لا أنكر في السنوات الماضية وخلال معايشتي في العاصمة الاتحادية كنت اشعر ان حس الانتماء العراقي في بغداد كان طاغيا على شعور المواطنين بشرائحهم المتنوعة، ولكن في السنة الأخير بدأت الاحظ تراجع هذا الشعور بسبب شيوع وسيطرة الانتماء المناطقي على النفوس، فبدأت اسمع من البعض الدعوة لتقسيم العراق بعد ان كان يكفره في الماضي، وبدأت أسمع أيضا من البعض فكرة تعميم الفيدرالية ومن البعض القليل فكرة تطبيق الكونفيدرالية، ومن بعض آخر فكرة اتحاد محافظات لإقامة أقاليم شبيهة بإقليم كردستان.. ولكن الأغرب الذي سمعته كان اقامة اتحاد الجمهوريات العراقية على شاكلة اتحاد الجمهوريات الروسية المنهارة. ولا أدري ما صحة وما مصدر هذه الدعوات او الاراء وان كانت ما تزال على مستويات فردية، ولا ندري ماهية دوافعها هل هي سياسية أو قومية أو دينية أو مذهبية او ماركسية جديدة كما في طرح تسمية الجمهوريات العراقية، ولكن كما يقال quot; لا دخان بلا نارquot;، والحق يلزم علينا القول لو ان هذه الطروحات وان بدت سطحية تقف ورائها جهات او دوافع سياسية فان واقع الحال يفرض الاهتمام بها لكي لا تذهب بعيدا وتحمل بواطن الخطورة على مستقبل العراق. ولكن الحقيقة المشتركة التي لمستها من وجوه الناطقين بهذه الآراء الجديدة والجريئة، كانت حقيقة مرة وهي الاحساس بالاحباط الشديد من الحاضر والتخوف من المستقبل، ولسان الحال يقول كأن مرارة واقع الحال دفع بهم الى يأس شديد لا يحمل أي أمل بتحقيق حلم جميل لهم في ظل الأوضاع السيئة التي يعيشها بعض العراقيين والحكومة تقبض أكثر من ثمانين مليار دولار في ميزانيتها الجديدة لهذا العام. وبغض النظر عن هذه الطروحات الجديدة على الساحة العراقية فان فكرة التقسيم كانت ومازالت تطرح على بساط البحث في أوراق إقليمية ودولية سياسيا واعلاميا، ولهذا وفي أحيان كثيرة تطفو الى السطح بين الحين والآخر مسألة تقسيم العراق من سنوات طويلة، ونعلم ان الدول العربية من باب اهتمامها بهذا الأمر في أغلب بياناتها الجماعية او الثنائية مع بعضها أو مع غيرها وخاصة الجامعة العربية كانت تؤكد دوما وباستمرار على وحدة التراب العراقي في عهد النظام البائد وفي العهد الجديد، وكأن الدول نفسها تعرف أمرا من بعيد يعد له بالخفاء ولكن لا تقدر على البوح بها جهارا. واليوم، وبعد تعثر العملية السياسية بين الكتل البرلمانية في العراق، وتركيز الاهتمام الاعلامي والصحافي والسياسي بمطالب الشعب بعد امتداد المد الاحتجاجي لربيع الثورات العربية، وحاجة البحث الى حل متسم بالمنطق والعقل لتلبية الاستحقاقات الدستورية والانتخابية والاحتجاجية للعراقيين، فان الضرورة الوطنية تلزم الجيمع للعودة الى التطبيق الفعلي للمادة الأولى المهمة في الدستور الدائم والتي تنص على أن quot; جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملةquot; من خلال تطبيق النظام الاتحادي أي الفيدرالي وعدم حصره باقليم كردستان، لتميزه بميزات عديدة تساعد على إقامة وإرساء حكومات محلية ديمقراطية تتسم بالإدارة الناجحة لتحقيق مطالب المجموعات السكانية الممثلة لها حسب مناطقها ووحداتها، واستنادا للنظام الاتحادي الفيدرالي الوارد في الدستور الدائم في الهياكل التنظيمية والمؤسساتية لإدارة الدولة العراقية وفق رغبة الشعب استنادا الى النهج الديمقراطي المثبت لتثبيت نقل السلطة في العراق عن طريق صناديق الاقتراعات. وهنا تبرز أهمية الفيدرالية للعراقيين لأنها الضامن الرئيسي لتحقيق التنمية والتطور لمجتمعات المحافظات العراقية التي تنادي بتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع مكونات المجتمع بعيدا عن المحاصصة والطائفية والتركيبة السياسية الفاشلة التي تشترك فيها أحزاب الكتل البرلمانية المشاركة بإدارة دفة الحكم في الحكومة العراقية. وضمن هذا المفهوم فإن الميزات التي يتميز بها النظام الفيدرالي لدولة الأقاليم العراقية تساعد على انشاء التركيبة الإدارية والسياسية الناجحة في كل اقليم لضمان حقوق المجموعة السكانية حسب خصوصياتها وحاجاتها وضروراتها، ومن أهم ميزاتها ضمان مشاركة المجموعات السكانية في وضع السياسات العامة واتخاذ القرارات وإبداء الرأي والمشاركة في الأنشطة الخاصة بتحديد الأهداف النابعة من ضرورات الحاجة للاقليم المعني، وتأمين التوافق والانسجام والمساهمة في تحديد الاستراتيجيات والأهداف العامة، وتحقيق مطالب المجموعة في المعيشة والحاجات الأساسية الحياتية. لهذا نجد إن إرساء النظام الفيدرالي يتسم بالمرونة لإدارة الحكومات المحلية وتدعيم الدولة الاتحادية بطريقة حكيمة، ويشكل هذا النظام الأسس الحديثة لبناء الدولة العراقية لضمان وحدتها وسيادتها ولتلبية ضرورات الحاجات الحاضرة والمستقبلية لكل المكونات في جميع المجالات السياسية والقومية والاقتصادية والاجتماعية. وانطلاقا من هذا المنظور فإن إرساء النهج الجديد على مستوى الأقاليم والمجموعات السكانية للمحافظات سيشكل الفرصة الذهبية أمام العراقيين لتجاوز الأزمات والمشكلات التي يعاني منها الجميع، وإرساء هذا النموذج المنشود قادر على ضمان الوحدة ومنع التقسيم والنهوض بالعراقيين جميعا، لرسم عراق مشرق للحاضر وزاهر للمستقبل.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات