القيادي الكردستاني المخضرم نوشيروان مصطفى، أخذ على عاتقه المجازفة بخوض تجربة ومجابهة سياسية ميدانية كبيرة من خلال الناخب الكردي مع حزبي السلطة في الاقليم الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني والديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وبفضل قيادته لمعارضة حقيقية وايمانه بالتغيير والتجديد تمكن من ضمان 25 مقعدا في برلمان كردستان في أول مشاركة له في الانتخابات التشريعية للاقليم.

وتواصلا مع نهجه المبدئي في التغيير اطلق مبادرات واوراقا اصلاحية كثيرة، وقدم أفكارا عملية عديدة لاجراء الاصلاح والتجديد في بنيان الحكم على مستوى الرئاسة والحكومة والبرلمان وفي كل القطاعات والمؤسسات الحكومية التي لم تشهد أي اصلاح منذ عقدين من الزمن، وبفضل نهجه المدني تمكن من استخدام وسائل ديمقراطية حيوية للتعامل مع الاحداث لكسب المواطن الكردي وفق منطق الحكمة من خلال استخدام قدرات وطاقات غير مألوفة بعيدة عن الوسائل المعتادة لدى حزبي الطالباني والبرزاني.

ولكون زعيم حركة quot;التغييرquot; بالأساس قيادي مؤسس للاتحاد الوطني الكردستاني، فان هذا الحضور جعل من الاتحاد ان يختلف اختلافا كليا في بنيته السياسية والفكرية الثقافية والتنظيمية والنضالية عن بقية الاحزاب الكردستانية ومنها الحزب الديمقراطي، وهذه البنية المميزة للاتحاد ساعدت على صنع قيادات جماهيرية مع ارساء نهج مميز لمواصلة المسيرة الكفاحية في الحياة السياسية والحزبية الكردستانية والعراقية بالرغم من المصاعب التي تعرص لها الاتحاد، ومن خلال هذه المسيرة النضالية التي جاوزت عقودا ثلاث ونصف قدم الاتحاد خلال هذه المسيرة قيادات كانت لها الدور الكبير في ارساء القرار السياسي حول الكثير من القضايا المصيرية للشعب الكردستاني، وعلى رأس هذه القيادات الرئيس جلال طالباني ونائبه كوسرت رسول ونائبه السابق نوشيروان مصطفى.

ولا يخفى ان مصطفى قدم الكثير لكردستان وللاتحاد الوطني وللكيان الفيدرالي للاقليم، ومن ابرزها توحيد الموقف الكردي في خطاب سياسي موحد في بغداد تجاه القضايا المصيرية عندما كان ممثلا للاطراف الكردية، وتأييده لبقاء الأكراد ضمن الدولة العراقية لانها قوة للأكراد وليس ضعفا لهم، ودعوته لتثبيت الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتراثية للتركمان في دستور اقليم كردستان العراق واقتراحه تسليم احدى السلطات الثلاث اليهم مع ابرام اتفاق استراتيجي بين الكرد والتركمان.

وهو القيادي الوحيد الذي يعترف ان أحد الاخطاء المصيرية التي ارتكبتها القيادة الكردية هو إهمالها لتنفيذ خطوات المادة الدستورية 140 في مواعيدها المقررة منذ البداية، ويقر بانه قد يكون شريكا ومسؤولا عن ذلك الخطأ ايضا معترفا بأنه لن يتهرب من المسؤولية.

واليوم بعد قيادته لمعارضة حقيقية وليست صورية مثل الجماعة والاتحاد الاسلامي المشاركين في السلطة، تمكن نوشيروان مصطفى من فرض واقع جديد في المشهد السياسي الكردستاني، وفرض مفردات جديدة في الاوساط السياسية والجماهيرية الكردية، منها الاستقلالية في مفاصل وكيانات وهيئات السلطة، وكسر طوق الحزب على الحكومة، وارساء الشفافية في العمل الحكومي، والاقرار بالحقوق وحريات الفرد، وبيان الحقائق عن الميزانية، وكشف الثراء الفاحش للمسؤولين، وبيان معلومات عن نهب الاموال والممتلكات العامة، وادراك اهمية دور الشباب في القرار، وغيرها من المفردات الحقوقية والانسانية والسياسية والاصلاحية التي كانت غائبة عن المشهد في السابق.

