ثارت ثائرة عدد من أصدقائي الأفاضل على مقالتي الأخيرة التي قلت فيها إن لإسرائيل إيجابياتها التي لا يحق لنا نحن العرب أن نعيبها عليها مثل التداول السلمي على السلطة فيها، وتقديس مواعيد الانتخابات..
قال أصدقائي إن إسرائيل عنصرية ومجرمة، وإن ديمقراطيتها منقوصة فهي لا تحترم حقوق الأقليات مع أن حماية حقوق الأقليات من أبسط معاني الديمقراطية..
هؤلاء الإخوة الأفاضل الذين انتقدوا مقالتي وقعوا في ذات الخطأ الذي حذرت منه وهو الانزلاق إلى الأحكام العاطفية بفعل المعاناة والألم الذي سببه الاحتلال الصهيوني لهم ولنا جميعاً..
لست مضطراً لإثبات مدى كراهيتي لعدو احتل أرضي وشرد شعبي وهدم مساجدي وأوجد في كل بيت في وطني حزناً ومأتماً..
الاحتلال عنصري ومجرم وهو عار على جبين الحضارة الإنسانية وكيانه قائم على القتل والتشريد وارتكاب المجازر..لا خلاف في ذلك. بل إنه حتى في قضية الديمقراطية فهي منقوصة، لأنها ديمقراطية لليهود وحسب، والعنصرية متغلغلة في بنية هذا الكيان حتى بين اليهود أنفسهم، فاليهود الغربيون ينظرون إلى اليهود الشرقيين نظرة احتقار وازدراء، وأضيف لمن انتقد مقالتي من الشعر بيتاً وهو خبر فضيحة عنصرية حدثت في المجتمع الإسرائيلي منذ عدة سنوات حين رفض بنك الدم الإسرائيلي استخدام كميات كبيرة من الدم كان قد تبرع بها أبناء يهود الفلاشا وتخلص البنك من هذه الدماء، الأمر الذي ترتب عليه مظاهرة كبيرة تحت شعار ldquo;دمنا مثل دمكمrdquo;، شارك فيها حوالي 10 آلاف من المهاجرين الإثيوبيين..
هذا الكيان لم تمنعه ديمقراطيته من دعم الأنظمة الاستبدادية في الوطن العربي، والسعي الحثيث لإجهاض مسيرة التحول الديمقراطي..
إن بوسعنا أن نكتب مجلدات عن مساوئ إسرائيل ونحن محقون في ذلك..ولكن علينا أن نحافظ على نقطة التوازن في أحكامنا رغم عمق الجرح الذي أحدثته إسرائيل فينا..
في مقابل كل هذه المساوئ هل يستطيع أحدنا مثلاً أن ينكر أن أي مواطن إسرائيلي يستطيع أن يهاجم رئيس الوزراء وينتقده في وجهه دون أن يخاف على نفسه من الملاحقة والاعتقال..
هل ننكر أن أي رئيس وزراء إسرائيلي على مدى تاريخ كيانهم لم يستطع أن يتنكر لنتيجة الانتخابات الديمقراطية، أو يؤجل موعد الاستحقاق الانتخابي..
هل نستطيع أن ننكر أنه لم يحدث في تاريخ الكيان أن فصل موظف من وظيفته لانتماء حزبي أو رقي آخر بدون كفاءة فقط لانتمائه الحزبي؟؟
هل بوسعنا أن ننكر أن الإسرائيليين لا يعرفون في قاموسهم مصطلح الاعتقال السياسي..وهل بوسعنا أن ننكر أنه لا فضل لرئيس على مرءوس أمام القانون عندهم!!
وهل نملك أن نغطي شمس الحقيقة بغربال فنتجاهل حجم التقدم العلمي والتكنولوجي في المجتمع الإسرائيلي، ومدى ريادة الجامعات الإسرائيلية في مجال البحث العلمي على مستوى العالم..
إن الجرح الذي أحدثته إسرائيل فينا هو جرح غائر وعميق بلا شك..ولكن العدل يقتضي منا أن نتعالى على جراحاتنا ونظل محافظين على النظرة الموضوعية فنرى الصورة كاملةً بمساوئها ومحاسنها..
دعوتنا للقراءة الموضوعية للعدو لا تنبع من حبنا له ولا انبهارنا بإنجازاته ، بل إننا حين نفعل ذلك فمن أجل أنفسنا. لأن القراءة الموضوعية وحدها هي التي تفيدنا في تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف لديه، فإذا عرفنا نقاط قوته وجب أن نسعى للتأسي بها لنتقدم من حيث تقدم، أما نقاط ضعفه فنسعى لمراكمتها واستثمارها ضده..
أما القراءة العاطفية فإنها وإن شفت غليلنا مؤقتاً فإنها لن تغني عنا شيئاً وستبقينا في دائرة الأوهام والأحلام..
القرآن يدعونا إلى القراءة الموضوعية ويحذرنا من القراءة العاطفية التي يغلب عليها الهوى، فالقراءة الموضوعية هي العدل الذي من أجله قامت السموات والأرض وفي سبيل إقامته في الأرض أرسل الأنبياء..يقول الله تعالى quot;ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب بالتقوىquot;..والعدل هو إصدار الأحكام الموضوعية على الأعداء..
لقد تمثل سلفنا الصالح رضي الله عنهم بهذا المنهج القرآني فما أخرجتهم عواطفهم البشرية عن العدل في الحديث عن عدوهم..ولنا في حديث عمرو بن العاص عن الروم أسوة حسنة..
عَنْ اَلْمُسْتَوْرِدِ اَلْقُرَشِيِّ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقُولُ: laquo; تَقُومُ اَلسَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ اَلنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَئِنْ قُلْتُ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ اَلنَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ, وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ, وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ, وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ, وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ اَلْمُلُوكِ raquo;
لقد أبرز عمرو بن العاص محاسن الروم مع عداوتهم للإسلام والمسلمين!!
ألا يجدر بنا أن نتأسى بهذا المنهج!!
quot;والله يقول الحق وهو يهدي السبيلquot;..
[email protected]