قضية حقوق و مساواتها بالرجل، من تلك القضايا التي سعى النظام الديني المتطرف بکل إمکانياته للوقوف ضدها و الحيلولة دون تحقيق أي نوع من التقدم في هذا المضمار و إبقائه داخل بوتقة محددة مغلقة بإحکام. وقد تأکد المنطق المتخلف و التعسفي لهذا النظام من قضية حقوق المرأة منذ الايام الاولى لنجاح الثورة الايرانية عندما أصر هذا النظام تطبيق قانون الحجاب ولم يأبه بکل الشکاوى و الاحتجاجات و التظهاهرات التي ثارت بوجهه وانما ضرب بکل ذلك عرض الحائط و مضى في برنامجه السياسي العقائدي الخاص ضمن أطروحة ولاية الفقيه المرفوضة اساسا من جانب غالبية علماء و مراجع الشيعة.

قضية حقوق المرأة الايرانية، ليست بمجرد قضية عرضية او مسألة جانبية يمکن إثارتها لأغراض او أهداف محددة، وانما يمکن إعتبارها تمثل إشکالية ذات عمق و جذور و إعتبارات خاصة، ذلك أن البعد الحضاري لإيران و إمتلاکها لحضارة قديمة تمتد لأکثر من 2500 عاما، و تزامن ذلك مع بعد ديني متميز ضارب جذوره في أعماق المجتمع الايراني، أمران مهمان و حيويان لايمکن إنکارهما او غض الطرف عنهما، و تمنحان في نفس الوقت لقضية حقوق المرأة طابعا خاصا يکاد أن يمتلك ثمة هوية منفردة بها، وليس من الهين لأي نظام سياسي حاکم في إيران، إغفال أي من البعدين الآنفين(أي البعد الحضاري و البعد الديني)، لأنهما مدافان ببعضيهما في بوتقة واحدة من الصعب جدا تمييزهما او فك إرتباطهما عن البعض بسهولة، وهما مجتمعين يشکلان الأساس و المحتوى الداخلي للمرأة الايرانية.

ولئن کان نظام الشاه قد حاول ضمن برنامجه الاصلاحي في إطار ثورته البيضاء المزعومة، الى منح النساء حرية واسعة بحسب ماکان يبدو، لکن، لم يدعو ذلك الى التخفيف من آلام و أحزان و معاناة النساء و الکبت و التعسف الذي کن يعانين منه على عدة أصعدة ذلك انه کان يستهين احيانا و يغالي في الاستخفاف بالبعد الديني ناهيك عن أن أهداف الشاه من وراء تصديه او مناداته بحرية المرأة کانت لأهداف و أغراض دعائية و إعلامية ذات طابع استعراضي بحت يهدف الى حصره بأفق محدد، إلا أن الواقع کان على العکس من ذلك تماما، حيث أن ماکان ينظر له نظام الشاه و يصنع له زخارف جميلة و منمقة، کان على أرض الواقع شيئا مغايرا لذلك بالمرة، بل وان إضطهاد المرأة و هضم حقوقها و مصادرة هويتها الانسانية کانت وراء تحرك النساء بصورة فعالة في الثورة التي إندلعت بوجه الشاه في 11 شباط 1979، غير ان نجاح الثورة و سقوط نظام الشاه الذي استبشرت به النساء الايرانيات، لم يدم طويلا إذ سرعان ماأسفر التيار الديني القمعي الاستبدادي عن وجهه الاسود و أعلن سلسلة إجرائات و قوانين بينت بوضوح الموقف الحقيقي له من قضية حقوق المرأة بشکل خاص، حقوق الانسان الايراني بشکل عام، وفي الوقت الذي کان الشاه قد تظاهر بمنح مساحة من الحرية للمرأة لدواعي سياسية بحتة، لکنه مع ذلك همش دور المرأة و قلص من تواجدها الفعلي على مختلف الاصعدة السياسية و الاقتصادية و الفکرية و الاجتماعية وجعلها مجرد سلعة او أداة او وسيلة إستغلال و إنتفاع لنظامه و تجميل وجهه و مظهره أمام حلفائه الغربيين، لکن النظام الديني، الى جانب انه أجهز على تلك المساحة الصورية من الحرية التي کانت ممنوحة للمرأة في عهد نظام الشاه، فإنه قام أيضا بتکبيلها بمجموعة جديدة من القوانين المتخلفة و الرجعية التي تحد من دورها و نشاطها بشکل واضح و تجعل منها مجرد تابع او فرد لاحول و إرادة لها إلا بما يريده او يرتأيه النظام نفسه، وفي الوقت الذي کانت المرأة الايرانية و بعد مشارکتها الفعالة و الحيوية في الثورة الايرانية و نجاحها الکبير، تتطلع الى الحصول على مکاسب و منجزات نوعية تتلائم و تتماشى مع حجم و قوة دورها في الثورة، فإن رجال الدين الحاکمين في طهران فاجئوا العالم کله بمظاهر جلد المرأة او رجمها في أبشع صور خصوصا عندما کانت وکالات الانباء تتناقل صور نساء طمرت أجسادهن داخل التراب و لم يبق سوى رأسها ظاهرا حيث يقوم ثلة من الاوباش برجمها بالحجارة حتى الموت بدعوىquot;تطبيق شرع اللهquot;، والذي يبدو أن جمهورية الملالي کانت تنفرد بها من دون سائر البلدان الاسلامية، و رويدا رويدا، وجدت المرأة الايرانية نفسها وقد کبلت بقيود و سلاسل لم تکن قد کبلت بها من قبل، ولم تکن مکافأة رجال الدين المتسلطين على الحکم في إيران للمرأة سوى التأکيد على أن مکان المرأة الاساسي هو بيتها و ان دورها لايتجاوز إنجاب الاطفال و تربيتهم و تمشية أمور المنزل..

