يعرف العديد، و انا منهم، بوضوح الإشارات الخطيرة التي تظهر الحراك الاردني في الشارع انه يتبنى نفس مسار الربيع العربي لتغيير النظام تحت مسميات الاصلاح و لكن التغيير عند البعض محكوم بالفشل كما فشلت جمهوريات عربية انتهى شتاؤها السياسي.

و يرى ساسة و اقتصاديون كيف أن المملكة الاردنية الهاشمية حيوية و جادة لتنفيذ السياسات الاصلاحية رغبة منها في الاصلاح اولا واحتواء وتجنب التغيير في الوقت الراهن ثانيا و ذلك لمنع الاردن من المصير نفسه الذي اودى بالجمهوريات و عصف باقتصادها و سياسيها بعد رحيل حكامها.

في عصر ثورات الربيع العربي يعتقد البعض ان الوضع في الاردن يمر في اسؤ اوضاعه التاريخية، و هذا وضع مقلق و مخيف و لا يحتاج الى نبؤة لمعرفة اين يتجه المتشددون و المتطرفون، فالخيار امامهم واضح بعد علو الصوت الاخواني و السلفي في دول عربية، ونجاح الشارع في اقصاء الحاكم و اجهزتة و ادواته.

على الشعب ان يعي الكارثة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية ان رحلت الملكية او استبدلت. و من المتداول للابقاء على الملكية ثلاث خيارات، اولها ان تتحول الى ملكية دستورية مع الابقاء على الملك عبد الله الثاني ملكا على البلاد، و ثانيها ان يحدث تغيير ياتي بالامير حمزة، و لي العهد السابق ملكا في ملكية دستورية، و الثالث ان يعهد الى الامير الحسن بتولي ولاية العهد مع تعهد بأن يصبح ولي العهد الحالي quot;الحسين quot; ملكا بعد عمر طويل، و هو خيار سبق للملك الحسين الحديث فيه مع الامير الحسن الذي رفض التعهد لمن يخلفه بعد ان يصبح ملكا !. و تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، مع عين امريكية على الاردن وقودها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون صديقة الملكة نور والدة الامير حمزة.

الكتابة عن رحيل المملكة quot; نظاماquot; صعب و يقع في الممنوع و لست مع quot;الرحيل quot; جملة و تفصيلا، بل مجرد الاقتراب منه يودي بحياة من يتعرض للفكرة تلك الى ما لا يحمد عقباه،و لكنها ليست نهاية العالم او بداية الجحيم و على المثقفين و الوطنيين ان يدلوا بافكارهم و ارائهم لاجل اردن امن و مستقر دون خوف او خجل من طرح ما يدور في خلد شارع مشتعل و حمى ربيعية، بعيدا عن غباء الخوف من كسر الخطوط الحمراء وتقربا بأمل الجرأة في الحديث حول المستقبل.

قد تكون بداية سقوط الملكية و الغاء الهاشمية مع الابقاء على الاردنquot; اسماquot; طريقا لنظام بديل عند البعض حيث يخدم اطرافا خارجية، و لكن اي اردن في عقد البدلاء و مخططات الوطن البديل و النظام البديل الفلسطيني الذي يسقط القدس و يلغي الدولة الفلسطينية ؟

ان الاردن، شاء من شاء و ابى من ابى، يواجه عاصفة نهاية الحكم الملكي المطلق، عاصفة استبدال الملكية، عاصفة نهاية الملكية الى حد كبير تحت المجهر. و يأتي الرد من رحم النظام على ذلك ضمن محاولات الابقاء على النظام من خلال تضخيم حجم الفاسدين و الاشتراك في اطلاق يد النهش في اسماء كبيرة و مسؤولة تقدم قربانا لمجموعات متشددة متطرفة، وهذا يشكل في حد ذاته تهديدا لاقدم ملكية في الشرق الاوسط و لابد من التحذير بخطورة ما يجرى وخطورة طريقة التعامل معه عن طريق الاشتراك الخاطيء في استرضاء مثيري الثورات الربيعية بذبح quot;اسود الوطن والنظام على طريقة خراف العيد quot; ظنا منهم ان ذلك يبقى على اسماعيل حيا.

