- نموذج آلية quot;الكوطاquot;/quot; الحصةquot; الشبابية:
جرى نقاش حاد بين الفاعلين السياسين على هامش الاستعدادات للانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها يوم 25 نونبر/ تشرين الثاني من هذا العام بالمملكة المغربية. وهي أول انتخابات ستجرى في ظل الدستور الجديد الذي تم التصويت عليه بنعم، بنسبة كبيرة يوم الجمعة فاتح يوليوز/تموز.
وقد لفت انتباهنا من مجمل تلك النقاشات ما طالبت به الشبيبات الحزبية للأحزاب التقليدية سواء من الأغلبية أو المعارضة، يتعلق الأمر بتخصيص لائحة وطنية مشتركة بين النساء والشباب، نظرا لضعف التمثيلية السياسية لهذه الاخيرة في المؤسسسة التشريعية. وقد أيدت الحكومة هذا المطلب بدون تحفظ- طبعا تحت ضغط ربيع الثورات العربية، وضغط مجموعات شباب 20فبراير- وأثير لغط حول عدد المقاعد المخصص لهما ما بين 74 و90 مقعدا، قبل أن يستقر في 30مقعدا للشباب و60مقعدا للنساء، مما سيتيح للشباب المغربي quot;أقل من أربعين سنةquot; ولوج قبة البرلمان/ المؤسسة التشريعية.
ماهي الغاية من هذا المطلب/ الاجراء؟
الغاية المصرح بها من هذا الإجراء، دفع هذه الفئة للانخراط في العمل السياسي من ناحية، وتجديد النخب / الطبقة السياسية من ناحية أخرى.
أما الغاية المسكوت عنها والمضمرة، فهي أن المؤسسة الحزبية التقليدية تريد التخلص من quot; الشغبquot; المفترض أن يثيره هؤلاء داخل كياناتهم الحزبية؛ لاسيما أثناء اختيارالمرشحين ومنح وتوزيع التزكيات. ثم لا ننسى أن اللائحة الوطنية التي خصصت للنساء، والتي اعتمدتها الدولة المغربية في انتخابات 2002 و2007 شابتها عدة شوائب، حيث عملت بعض الأحزاب السياسية على ترشيح نسوة مقربة من زعماء وقادة الاحزاب؛ أي من أقاربهم وعائلاتهم، ولايستبعد أن يعاد نفس السيناريو مع الشباب؛ وفق مبدأ quot; الأقربون أولىquot; دون اعتبار لمعيار الكفاءة والمردودية والاستحقاق.
أما الدولة فهي تريد أن تحتوي حماس هذه الفئة المرتبطة بالاحزاب، وتشتري صمتها، وتكسب ودها، مخافة أن تنضم إلى حركة الاحنجاج الملتهبة في الشارع المغربي، طبعا،على غرار ما فعلته السلطة قبل التصويت على الدستور؛ من شراء للشارع، والزيادة في الأجور وغيرها من الإغراءات..
1- لا أحد يجادل في أهمية تطوير الشباب للحياة العامة، بانخراطهم في العمل السياسي عبر بوابة المؤسسة التشريعية؛ لأنهم يشكلون أكثر من ثلثي المجتمع المغربي، لكن ما يعاب أن تختزل مشاركة الشباب في السياسة في قبة البرلمان/ مجلس النواب، أو في الانتخابات فقط، هذا فهم قاصر للسياسة يراد تكريسه لدى هؤلاء، حتى تظل مطالبهم وأحلامهم لا تتعدى هذا السقف، ويتم خلق نخب معاقة وطيعة.
2- لا أحد ينكر أيضا أهمية تواجد هذه الفئة في المؤسسة التشريعية، للتعبير عن مصالحها وانتظاراتها، لكن المشكل أن يتحول هؤلاء كديكور لتأثيث قبة الرلمان، فنجد شبابا بدون فاعلية ولا إبداع، ولا يمثلون قوة اقتراحية تشريعية حقيقية، يصفقون لكل مشاريع القوانين الحكومية إلى جانب الكهول، وستجد الدولة فرصة لتسويق صورة البلد الديمقراطي، لفائدة المنظمات والمراكز الدولية. وتتباهى أمام الامم بوجود تمثيلية للشباب في البرلمان.
3- كان لمطلب الشبيبات بتمثيلية سياسية لهم، أصداء إيجابية وقبولا وترحيبا، من لدن الحكومة وخصوصا الاحزاب السياسية، ورفضا من قبل بعض الفاعلين السياسين، باعتبارها تكرس الريع السياسي والاتكالية.. وكذا الحركة النسائية التي تعتبر أن اللائحة الوطنية مكسب ناضلت من أجله، ولا ينبغي الالتفاف حوله، لاسيما أن الدستور الجديد ركز على مبدأ المناصفة.