واليوم وفي ظل الاوضاع الراهنة، يمكن ان نطرح سؤالا عن الاصلاح في الواقع السياسي الكردستاني، بالرغم من محاولات زعيم التغيير نوشيروان مصطفى ومطالب الاحزاب المعارضة في الاصلاح والتجديد، هل يتحقق الاصلاح الحقيقي المنشود في اقليم كردستان ؟ وهل تتحقق الاحلام التي تحلم بها المعارضة في اخراج الكرد من آفة عبودية وتسلط الزعامة العتيقة التي زرعها حزب غير ليبرالي قديم في نصف المجتمع الكردي ؟ وهل تتحقق احلام الشباب الكردي ومطالب متظاهري شباط الفائت المدنيين في السليمانية ومدن اخرى في المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص والحرية والكرامة وتقديم المسؤولين الفاسدين الى القضاء ؟

والاجابة على هذا السؤال تتطلب توقفا ودراسة عميقة للاحداث ومستجداتها، خاصة عندما نعلم ان ما بدأ به الرئيس البرزاني من خطوات وقرارات للاصلاح تعتبر متأخرة جدا وهي محدودة التأثير، وهي بمثابة quot;قطرة من بحرquot; بسبب قوة وتعقد وتعدد وتنوع مراكز القوى الفاسدة على حميع المستويات الحكومية والحزبية والمالية والاقتصادية، وفي ظل غياب كامل للبنية التحتية لفلسفة واخلاق الدولة في الاقليم.

ولكن بالرغم من هذا الواقع المرير، نجد ان زعيم الاصلاح مصطفى تمكن من احداث تغييرا مشهودا في المشهد السياسي وتغييرا ملموسا في الرأي العام داخل الشارع الكردستاني، وتمكن أيضا من دفع رئاسة الاقليم والحكومة والبرلمان الى اتخاذ خطوات عملية للاصلاح وتقديم برامج دعم للمواطن والشباب الكردي ولكنها مازالت بعيدة عن الطموح، لان الواقع مليء بمعاناة ومأساة كثيرة تدمى لها القلوب مازالت غائبة عن ابصار الرئيس البرزاني ورئيس حكومته المهيأ للرحيل برهم صالح.

ولهذا نأمل من كل زعامات الاحزاب الكردستانية البرلمانية ان تتجمع وتتحاور بجدية مخلصة، وان تدرك ان ساعة الحسم قد اقتربت لان الاوضاع السياسية العراقية والاقليمية مقبلة على مفاجآت وتغييرات غير متوقعة، وهذا الوضع المتوقع يتطلب توحيد البيت والقرار السياسي الكردي، وهذا التوحيد لا يتحمل المزيد من التباطؤ في مسيرة الاصلاح والمزيد من التباعد بين السلطة والمعارضة، اضافة الى ان الانسان الكردي بدى بحاجة ماسة وحياتية الى تغيير حقيقي وتجديد حيوي تساير المنطقة والعالم وهو تغيير حطم كل جدران وكهوف الخوف من السلطة الحاكمة.

وفي الختام نقول بكل موضوعية ان زعيم التغيير مصطفى قد ارسى فعلا الخطوة الاولى للاصلاح في اقليم كردستان العراق، ولكن هذا التغيير مازال بحاجة الى التوسع والامتداد والانفراج بخطوات جادة في الحاضر والمستقبل القريب من قبل السلطة والمعارضة للخروج باتفاق يمهد الارضية الصلبة للاصلاح والتغيير والتجديد لارساء مواطنة حقيقية من جديد في دولة فيدرالية اقليم كردستان على أساس العدالة والمساواة والتنمية والشفافية وتكافؤ الفرص والحرية والكرامة، وquot;غدا لناظره قريبquot;.

كاتب صحفي ndash; بغداد
[email protected]