مرة أخرى بدون أسباب وتم الإفراج عنها في 23 أبريل 2008، ثم عادت قوات الأمن المصرية واعتقلتها في 15 يناير 2010 عندما كنت تؤدي واجب العزاء لضحايا مذبحة نجع حمادي، وهي في إطار كل هذا الحراك كانت نموذجا لجيل الإنترنت الذي تجاوز شيوخ البرلمانات وأنهى سيطرتهم على مقاليد الأمور، وحتى في تونس استطاع الشباب تحريك الشارع أولا من خلال الانترنت ولكن فهمت السلطة متأخرة ما يمكن أن يفعله هؤلاء الشباب.

شباب مصر قادوا ثورة ملهمة ومهمة فيها كل عناصر الإصرار، وحينما يكونون أغلبية فمن الظلم أن يحكمهم رئيس يصبغ شعره وقد تجاوز الثمانين عاما أو رئيسي برلمان وشورى يقتربان من الهذيان والخرف، ينبغي تجاوز مثل هذا النمط والشكل غير الواقعي للممارسة السياسية، لأن الشباب هم الأغلبية ويجب أن يكونوا أكثر احتكاكا وقربا من السلطة، وإلا فإن الثورات ستشتعل في أكثر من بلد عربي تتربى فيه الأجيال طوال أعمارها في كنف رئيس واحد لا يعرفون في ماضيهم وحاضرهم وربما مستقبلهم سواه، وفي الماضي كان الفقراء هم من يشعلون الثورات ولكن الحاضر وموازينه تغيرت وأصبح الشباب هم من يفعلون ذلك سواء كانوا فقراء أو مرفهين ويدرسون في أرقى الجامعات.
الثورة الحالية، في الواقع بذرة وشرارة انطلقت وستصيب وتزلزل هياكل السياسة العربية من قواعدها، وهي مهرجان وداع فلكلوري لأي مظالم وانتهاكات لحقوق الإنسان، ولن ينجو منها كثير من الحكام لأن الأمن وأجهزته ليست ضامنا للاحتفاظ بالسلطة حين ترفضها الشعوب، وحين يكون إنتاج الفرد العربي 5% قياسه بنظيره الغربي فذلك يعني فشل السياسات الحاكمة ووصمة عار في جبين أي نظام يحتفظ بالسلطة بالقوة القهرية والجبرية، في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه ذلك مؤشر مغادرة شريف للعجز عن الارتفاع بالإنتاج وتطوير الموارد البشرية العربية.

حين يعجز الحكام عن مجارة الواقع فإنهم يبدؤون الانهيار، لأنهم في الواقع يعجزون عن المواكبة ومواجهة التحديات بصورة منطقية ومخلصة، ولا يحق لهم أن يقتربوا من السلطة في المطلق وليس الاحتفاظ بها على نحو ما يفعلون.

الشباب هم صناع التغيير، ومن يعجز عن احترامهم ومجاراة متطلباتهم فإنه ينهار مهما كانت قوة الدولة البوليسية التي أسسها بدلا من تأسيس الثقة مع قواعدهم والارتقاء بهم واحترام قدراتهم وبذل المجهود الضروري لتطوير قدراتهم، ومن يخافهم فإنه لن يستمر في الحكم، فالعملية السياسية تتطلب في حكمتها المزج بين المزاج الشبابي ومتغيرات الواقع وتحقيق الدافع الملهم للتطور دون تجاهلهم في مؤسسات الدولة، دون ذلك فكل نظام حكم عربي يكتب نهايته بيده مع أول مراسم قسم الحكم.

إعلامية سعودية*