لقد بالغ النظام الديني المتطرف کثيرا في هضمه لحقوق المرأة الايرانية من جانب، ولإستهانته و إغفاله المتعمدين للبعد الحضاري للمرأة الايرانية و سعيه لمحو البعد الحضاري و جعل البعد الديني هو المهيمن و المسيطر على المسألة من کل جوانبها، وهو خطأ فادح وقع فيه النظام بل وانه يکاد أن يکون نفس الخطأ الذي وقع فيه نظام الشاه قبله، عندما نظر للقضية من جانب واحد و أغفل الجانب الثاني.

ان المرأة الايرانية و من خلال المعالجة و التصدي الخاطئ لقضيتها من جانب نظامين متناقضين في الشکل و متعادلين في المضمون، أکدت و بصورة واضحة من أنها تتمسك ببعدها الحضاري مثلما لاتفرط في نفس الوقت ببعدها الديني، وانها تريد أن تختط لنفسها طريقا خاصا بعيدا عن القسر و الاکراه و القمع، فهي ترفض المعالجات الفوقية المفروضة عليها و کذلك ترفض مسائل أخرى تفرض عليها بأسباب و مبررات نابعة من الدين، انها تريد الجمع بين البعدين و تخلق عالمها الخاص وفق رؤيتها الخاصة التي لم يفمها نظام الشاه و رفض فهمها جملة و تفصيلا النظام الديني المتطرف.

ان سلسلة الاجرائات القمعية اللاانسانية التي إتخذها النظام الديني المتطرف بحق المرأة الايرانية و التحجيم المفرط لدورها على مختلف الاصعدة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الفکرية، ساهمت وللأسف البالغ في تراجع و سکونquot;مؤقتquot; لدورها النشط على الساحة الايرانية خصوصا خلال عقدي الثمانينيات و التسعينيات من الالفية الماضية، حيث قام النظام بأبشع عملية تزييف و تدليس و تحريف للحقائق و الوقائع و أدلجتها و باسلوبquot;الغاية تبرر الوسيلةquot;، لصالحه، وکما أسلفنا، فإن الحرب العراقية الايرانية التي إندلعت في سبتمبر 1980 و استمرت لغاية عام 1988، جائت هي الاخرى تخدم مصالح و أمن النظام و توفر مختلف الاسباب و المبررات للمارسة مختلف سياساته القمعية اللاانسانية و التي استغلها النظام أيما استغلال من أجل تکريس حکمه الدکتاتوري الاستبدادي و مصادرة الحريات و الحقوق الاساسية لأفراد الشعب، والحق ان إنتهاء الحرب العراقية الايرانية و الافرازات و الانعکاسات و الشروخ السلبية الکبيرة التي خلفتها في الواقع السياسي الاجتماعي الاقتصادي الفکري الايراني، دفعت الشعب الايراني للتململ و التحرك من جديد بوجه النظام، الذي يبدو أن نهاية الحرب التي کان يتذرع بها کمبرر لإستمرار نهجه القمعي الدموي، لم تکن إيذانا أبدا بإنتهاء تلك السياسة الدموية بقدر ماکانت دافعا من أجل إنتهاج و إبتداع المزيد من سياسة القمع و الاستبداد و کبت الحريات و مصادرتها، ولم يبق أمام الشعب من خيار سوى الاصطدام بهذه السياسة القمعية و مواجهة النظام ذاته من خلال ذلك، وفي غمرة هذا التصادم و المواجهة الشعبية الشاملة لسياسات و ألاعيب و ممارسات النظام، عادت المرأة الايرانية من جديد لدورها الفعال في الشارع الايراني کظهير و مساند و مشارك لأخيها الرجل بوجه النظام، وطفقت التقارير الخبرية و وکالات الانباء تنشر اسماء نساء إيرانيات لمعت اساميهن في سوح مواجهة و رفض النظام برمته وعلى سبيل المثال لا الحصر، يجدر بنا أن نذکر اسم الشهيدة ندى سلطاني، التي سقطت مضرجة بدمائها وهي تقارع النظام و تعلن على الملأ رفضها الکامل له و تطالب بنظام سياسي وطني إيراني يکفل الحرية و الاستقرار و الکرامة لعموم الشعب الايراني من دون استثناء، وقطعا لن تکون سلطاني الاسم الوحيد او بعبارة أخرى لن تکون البداية و لا النهاية وانما ستکون کالغيث الذي اوله قطر ثم ينهمر، ويقينا أن الضجة التي خلفتها حادثة إستشهاد ندى سلطاني والتي کانت بمثابة فضيحة کبيرة مرغت سمعة النظام الديني في الوحل و احرجته کثيرا أمام المحافل الدولية.