صباح الأمس وأثناء ذهاب زوجتي لعملها، وفي خروجها مِن محطة مترو الأنفاق بجوار العمل، ومصطحبة ابنتنا ذات التسعة أعوام، كانت ترتدي زوجتي ملابس محتشمة، تبعاً لتربيتها المتدينة مِن صغرها. لكن طبعاً ملابسها لم تكن تحوي quot;النقابquot;، ولا quot;خمارquot; وأكيد لم تكن ترتدي quot;شوال خيشquot;، وبالطبع بحكم أنها ليست مسلمة لم تكن ترتدي quot;حجابquot; فوق بنطال quot;مِلزقquot; أوquot;بَدي مِحزقquot;.

وزوجتي لأنها غير مسلمة (للأسف أصبح الحجاب للمسلمات فقط) فواضح جداً أنها ليست تابعة لبقية المسلمات اللاتي يلبسن حجاب أو نقاب بحكم العادة الجديدة التي استشرت في مِصر منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي في مصر، لا عن إقتناع ولا عن إحتشام، ولكن زيّ مثل الاكثير مِن المسلمات. لقد أصبح الحجاب أو النقاب زياً مميزاً بين مَن هن مسلمات وغير المسلمات.

أنا شخصياً ليس لدي أي مشكلة أن أي سيدة أو فتاة تلبس ما تريده، المهم أن يكون بمزاجها وعن إقتناع شخصي بتفرد، وليس طبقاً لبقية الرعية، أو كما يلبس العامة مِن الشعب.

دعوني أحكي ما حدث؟

أثناء خروج زوجتى مِن مخرج المترو إلى الشارع مباشرة، شاهدتْ شخصا ملتحيا بذقن دون الشارب، يلبس جلابية بيضاء، ويمسك عصاية خشب quot;جربانةquot; ـ على حد قول زوجتي ـ وكذلك ملابس الرجل الملتحي دون الشارب كانت ملابسة متقشفة بشكل يدعو للدهشة. وعلى رأسهِ عمامة بيضاء، ومِن الاخر، حين تراه تقول سلفي متشدد.

المهم، هذا الكائن الذي يعيش في بلدنا وعلى أرضنا، قرر أن يَحكم على السيدة زوجتي إنها كافرة لأنها لا ترتدي حجاباً، أو نقاباً، أو quot;شوالاً مِن الخيشquot;.

ليس المهم ـ عندي ـ أن زوجتي كافرة، أو أنني أنا كافر عند كثير مِن فئات الشعب!

المهم أن هذا الشخص الملتحي قرر أن يُعاقب زوجتي بأن يَرميها بمادة كاوية حارقة وعلى مؤخرتها بالتحديد!

طبعاً، ولأن زوجتي كانت تصطحب ابنتنا فجاءت بضع نقاط مِن المادة الكاوية الحارقة على يد الطفلة إبنتي الصغيرة التي تبلغ تسع سنوات التي لا تعرف معنىً للحجاب ولا معنى الجسد بدون ملابس!

وكما أصيبت الزوجة بحالةٍ مِن الفزع والألم الشديد، كذلك الطفلة ذات التسع سنوات أصيبت بهلع شديد، وكان السؤال: لماذا فعل هذا ذلك؟؟؟

صُدمت إبنتي، عندما رأتْ والدتها تَبكي مِن كثر ة الألم في الشارع، وغير قادرة على إنقاذ والدتها.

على الجانب الاخر، ذهبت زوجتي لعمل محضر في نقطة شرطة المترو، فقال الضابط: quot;معلش جت سليمة، ها نبأه نأخد بالناquot; ولم يُوافق على عمل بلاغ أو محضر، ولا حتى استمع لوصف زوجتي للرجل الذي رماها بالمادة الكاوية الحارقة. وتركها وذهب.

أصدقائي الأعزاء، تخيلوا معي مدى إحباط ورعب زوجتي وابنتي مِن الأيام المقبلة.

تسأل زوجتي: ألا أذهب إلى العمل في المستقبل، أم أرتدي الحجاب، أو quot;شوال خيشquot; وكأنني واحدة مِن قطيع يرتدي نفس النوعية، ويأكل نفس النوعية، ألا يوجد نوعيات أخرى مِن النساء غير مرتديات الحجاب؟؟

وهل هذه هي تعاليم المتدينيين السلفيين المسلمين أن يَرموا المُحصنات بالمواد الكاوية المحرقة لأنهن لا يلبسن حجاباً أو نقاباً أو شوالاً مِن الخيش؟؟

وتسأل زوجتي أيضاً: كيف أشعر بالأمان على إبنتي في ظل مثل هذه العقليات لمرضى وهوس إرضاء (إله) عن طريق إيذاء الآخرين؟ فهل مِن الإمكان لأي عاقل يرى هذا المشهد، أن يُفكر أن ديانة هذا السلفي الرافض لغيره والمميز له بناء على أزياء نسائه هل تدعو تعاليمه إلى الحق والخير؟

كثير مِن هذه الأقوال قامت بإملائها زوجتي علي كما هي، أنا فقط صِغت بعضها لُغوياً.

ما رأيكم يا أصدقائي؟

يبقى السؤال الأول: ماذا بعد أن تحرش هذا السلفي بزوجتي؟

هل هناك أملٌ في أفعال هؤلاء وأمثالهم في مستقبل مدني حر اجتماعي يقبل بقية أطياف المجتمع، لا يُميز بين هذه وتلك بِناء على ما ترتديه؟

طبعاً، التعميم ليس مِن شيمة التفكير العلمي. وأنا لا أتهم أي دين بأنه وراء أفعال مثل هؤلاء المعتوهين. أنا فقط يهمني الإنسان، أهم مِن أي عقيدة.

ودائماً أقول: لتكن لك يا سلفي ديانتك وعقيدتك كما تريد أو مذهبك الفكري كما تشاء، لكن لتعرف أن حقنا أن نعيش في أمان بعيداً عن فرضك علينا أحكامك وقوانينك وملابسك.

[email protected]