مرحلة ما بعد الملك عبد الله، لا سمح الله، موشحة بوجود بلد مقطوعة الرأس مع ركام عشائري محترق و فتنة طائفية، وارض خصبة لظهور احقاد ويفصل الدماء الملتصقة وطنيا عبر سنيين و يهدد في النهاية الوحدة و يؤدي إلى حصر الاردن و عزلته عن العالم العربي.

اقصد القول انه قد فشل بعض المستشارين الحاليين في تقديم النصح للنظام كي يبقى قويا مستقرا، ان يستمر في قلب و احضان الشعب، و ان يستند في تلاحمه مع الشعب، الذي بايع الملك عبد الله الاول في مؤتمر اريحا و الذي وضع مع الملك طلال الدستور في عام 1952، الى الشفافية و الحوكمة الرشيدة.

لقد دفع بعض المستشاريين باتجاه الامالة على طول الطريق نحو انهيار اركان وجسر النظام بخيارات ضعيفة شوهت صورة الاردن، و جعلت المملكة على بعد اقدام من حافة هاوية رغبة منهم للراحة في اسفل الواد عوضا عن مكوث النظام في راس الجبل، و هذا التحذير الثاني الذي يجب ان يلتفت اليه.

و من الامثلة على تلك الاستشارات الخاطئة التى مررها مجلس نيبابي بناء على تداخلات و توجيهات من دوائر مختلفة، الغاء حقوق مليون مواطن اردني من المشاركة السياسية و حق اعتلاء كرسي المسوؤلية كونهم من حاملي الجنسيات الاخرى، و هذا اول خطاء جعل قرابة مليون مواطن يحملون الجنسية الاردنية اضافة الى جنسية اخرى في خندق غير عابيء بما يحدث ضد الدولة، بل جزءا منه اصبح في حالة عدم توافق مع النظام.

و ايضا من الامثلة تدخل الحكومات و الاجهزة و الدوائر المعنية في الانتخابات التى اصبحت مهدا ليس فقط للديمقراطية المسرحية بل للديمقراطية المفسدة للناخبين الذين تم شراء بعض منهم عن طريق الاقتراض من مستقبل وطنهم مقابل رشوة من بعض من تولوا مناصب عليا في الحكومات لاحقا. و اعتقد ان مرحلة ما بعد الملك عبد الله هي ديمقراطية اكثر فسادا و الحاقا بالاذى لمستقبل الشعب.

الاردن يعيش مرحلة معارك بين رؤساء حكومات سابقين مسلحين بمدراء مخابرات سابقين و تابعيهم من قلة لا تتعدى اصابع اليد من صحفي الدنانير، و هي ايضا تهتك عرض البلاد و تزيد الفرقة و النقمة و تهدد النظام و تضعفه.

ان الحكومة القوية هي من يكون اعضاؤها اقوياء علما و خلقا و اصحاب خبرة دولية و حنكة سياسية مشهود لهم بنظافة العقل و القلب و اللسان قبل اليد، لا يمسها تضارب المصالح الشخصية او الاهواء الافتعالية و المنافع، و هي الحكومة القادرة على تسيير امور البلاد امام مجلس نيابي منتخب لا يدار بعض منه بالريموت كونترول احد و لا يسبح بعطايها احد.

اذا ما لم يتم التعامل بحكمة و استقطاب ابناء الاردن في الداخل و الخارج و اشراكهم ضمن ايقونة متساوية لمحاربة الفاسدون الحقيقيون و ارساء قواعد و اسس الاصلاح ووضع خريطة اقتصادية و استثمارية واضحة المعالم و الغاء طبقية الانتقاء لمن يتحمل مسؤولية ادارة شؤون البلاد،فأن تشنجات كبيرة تنتظر الاردن، وفي النهاية قد يكون الاردن في عالم آخر مع منتصف شهر ابريل 2012، وغير ما هو متعارف عليه الان، لذا وجب الحذر و النصيحة و للحديث بقية.

[email protected]