من الدواعي التي جعلت هذه المنظمات الشبابية تدافع عن هذا المطلب، وجود بنية حزبية تقليدية، تفتقد للديمقراطية الداخلية، وتعطي الأولوية والأفضلية لأصحاب النفوذ والمال داخل الحزب، أو درجة قربها وولاءها لزعيم الحزب، إضافة الى الدواعي النفسية التي تتجلى في عدم الثقة في قدرات الشباب، فالحديث عن تجديد النخب في ظل واقع هذه الكيانات الحزبية حديث بلا جدوى، لاسيما أن الوظيفة التأطيرية والتكوينية المنوطة بها لم تعد قائمة، وهذا ما يفسر تخصيص دستور2011 فصلا خاصا بالاحزاب مبرزا غاياتها ووظائفها، بحيث يجب أن يكون تنظيمها وتسييرها مطابقا للمبادىء الديمقراطية، كما ورد في أحد بنوده، وفي السياق ذاته ركزت الخطب الملكية الأخيرة على ضرورة تأهيل الأحزاب السياسية.
لكن الواقع الحالي، يكشف لنا أن العمل السياسي اختزل في العمل الحزبي، والعمل الحزبي اختزل في quot;موسم quot; الانتخابات، واختزل دور الشباب في القيام بالحملات الانتخابية وتوزيع المناشير..
ولعل من مؤشرات الموت السريري للمؤسسة الحزبية؛ يتجلى في طبيعة النقاشات التي تخوضها فيما بينها وما بين السلطة، ويمكن وسمها بالتخلف والبلادة والعقم، تتصدى لقضايا هامشية وجزئية، وفي أحسن الاحوال quot;تقنويةquot;، بعيدة عن نبض الشارع وهمومه، فضلا عن غربتها عن المتغيرات المتسارعة التي تحدث في العالم على كافة الصعد.
ماذا يعني الخوض في العتبة والنسبة والاختلاف حول سن شباب اللائحة وعلاقته بالمعيار الدولي لسن الشباب، وموعد الانتخابات(الاقتراع)، والتقطيع الانتخابي...ويضاف إلى ذلك الصراع الذي كاد أن يتفجر ويتعقد ما بين الحركة النسائية والمنظمات الشبابية بشأن اللائحة الوطنية، وكذا المعركة التي نشبت بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي ووزارة الداخلية حول القوانين الانتخابية وطريقة تدبير الوزارة لهذا الملف وتشكيك الحزب في نزاهة الانتخابات المقبلة؛ وهي معركة في غير معترك، وداخل الحزب الواحد يثار نقاش تهدر فيه أوقات حول من يتولى لائحة الشباب وكذا النساء وترتيبهم في اللائحة. ربما السلطة تطبق سياسة تضييع الكل من أجل الجزء، أوالعام من أجل الخاص. أين هي الاسئلة الجوهرية المتعلقة بالمشاريع المجتمعية لهذه الأحزاب السياسية، والرؤى السياسية، وركائز النظام الديمقراطي، واشتراطات الانتقال لمرحلة الديمقراطية، والاشكاليات البنيوية في المجتمع..
وهل يمكن أن نصنع في المغرب نخبا ديمقراطية، بوضع إجراءات غير ديمقراطية؟
إن آلية quot; الكوطاquot; غير ديمقراطية في عمقها، ولايمكن أن تحل مشكلة بينيوية مرتبطة بما هو ثقافي(النظام البطريركي) ووجود بنية تصورية قائمة على دونية المرأة وأفضلية الرجل، فقضية إنتاج نخب حقيقية وجديدة، يجب أن يخضع لولادة طبيعية، وليس بوضع إجراءات تميع غايات النظام التمثيلي الديمقراطي.
هذا الإجراء الذي تبنته الدولة في حالة النساء يبدو مفهوما في أفق تطبيع الحضور النسوي في المؤسسة التشريعية، ولا ينبعي العمل على تأبيده، وكان حريا بالديمقراطيين أن يقترحوا سقفا زمنيا لإزالة آلية الكوطا، لكي تنخرط النساء بشكل تلقائي في المجتمع إلى جانب الرجال، وتلجن حلبة التنافس الانتخابي بكل ندية. أما في حالة الشباب فهو غير مبرر في جميع الاحوال، فحرمان هذه الفئة من التواجد في قبة البرلمان، مرتبط بضعف الاحزاب السياسية، والنهج الذي تسلكه في منح التزكية والترشيح. إن تخصيص مقاعد للشباب ضمن اللائحة الوطنية المخصصة للنساء، من شأنه أن يفتح المجال لفئات مجتمعية أخرى ستطالب بحصتها كذلك، كفئة المعاقين، والجالية المغربية المقيمة بالخارج...
لاشك أن منهجية الدولة في تدبير كثير من الملفات، الذي يقوم على quot; الترضياتquot; quot;وتهدئة الخواطرquot; كما في حالة الكوطا الشبابية؛ ستكون لها تداعيات سلبية، منها بطء الانتقال الى الديمقراطية، وغموض المستقبل السياسي للبلاد.